شعار قسم مدونات

مِصْرُ التي في خاطري

blogs - egypt

مِصْرُ التي في خاطري عشْناها في أشعار أحمد شوقي، واستنْشَقْنا هواء نِيلها في قصائد حافظ إبراهيم، ومشَيْنا في حواريها في روايات نجيب محفوظ، عَشِقْناها في كتابات عمالقة الأدب العربيّ الذين لن يُكرِّرَهم التاريخ.

كبرْنا وكبر حبّ مِصْرُ معنا، رفدَه الأدب والفنّ الذي قادتْه مِصْرُ، وتفوّقتْ فيه بلا منازع، حفظْناها وحفظْنا أسماء مُدنها وشوارعها، أَجَدْنا لهجَتَها وبعضُنا لم يزُرْها قطّ، أحبَبْناها وإنْ كنّا دائمًا ما نتمنّى لها حالًا أفضل ممّا هي عليه؛ حُبًّا فيها وفي أبنائها مِن جهة، ولمعرفتنا أنّنا لن ننهضّ كأُمّة عربيّة بدونها مِن جهة أخرى، فهي أُمُّ الدنيا وأُمُّ العرب، ونحن أيتام نتخبَّط بدون بوصلة مِن غيرها.
 

مِصْرُ التي في خاطري، لا يرمي أبناؤها بأجسادهم على قوارب مُتهالِكة هربًا مِن ظلمها وقسوتها، ولا يموتُ سكّانها من الفقر والمرض والتهميش.

"اللي بنى مَصْر، كان في الأصل، حلواني.." أُغنية آمنّا بها وردَّدْناها، مِصْرُ مَقصِد كلِّ باحث عن "العِيشة الحِلوة"، وطنُ مَن ضاعَ وطنه، قلبُ العروبة النابض بالحياة.

إنّ القلب ليحزَن والعَين لتدمع على ما آلت إليه المحروسة اليوم، نُطالع أخبارها التي لا تسرّ، اقتصاد مُتهالِك، وشبابٌ يائِس، بطالة مُرتفعة، أُمِّيَّة تنهش جسدها التعِب، طائفيّة تُهدِّدُ نسيج المجتمع المُتهتِّكِ، فأينَ مِصْرُ اليوم؟ أينَ مِصْرُ العراقة والتاريخ العظيم؟! أينَ مِصْرُ الفنّ والشعر والأدب؟! أينَ مِصْرُ العروبة؟! أينَ الشباب السُّمر خفيفو الظّلّ؟! أينَ مِصْرُ التي في خاطري؟

مِصْرُ التي في خاطري هي مِصْرُ المُتسامِحة الرؤُوفة على أبنائها، هي الأُمُّ الحنون التي تضمُّ أبناءها مهما اختلفت انتماءاتهم تحت عباءتها، فهي تعرف أنّها قويّة باختلافهم وتنوُّع أفكارهم.

مِصْرُ التي في خاطري، لا يرمي أبناؤها بأجسادهم على قوارب مُتهالِكة هربًا مِن ظلمها وقسوتها، ولا يموتُ سكّانها من الفقر والمرض والتهميش، مِصْرُ التي في خاطري تحصُد المراكز الأولى في الطّبّ والعلم والأدب والفنّ وإبداع شبابها، لا في أعداد المُصابين بالتهاب الكبد الوبائيّ والأمّيّة والتحرش الجنسي .

 
مِصْرُ التي في خاطري ثروة أهلها التسامح والمحبّة والطيبة وخفّة الظّلّ، لا يعرف أبناؤها الحقد ولا تُفرِّقهم هُوِيَّة، فحُبُّ مِصْرَ هُوِيَّتُهم، مِصْرُ ثروتها في شبابها فالشباب هم عصب الحياة ومعقد الأمل، وهم وحدهم القادرون على النهوض بالأوطان.

متى سنعي جميعًا أن حلول الأمس لا تُناسب مشاكل اليوم بل إنّها تفاقمها. أعطوا الفرصة للشباب الواعي المثقّف المطّلع على العلوم وإنجازات الأمم الأخرى، استفيدوا من طاقته بدلًا من أن تُهدرَ على "القهاوي" و"الشيشة"، أو أنْ تُعطيَ هبّة للدول التي تُقدّرها، الشباب هم صنّاع المستقبل، لا غد يُرجى منه أمل والشبابُ مُهمّش ويائس.

متى سنعي أنّ مؤسّساتنا ترهّلت وهرمت وأنّها تحتاج إلى دماء جديدة شابّة، لا تعرف اليأس، ولم تتشبّع بأحقاد الأمس، دماء قادرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق، تجد في الاختلاف ميزة وفي التنوّع كنزًا، تُعطى الفرص بناءً على الكفاءة لا الواسطة. إنْ لم ينشغل الشباب في بناء الوطن ففي ماذا سينشغلون؟! وإنْ لم يبنِ الشباب الوطن فمَن يبنيه؟!

قد يقول البعض: وهل مصر وحدها التي تُعاني؟ ولماذا تخُصِّينَ مصر بالحديث والحال ليس أفضل بكثير في غيرها من البلدان العربيّة؟! سأترك هذا السؤال دون إجابة؛ لأنّ السائل حتمًا لا يعرف أهميّة مصر في الخارطة العربيّة وتأثيرها على محيطها، هذه مصر .

مِصْرُ التي في خاطري وفي فَمِي
أُحبُّها مِن كلّ رُوحي ودَمِي
يا لَيْتَ كلّ مؤمن بعزِّها يُحِبُّها
حُبِّي لها

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.