شعار قسم مدونات

مقص فيسبوك

blogs - Facebook - Cut
أمضي وقتاً طويلاً في تصفح فيسبوك يومياً متفوقاً على أي منصة أخرى للتواصل الاجتماعي. أراقب الخلاصة الإخبارية أو "News Feed" أتفاعل مع محتواه بالإعجاب والتعليق مؤيداً أو مستنكراً وربما معزياً أو مهنئاً. أكتب قليلاً وأنشر بعضاً من الصور وأشارك محتويات لصفحات وحسابات مختلفة.
 

في 6 سبتمبر/ أيلول 2016، احتفل مارك زوكربيرغ بمرور 10 أعوام على انطلاقة الخلاصة الإخبارية بعد سنتين من تأسيس فيسبوك في 2004. إذ حينها، كان الموقع الأزرق عبارة عن صفحات شخصية نزورها نحن المستخدمون دون إمكانية إطلاعنا على تحديثات كل لائحة الأصدقاء والمجموعات والصفحات في مكان واحد.

إن خوارزمية فيسبوك أكثر تعقيداً من ذلك ويخيم عليها الغموض والسرية وتكاد تعصى على الخبراء في فهمها كونها لا تخضع لمعيار أو عامل واحد

يقول زوكربيرغ إن "News Feed" من أكثر الأنظمة المتقدمة تقنياً التي طورها فيسبوك، إذ أنه يعرض تحديثات لأكثر من مليار مستخدم حسب اهتمامات كل واحد منا وما يعتقد فيسبوك أنه أكثر أهمية لنا وقد تكون الحقيقة غير ذلك. يضيف مارك بأن "News Feed" لكل مستخدم يختلف عن الآخر أي أن ما أراه على حسابي على فيسبوك لن يراه زميلي أو صديقي وإن تشاركنا بعض الأصدقاء والاهتمامات والإعجابات.

نخضع باستخدامنا لفيسبوك لما يلميه علينا "News Feed" من تحديثات لأصدقاء وصفحات يبرزها لنا ويحجب أخرى لأصدقاء آخرين وصفحات أعجبنا بها وقد نكون نسيناها. كل هذا يجري، حسبما هو معلن، تحت مظلة تقنية تسمى الخوارزمية (Algorithm) وهي عملية حسابية معقدة تحتوي على رموز برمجية تتحكم بما نراه من تحديثات وفق تفاعلنا السابق مع هذه الصفحات.

وللأمانة، إن خوارزمية فيسبوك أكثر تعقيداً من ذلك ويخيم عليها الغموض والسرية وتكاد تعصى على الخبراء في فهمها كونها لا تخضع لمعيار أو عامل واحد. لكن زوكربيرغ وفريقه يغلظون الأيمان بأنها لا تخضع لتدخل بشري.

قد يكون ذلك صحيحاً لكن التجارب السابقة وهي كثيرة تدل على العكس حيث أن مقص المحرر أو الرقيب الفيسبوكي كان حاضراً لإزالة محتويات كثيرة تحت ذرائع عدة بينها انتهاك سياسة الموقع. وكذلك روح المحرر نفسها تروج تحديثات وصفحات مدفوعة الثمن.

هذا يحصل مع قضايا الغرب فكيف إذن التعامل مع القضايا العربية أو شؤون المستضعفين في الأرض لا سيما في دول العالم الثالث؟

لن أدخل في تعداد الأمثلة، فجعبتكم ممتلئة وحقيبتي أيضاً بنماذج كثيرة، لكنني سأتوقف عند أحدثها عندما تدخل مقص فيسبوك بداية سبتمبر/ أيلول 2016 لحذف الصورة الشهيرة لطفلة فيتنامية عارية أثناء هروبها من قنابل النابالم الحارقة. وكان رئيس تحرير جريدة "آفتن بوستن" النرويجية قد رفض الاستجابة لإزالة الصورة كونها صورة توثيقية أيقونية لا صورة إباحية. وقد اتهم رئيس التحرير إسبن إيغل هانسن مؤسس فيسبوك، في رسالة وجهها له، بأنه يسيء استخدام السلطة كونه أقوى محرر في العالم. والأنكى أن فيسبوك حذف تدوينة للكاتب النرويجي توم إيغلاند تتضمن احتجاجاً على ذلك ثم عطل حسابه.

قبل ذلك بأيام معدودة في 26 أغسطس/ آب، أعلن فيسبوك طرده فريق العمل المتخصص في لائحة الأخبار الأكثر انتشاراً (Trending) ليفسح المجال أكثر للخوارزمية. بيد أن فيسبوك كان يقول إن هذه اللائحة كانت تخضع أصلاً لخوارزمية حتى فضح الأمر موظفون سابقون في فيسبوك لمدونة "Gizmodo" التقنية قائلين إن هناك تدخلاً بشرياً يتحكم في هذه اللائحة مشيرين إلى حذف أخبار تتعلق بالتوجه السياسي المحافظ في الولايات المتحدة من اللائحة. وقد أكد تقرير حصري لجريدة الغارديان هذا الأمر حيث نشر لائحة التوجيهات للمحررين وبينها تجاهل هاشتاغ حركة حياة السود مهمة.

هذا يحصل مع قضايا الغرب فكيف إذن التعامل مع القضايا العربية أو شؤون المستضعفين في الأرض لا سيما في دول العالم الثالث؟

للأسف قد تكون الإجابة في اتفاق فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية في 12 سبتمبر/ أيلول 2016 لمواجهة ما وصفوه بالتحريض. فقد بحث مسؤولون في فيسبوك مع وزيري الداخلية والعدل الإسرائيليين الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة العنف والإرهاب على مواقع التواصل. وقال وزير العدل الإسرائيلي إن فيسبوك يتجاوب مع 95% من التبليغات الإسرائيلية.

يصرّ زوكربيرغ على أن فيسبوك شركة تكنولوجية ولن يتحول إلى شركة إعلامية. وخلال حديثه لطلاب جامعة روما لويس نهاية أغسطس/ آب 2016، شدد على أنهم يبنون الأدوات ولن ينتجون أي محتوى. ويبدو أنه قد فات زوكربيرغ أن الوسيط "الوسيلة الإعلامية" هو الرسالة نفسها. وهو ما شرحه في ستينيات القرن الماضي، العالم مارشال ماكلوهان موضحاً أن شكل الوسيلة أو الوسيط يحدد المحتوى ويؤثر في بيئة المتلقين. فما بالنا بأكبر وسيط في القرن 21 يصل إلى أكثر من مليار ونصف المليار متفاعل لا متلقي؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.