شعار قسم مدونات

في فلسطين.. لا نرى العنصرية ولكن نعيشها

blogs فلسطين

من فضل الله على الفلسطينيين أن لا عنصرية أبداً في هذه البلاد، فلا فارق ولا عنصرية بين الناس إلا على أساس الحزبية السياسية، والعشائرية والعائلية والقليل من الصراعات الأخرى المبينة على لا شيء ولا يد للأفراد بها تصنفهم تصنيفات من شأنها زيادة الفروقات بينهم كتصنيفهم على لاجئ وعائد ومواطن، وتصنيفهم على أبناء الشمال "تايلندي" وأبناء الجنوب، وضفاوي وغزاوي وابن الداخل وتصنيف لعين آخر يتناول الناس بناء على أنهم ابن/ة قرية، وابن/ة مدينة، وابن/ة مخيم.

 

يتربى الفلسطينيون على الانتماء لأحزاب سياسية منذ صغرهم، فأنا اليوم أذكر أول مرة عندما دعيت لاجتماع لأحد الأحزاب الفلسطينية عندما كنت بالصف السابع، وفي ذلك الوقت كان والداي شديدا التوعية بهذا الخصوص، وبناء على توعيتهم رفضت حضور ذلك الاجتماع -مع أن ذلك يتنافى مع فكري بضرورة تجربة كل شيء- وأدركت بعد حين أن ذلك الحزب وكل أحزاب منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت عاجزة عن تلبية آمال الفلسطينيين، واليوم وكلما لامست تعصب الفلسطينيين المنتمين لهذه الأحزاب سواء من خلال نقاشاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع أدرك أن العصبية الفصائلية استفحلت بالشعب حد الثمالة وجردت أغلب الناس من الموضوعية في الحكم على الأمور السياسية فالحكم عليها عائد للانتماء للحزب أو الفصيل السياسي؛ وقد تتعداها أحيانا لشخصنة المواضيع داخل الحزب الواحد كمان يحدث الآن في الشارع الفلسطيني.

 

في فلسطين تقسيمات مقيتة تصنف الناس تصنيفات عنصرية مثل تصنيف ابن الضفة وابن غزة وابن الداخل أو ما يسمى بالمصطلح العامي البغيض -عرب إسرائيل- 

أضف للعصبية الحزبية الفصائلية التي يتشبع بها المتعصبون لأحزابهم مسألة العقل الجمعي الذي يسهل قيادته حيث تفرض آراء على التابعين لمجموعة معينة سواء فرضت بقيادة شخصيات مؤثرة سياسياً حيث يشكل هؤلاء وجهة نظر معينة يتم تناقلها بين التابعين سياسياً لهذا الحزب أو الفصيل وتبنيها لهم أكثر من تبني المؤثر السياسي نفسه لهذا الرأي، إضافة إلى تشكيل عقل جمعي تابع باستخدام وسائل إعلام حزبية فصائلية حيث يتابع كل فصيل قناته ويشكلون وجهات نظرهم تباعاً لما يبث على هذه القنوات بغض النظر عن مدى موضوعيتها وملاءمتها للواقع الفلسطيني، مما ساهم في خلق عنصرية سياسية حزبية بين أفراد الشعب تتنافى مع قيم التنوع الحزبي السياسي الذي من شأنه إثراء الفكر السياسي الموجود وتنوير الشعب لحلول سياسية مفيدة.

 

أما بالنسبة للعنصرية العائلية وهي التي تحكم غالبا في الأمور المحلية كالانتخابات المحلية في المجالس مثلا إلى جانب الفصائلية السياسية فإنها موضوع أخر من شأنه تعزيز العنصرية بين الناس في المجتمع الذي نعيشه، فبالرجوع إلى قوائم الانتخابات المحلية التي تشكلت خلال بداية هذا العام نرى عنصراً عن كل عائلة في القرية/ البلدة/ المدينة ما شانه أن يعامل العائلات معاملة الفئات التي تحتاج لتمثيل وكأنما احتياجات العائلة (أ) في الأمور الحياتية اليومية تختلف اختلاف كلي عن احتياجات العائلة (ب) ما شأنه تعزيز الفوارق بين الناس، ما يجعل التمثيل على أساس العائلة والحزب يأخذ حصة الأسد على حساب التمثيل المهاراتي وبحسب المؤهلات التي يمتلكها قادة المنطقة -أعضاء المجالس في هذه الحالة مثالاً-.

 

ما يتسبب في مشكلات في نواحي أخرى في نفس الحالة مثل مشكلات مشاركة النساء السياسية والتي أظهرت إشكالية كبيرة في الانتخابات المحلية الأخيرة في الضفة الغربية حيث قانون الكوتة النسائية أظهر معضلة لمشاركة المرأة السياسية في المجالس المحلية ليحولها من مشاركة فعلية حقيقة إلى تمثيل -لفئة- مجتمعية، فماذا تختلف النساء عن الرجل ليتم تحديد مشاركة المرأة بكوتة! أضف لذلك أن هذا النوع من التمثيل أجبر بعض النساء على المشاركة في هذه الانتخابات لإتمام الكوتة لبعض القوائم بغض النظر إن كانت قد تشكلت بناء على أساس عائلي أم حزبي أو كليهما.

 

في فلسطين؛ تقسيمات مقيتة آخرى تصنف الناس تصنيفات عنصرية مقيتة مثل تصنيف ابن الضفة وابن غزة وابن الداخل أو ما يسمى بالمصطلح العامي البغيض -عرب إسرائيل وهو ما أختلف معه كلياً ولكنه دارج- وكل هذا نتاج انقسامات سياسية قديمة حديثة فرضت علينا كفلسطينيين، فابن الداخل هو من تمكن من البقاء في أرضه وأرض أجداده منذ زمن النكبة وهو من يعاني إشكالية الهوية التي يعيشها كل يوم في المكان الذي يعيش به فهو فلسطيني يعيش على ما يسمى بإسرائيل والصراع الداخلي لهويته لا يدركه إلا نفسه، وابن غزة كذلك هو من حوصر في القطاع منذ بداية الانقسام الفلسطيني المشؤوم الذي بدأ في ٢٠٠٧ وها هو يستمر في عامه الحادي عشر، ولم نكتف بهذا القدر بل تم تصنيف أبناء الضفة إلى شمال (تايلندي)/ وسط/ جنوب وهذا بناء على مكان نشأتهم فمن نشأ في مدن شمال الضفة الغربية يقال له تايلندي وهو في عقلية الناس الباطنية مختلف عن ابن الوسط أو ابن الجنوب.

 

وهذه التقسيمات هي إفراز تقسيمات سياسية فرضت على الفلسطينيين أنفسهم سواء بحلول النكبة والنكسة أو الانقسام الفلسطيني أو غيره، والمشكلة الأكبر في هذه المعضلة هي تقبلنا لهذه التقسيمات السياسية المفروضة علينا وإسقاطها لحدوث تقسيمات اجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، وهذا نفسه ما أفرز عنصرية مجتمعية لا زلنا لم نتخطاها في القرن الواحد وعشرون، بالرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي تستطيع التنقل بين الدول انفسها وليس المدن دون أي حاجز أو أي عائق وغالبا لن يلمس من يقابلك أنك غريب سوى من لغتك أو ما شابه في الوقت الذي لا زلنا في فلسطين المحتلة نبحث عن أي اختلاف لإيجاد وتعزيز وإثراء عنصريات جديدة بيننا.

 

التآخي والمشاركة في المناسبات الدينية التي تكاد تكون شبه وطنية في حالتنا ليست بحاجة للتذكير بهذا التآخي والتآلف فعلا، فالتآلف عادة ما يتواجد بعفوية دون الحاجة للتذكير به في كل مناسبة دينية بيننا
التآخي والمشاركة في المناسبات الدينية التي تكاد تكون شبه وطنية في حالتنا ليست بحاجة للتذكير بهذا التآخي والتآلف فعلا، فالتآلف عادة ما يتواجد بعفوية دون الحاجة للتذكير به في كل مناسبة دينية بيننا
 

وبالرغم من الصور التي تنتشر سنوياً على مواقع التواصل الاجتماعي لشبان مسيحيين يوزعون التمر والماء في رمضان وأخرون مسلمين يزينون شجرة عيد الميلاد ويتصورون إلى جانبها في موسم أعياد الميلاد، إلا أن هذه عنصرية أخرى بيننا فتعزيز نشر هذه الصور والإكثار من التركيز على نشر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تركز على إظهار فكرة التآخي في فلسطين هي عنصرية أخرى، فالتآخي والمشاركة في المناسبات الدينية التي تكاد تكون شبه وطنية في حالتنا ليست بحاجة للتذكير بهذا التآخي والتآلف فعلا، فالتآلف عادة ما يتواجد بعفوية دون الحاجة للتذكير به في كل مناسبة دينية بيننا، وعليه فالطائفية أيضاً تفتك بنا بينما نركز على أنها تألف وتآخي ومشاركة ودليل للمحبة والسلام الديني بين الناس، ولنكن موضوعيين قليلاً فأبناء الدين الواحد ينقسمون إلى مذاهب ويختلفون كليا فيما بينهم فكيف هو الحال في الديانات المختلفة!

 

لاحقاً كل ما تقدمت به؛ عندما يسمع الفلسطيني مثلا أي حديث عن لبنان مثلا فأنه يقول إنها مليئة بالعنصرية والطائفية، ولكني أدعوكم لفتح الحديث مع أي فلسطيني وسؤاله عن وجود عنصرية وصراع في فلسطين، وأتحدى أن تكون الإجابة غير أننا لا عنصرية في فلسطين الحمد لله، ولاحقاً الحديث معه لا بد من إثراء وطرح أي موضوع يذكره بفصيله السياسي، أو عائلته، أو دينه، أو مكان عيشه أو ما إلى ذلك حتى تظهر كل أنواع العنصرية في الكلام، نحن لا نرى كل هذه العنصريات؛ ولكننا نعيشها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.