المصريون بين اختفاء الأدوية وارتفاع أسعارها

مرضى يشترون الأدوية من إحدى الصيدليات بمدينة 6 اكتوبر ـ 18 يناير 2017)
أزمة الأدوية تفاقمت بعد قرار وزير الصحة رفع أسعار 3010 أصناف دوائية بنسب تتراوح بين 30 و50% (الجزيرة نت)
عبد الله حامد-القاهرة
 
حينما تسلم حسين راتبه الشهري سارع ليشتري العلاج الذي كتبه الطبيب، فلم يجده، وفي آخر صيدلية دخلها، نصحه الصيدلي بألا يبحث عنه، بل يشتريه من السوق السوداء بضعف السعر.

يقول حسين (موظف) "حذرني الطبيب من خطورة عدم تلقي عبوات المناعة: الهموغلوبين، لكن ثمنها رسميا صار 2648 جنيها (نحو مئتي دولار)، وذلك فوق طاقتي، فكيف سيكون سعرها بالسوق السوداء؟ يبدو أنني سأنتظر لاستلام مرتب الشهر المقبل لشراء كفن".

غير أن رضا -وهو موظف أيضا- فكان أحسن حظا، وقال "لولا أن دلني خيِّرون على جمعية تقدم دواء للسرطان تنتهي صلاحيته الشهر المقبل، لما تمكنت العائلة من شرائه لشقيقي الأكبر، بعد أن كنا على وشك بيع أثاث منزلنا لشراء الدواء بنحو 26 ألف جنيه (نحو 1300 دولار)، ويبدو أننا سنضطر لبيع الأثاث يوما ما لتوفير العلاج".

الموقف نفسه عبرت عنه نجلاء (ربة منزل) فعائلتها تعجز عن توفير دواء الأورام لوالدها، والمستشفى الذي يعالج فيه طلب منا ثمن الدواء بسعر السوق السوداء، وهو ما لا نستطيعه، فأشارت علينا الممرضة بالاعتماد على الأعشاب، وهو البديل الوحيد، ولا ندري هل يجدي فعلا؟".

دون حلّ
وتفاقمت أزمة المرضى الفقراء بعد قرار وزير الصحة أحمد عماد الدين رفع أسعار 3010 أصناف دوائية مؤخرا بنسب تتراوح بين 30 و50%.

‪دواء للسرطان ثمنه 26 ألف جنيه وفرته جمعية خيرية للمرضى الفقراء بسعر أقل‬ (مواقع التواصل)
‪دواء للسرطان ثمنه 26 ألف جنيه وفرته جمعية خيرية للمرضى الفقراء بسعر أقل‬ (مواقع التواصل)

وأرجع وزير الصحة -في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه رفع أسعار الدواء- السبب إلى ارتفاع كلفة الإنتاج واستيراد المواد التي تدخل في صناعة الدواء، بعد تعويم سعر صرف الجنيه وتدني قيمته.

ووفق بيانات غرفة صناعة الأدوية في اتحاد الصناعات، يبلغ عدد الأصناف المسجلة نحو 13 ألفا، المتداول منها فعليا سبعة آلاف. وقال تقرير لمركز الحق في الدواء إن "هناك نقصا حادا في الأدوية الرخيصة التي هي في متناول الفقراء، في حين تتوافر أدوية ثمنها يصل لثلاثين ألف جنيه".

وبحسب المركز فإن هناك شحا في خمسمئة صنف، بعضها لأمراض مزمنة، مثل الإنسولين المدعم، وحقن الصبغة التشخيصية، والألبومين، وأدوية الأطفال، وحقن هرمونات السيدات، والآر أتش للسيدات، وهناك 805 أصناف أخرى لها بدائل".

ويؤكد نقيب صيادلة القليوبية السابق أحمد رامي أن ارتفاع الأسعار الأخير هو الثاني من حيث عدد الأدوية ونسبة الزيادة، ملمحا إلى أن الزيادة الكبرى على الإطلاق تمت منذ بضعة أشهر، وهو ما جعل أسعار أغلب الأدوية الأكثر تداولا ترتفع بنسب تقارب 100% خلال أشهر قليلة.

عبء الدولة
وتابع رامي في حديثه للجزيرة نت أنه "في ظل غياب التأمين الصحي وخفض الإنفاق للعلاج على نفقة الدولة، يقع عبء تدبير تكلفة العلاج على المواطن مباشرة دون التزام الدولة بأي واجبات اجتماعية أو سياسية تجاه مواطنيها".

‪أحمد رامي: المواطن صار يتحمل عبء العلاج بعد خفض إنفاق الدولة عليه‬ (الجزيرة)
‪أحمد رامي: المواطن صار يتحمل عبء العلاج بعد خفض إنفاق الدولة عليه‬ (الجزيرة)

وبرأيه فإنه لا حلّ إلا بإنشاء نظام تأمين صحي يقوم بتوفير العلاج للمواطنين مقابل ما يدفعونه من ضرائب، إلا أن ذلك الاتجاه -وفق رامي- لا يضعه النظام الحالي ضمن أولوياته، "لأنه نظام لم ينشأ إلا بقوة السلاح وليس لمشروعية وجوده أو استمراره ارتباط بتحقيقه مصالح المواطنين".

ووصف الصيدلي ياسر محروس ارتفاع سعر الدواء بالمأساة الشديدة والمركبة، "فالمريض المتوسط الحال لن يستطيع مواجهة هذه الارتفاعات في كل مستلزمات الحياة، وهنا سيضحي بالدواء، ليصبح المجتمع معتلا حرفيا، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية بين فئتين من فئات المجتمع التي أوقد وزير الصحة نارها، بين الصيدلي والمريض".

وتابع محروس -وهو أيضا صاحب شركة أدويةـ في حديثه للجزيرة نت، إنه "ليس هناك من حل غير الرجوع للتكلفة الحقيقية، فمثلا تكلفة الأوغمنتين الحقيقية هي خمسة جنيهات، فلماذا يباع بـ64  جنيها؟ ليرتفع إلى 99 جنيها في الزيادة الأخيرة؟"، موضحا أن الزيادة الناجمة عن ارتفاع الدولار لا تتعدى عشرة أو 15 جنيها فقط، والباقي هو "نتاج توحش شركات الأدوية وانعدام ضمير بعض الأطباء".

المصدر : الجزيرة