شعار قسم مدونات

صراع المسميات

blogs - chess
كثيرا ما تسمى الأمور بغير حقيقتها قصدا لطمس مقاصدها وسعيا لتضليل سامعيها، وهذه القضية من أخطر القضايا وهي من طرق إقفال الحقيقة ومن شيم أصحاب الباطل أعداء الله ورسله كما قال عز وجل: "ﻳُﺤَﺮِّﻓُﻮﻥَ ﺍﻟْﻜَﻠِﻢ ﻋَﻦْ ﻣَﻮاضعه".

وهذا التبديل كان من الأخطار التي أقفلها المسلمون منذ عقود كثيرة، وقد كانت هي المداخل التي يسلكها المستهدفون للإسلام القاصدين هدمه وإضعافه.. فحديثا وفي بدايات الغزو على العالم الإسلامي؛ سُمِّيَت التحركات الغربية للتجسس على المسلمين بالكشوف الجغرافية، ثم تلتها حملات الاستعمار الصليبي؛ وسميت بالتبشير كغطاء للتنصير المصحوب بطمس الهوية وتفريق الشعوب، وحتى عندما لاح شعاع الاستقلال في كل بلدان العالم الإسلامي من قبضة المستعمر البغيض؛ تدخلت أياديه في عرقلة نهوض تلك المستعمرات السابقة بإجهاض كل المسميات الجامعة على أساس الدين واستبدالها بالعرق أو اللغة، فلدينا أمثلة حية على ذلك..

فمقترح الجامعة العربية الموجودة حاليا كان "الجامعة الإسلامية"، ولكن بعد تدخل المخابرات الغربية استعيض عنه بمسمى العربية حصرا للمفهوم ووأدا لتأثيره على الأمة بشتى شعوبها، فلم يكن للجامعة العربية سوى اجتماعات تعقد فيلتقي فيها العرب ويتفاخر فيها رؤسائهم ويظهرون مفاخرهم ويطلقون ألسنتهم بما لا يغني ولا يسمن من جوع، وتختتم الجلسات وترجع الوفود.. ولكن ماذا لو كان اسمها الإسلامية؟.. لكنا شهدنا أمرا آخر قد يدفع لوحدة إسلامية حتمية لا يمكن أن تكون غير ذلك، خصوصا وأن أكثر الدول الإسلامية تقدما غير عربية كأندونيسيا وتركيا وباكستان.

الاستعمار الحديث يستمر في فرض نفسه بديلا عادلا، ويتمثل بأنه حامٍ لحقوق الإنسان، ومنقذا للعالم ومحذرا من عدو لا يدري أنه المقصود به.

وأيضا في ظاهرة الربيع العربي، فالأصح أن تسمى بالربيع الإسلامي، خصوصا وأن كل الثوار مسلمون، فالمتأثر مسلم وفي المقام الأول ليس عربيا فحسب، بل هو مسلم، والإسلام يغلب على مسمى العرق، ولكن قصدوا عزل العربي عن الإسلام، فقالوا عنها عربية خوفا من توسعها وانتشارها في الدول الإسلامية غير العربية والتي ذكرنا أنها اكثر قوة وأقرب للغرب تكنولوجيا واقتصاديا، ولكن قاعدة المستعمر القديمة "فرِّقْ تَسُدْ" كان لها التأثير الأكبر في عزل مسلمي العرب وتركهم ضحايا للثورات التي تستهدف الإسلام اكثر من استهداف العروبة.

ويظل التغييب حاضرا في كل المناسبات، فحماية المدنيين ومحاربة الإرهابيين ودعم الشرعية يستغلها الكثيرون لتبرير الاعتداء ودعم الحلفاء؛ وإن كانوا خلاف ما يدَّعون، ولكن البحث عن العلل يبقى بابا لحلول الكوارث على عالمنا الإسلامي، والمبررات لا تنتهي، سواءً كانت مقنعة أو غير مقنعة، فهي تمر مرور الكرام وتسلط سيفا باترا على رقاب المسلمين في شتى بقاع العالم قصدا لتدميرها وسعيا لنزع الإسلام من قلوب الناس وقطع رؤوسه كلما أينعت.
 

في العراق: أسلحة كيميائية..
في السودان: إبادات جماعية..
في مصر: جماعة إرهابية..
في سوريا: داعش..
في ميانمار: ليسوا سكانا أصليين..
والقائمة تطول والتدخلات تستمر والبلدان تُدَمَّر والإسلام يُستهدف، وتبقى الأمة أسيرة التضليل مُحتَجزةَ التخويف.

ويستمر الاستعمار الحديث في فرض نفسه بديلا عادلا، ويتمثل بأنه حامٍ لحقوق الإنسان، ومنقذا للعالم ومحذرا من عدو لا يدري أنه المقصود به، فيعادي العدو نفسه ويستمر مسلسل الانقسام ويجني الغرب ثمرة تخطيطه لإيقاع العالم الإسلامي بعضه ببعض؛ وتخديره بمصطلحات فضفاضة تقام لها الندوات ويرتجف لها الناس في حين أنها معدومة الوجود.. وكل القصد منها إيجاد المبرر لإعادة السلب والنهب لخيرات المسلمين وتدمير ما عمروه طوال سنوات الاستقرار الماضية، وإعادة السيطرة والهيمنة على الدول الإسلامية وتشتيتا لشملها وعملا على إضعافها وتكميم أفواه دعاة الفكر الإسلامي المتفوق وإفساح المجال للمندسين وإيقاظ الخلايا النائمة تمهيدا للفوضى العارمة.

ولكن لا حياة لمن تنادي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.