شعار قسم مدونات

حماس ومعركة المصالحة الفلسطينية

Hamas Chief Ismail Haniyeh watches a TV broadcast of a deal signing between Hamas and Fatah in Cairo, at his office in Gaza City October 12, 2017. REUTERS/Mohammed Salem
لا شك أن ظروف الحصار القاسي الممتد منذ أحد عشر عاما على قطاع غزة هي التي أجبرت حركة حماس على الاندفاع نحو المصالحة مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا شك أن ضوءا أخضر إسرائيليا وأمريكيا هو الذي دفع السلطة الوطنية الفلسطينية نحو ذات المصالحة.

كانت مشاهد مناضلي فتح وهم يُرمون من على شرفات العمارات إثر خروج السلطة من غزة منذ سنوات إيذانا بالقطيعة الأبدية بين سلطة ترى في حركة حماس إرهابا ورجعية وخروجا عن الصف الوطني الفلسطيني وجماعة لا تفهم السياسة ولا تفقه فن المناورة، ولا تعرف شيئا اسمه السلام، وبين حركة حماس التي ترى في السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير عنوان الخيانة والعمالة وبيع القضية للعدو الصهيوني.

وأيا كانت التفسيرات من الطرفين (حماس تقول إنها تصرفات معزولة لفلسطينيين انتقاما لذويهم الذين قتلوا على يد السلطة الفلسطينية) فإن الدماء التي سالت كانت علامة فارقة وإيذانا أن العدو المشترك ووحدة القضية لم يعودا كافيين للم شمل الإخوة الأعداء!

المصريون حسبما حدثني مصدر فلسطيني يريدون أن يرجعوا الحكم العسكري لغزة ويرون أن محمود عباس ضعيف ولم يفعل ما ينبغي لصد الإسلاميين

فما الذي جرى؟

كانت البداية مع محمد دحلان الذي أعلنت حماس عن إقامة تفاهمات معه على أساس إشراكه في إدارة القطاع مقابل رفع الحصار عن القطاع، مما دفع السلطة الوطنية الفلسطينية ومحمود عباس أبو مازن إلى الإسراع نحو حماس والمصريين للدفع بالمصالحة وسد الطريق في وجه دحلان الذي لا يريد عباس أن يكون له موطئ قدم ولا أن يكون في المعادلة الفلسطينية بتاتا. عباس يعلم أن دحلان مقبول إسرائيليا وأمريكيا وعربيا ولا ينقصه إلا شبه اتفاق مع حماس يحصل به على تزكية شعبية فلسطينية وعربية ليستولي على السلطة في رام الله.

أما من جهة حماس فكان فوز يحيى السنوار بالانتخابات مدعوما من كتائب القسام إيذانا ببدء مرحلة جديدة أرادت حماس أن تستبق بها الخطر الآتي وبوادر التذمر الشعبي من طول الحصار وقسوته.

السلطة الوطنية الفلسطينية حريصة على الحل لأنها كانت تفقد كل يوم مواقع جديدة في مواجهة الإسرائيليين آخرها إعلان الدولة العبرية عن الشروع في إقامة عشرات الوحدات الاستيطانية في البلدة القديمة في الخليل وتريد ورقة سياسية تفاوض بها اليهود والأمريكيين حتى يبقوا عليها كشريك مقبول غربياً وكذلك كي تقطع الطريق على دحلان وتضع يدها ولو مؤقتا في يد حماس كمدخل لإعادة بسط النفوذ على غزة وهي حريصة عليه كذلك للحد من الضغط الشعبي في الضفة الغربية الذي لم تعد تجدي معه الحلول الأمنية دون الحديث عن فقدانها نفوذها على فلسطينيي القدس الذين لم يعودوا ينتظرون شيئا من سلطة مستسلمة للعدو.

أما الجانب المصري فلا يشك أحد أنه وكيل إسرائيل في العملية كلها وكان دخول الوفد الأمني المصري من جهة إسرائيل علامة على ذلك رغم التحجج بالوضع الخطير في سيناء. المصريون حسبما حدثني مصدر فلسطيني فضل عدم الكشف عن اسمه يريدون أن يرجعوا الحكم العسكري لغزة ويرون أن محمود عباس ضعيف ولم يفعل ما ينبغي لصد الإسلاميين وهو ما يفسر ميلهم لدحلان الذي هو سر الصراع الخفي بينهم وبين عباس الذي سيجبره المصريون على القبول بدحلان شريكا في تفاهمات غزة تمهيدا لاستبداله به وتنصيب دحلان رئيسا للسلطة كما حصل لعرفات من قبل.

الجانب الأمريكي يفكر في إقامة مطار وميناء في غزة والتمهيد لحكم ذاتي فيها برئاسة عباس وقد قال دونالد ترمب لمحمود عباس عندما طلب منه هذا الأخير إضافة جملة (في إطار حل الدولتين) للبيان الختامي لاجتماعهما قال له ترمب: أنا لا أريد أن أسمع هذا!

حماس لم تلعب كل أوراقها، إذ أنها ترمي من خلال المصالحة إلى فتح البيت الفلسطيني الكبير (منظمة التحرير الفلسطينية) على القوى الإسلامية بدل وقوعه تحت سيطرة جماعة عباس
حماس لم تلعب كل أوراقها، إذ أنها ترمي من خلال المصالحة إلى فتح البيت الفلسطيني الكبير (منظمة التحرير الفلسطينية) على القوى الإسلامية بدل وقوعه تحت سيطرة جماعة عباس
 

عندما مررت أنا وأحد القيادات الفلسطينية ببيت محمود عباس المهجور في غزة منذ سنوات سألت مرافقي: ماذا يفعل عباس ببيت في غزة؟ فقال: هو يعلم أن اليهود سيطردونه يوما ما من الضفة الغربية! إنها مسألة وقت فقط!

أما من الجانب الإسرائيلي فهو لا يريد السلام مع حماس ولا يتوقعه وقد عبر عن ذلك شلومو بن عامر حين قال: إن السلام مع الفلسطيين أصعب من الحرب معهم! المصالحة في مفهوم إسرائيل هي عودة السلطة إلى غزة من أجل الترتيب لسيناريوهات لا يراها الشيطان في أحلامه المزعجة!

ما الذي جرى منذ شهر؟

دخل رامي الحمد الله غزة دخول الغازي المنتصر لا دخول رئيس الحكومة الذي يشعر أنه مسؤول عن كل الفلسطينيين معلنا: غزة رجعت لنا! ورفعت في مشهد سوريالي صور عباس الذي جوع غزة وعبد الفتاح السيسي الذي أغرق الأنفاق بالماء وحاصر القطاع أحد عشر عاما والذي أصبح الفلسطينيون في عهده يعاملون في مصر معاملة المنبوذين.

اعترف وزراء السلطة الفلسطينية أنهم وجدوا ما لم يتوقعوه من التسهيلات واكتمال الترتيبات والصدق في المعاملة من جانب حماس وعلى الرغم من الهالة الإعلامية لمراسيم استقبال الحمد الله الذي حشد له فلول فتح إلا أنه لا شك أن الغزاويين يريدون حقا المصالحة ويؤيدون حماس فيما أقدمت عليه رغم عدم ثقتهم في السلطة.

كان الاتفاق يقضي برفع الحصار بالتزامن مع إجراءات المصالحة وتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية الذي شرع فيه مع حل اللجنة الإدارية ونزول حكومة السلطة إلى غزة ومباشرة عزمي مهنا مسؤول المعابر في السلطة مهمة استلام معبر رفح وانطلاق التنسيق الأمني بين حماس والأجهزة الأمنية للسلطة في القطاع إلا أن المواطن الغزاوي الذي ضاقت به السبل لم ير شيئا مما كان يتوقع أن يراه من إجراءات تخفيف الحصار الذي لا يزال يكتوي بناره كل يوم في طعامه وشرابه وكهربائه ودوائه وسفره وكل شيء!

هناك إجماع عربي ودولي على تصفية حماس في هذا الظرف الدولي الذي يعدونه مناسبا في مقابل إيمان شعبي فلسطيني بالمقاومة وقناعة بأنها تبذل السياسة كما بذلت المقاومة من قبل خدمة لقضيتها

واضح أن السلطة وإسرائيل والمصريين يريدون شيئا آخر قبل التفكير في رفع الحصار!

بدأت السلطة بفتح باب التجنيد للشباب من 18 إلى عشرين سنة في إطار التخلص من الإرث الحمساوي وبناء قوات جديدة خاضعة للسلطة لا تؤمن إلا بها بمساعدة المصريين الذين يجيدون هذا النوع من التدريب وفي إطار خطة قلب موازين القوى في غزة التي لا تزال حماس تمسك بمفاصلها. (إذا استمر الوضع على هذا الحال فسنرى إسماعيل هنية في السجن قريباً!) هكذا قال لي أحد الفلسطينيين المقتنعين أن لعبة المصالحة هذه أكبر من حماس!

صحيح أن حماس قد كسبت الرأي العام الفلسطيني في القطاعين والرأي العام الدولي والعربي بانخراطها في هذه المصالحة التي كانت الملاذ الأخير أمام توافر التقارير عن اعتزام إسرائيل شن حرب شاملة على القطاع لعزل غزة عن غزة ( غزة الشعبية عن المقاومة ) وحصولها على الأضواء الخضراء دوليا وعربيا لخوض هذه الحرب لكنها تفضل خطة المصالحة عليها لأنها ستضطر في الحرب الى وقف العدوان تحت ضغط الرأي العام الدولي حين يبدأ تعداد الضحايا بالآلاف ويخرج الفلسطينيون منتصرين كما حدث في المرات السابقة.

لكن حماس لم تلعب كل أوراقها هي كذلك إذ أنها ترمي من خلال المصالحة إلى فتح البيت الفلسطيني الكبير (منظمة التحرير الفلسطينية) على القوى الإسلامية بدل وقوعه تحت سيطرة جماعة عباس وهي كذلك تأمل في إحراز اختراق في الانتخابات الشاملة القادمة زيادة على رفع الحصار عن غزة وعن الحركة بالذات (بعض موظفي الحركة لم يتقاضوا أجورهم منذ 11 سنة التقاعد المبكر توظيف جديد مستحيل لأبناء الحركة والمتعاطفين غلق المواقع اعتقالات واستدعاءات مستمرة).

ومن جهة أخرى تقول حماس إنها نجحت في تحريك القضية الفلسطينية من جديد بدل الجمود الذي يخدم التهويد ومشاريع العدو وأنها لا تعيش في المريخ وتدرك التغييرات الحاصلة في موازين القوى الداخلية وفي الظروف الدولية وتقول إن واجبها الشرعي والواقعي يدفعنا إلى الذهاب إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه مواطن يتنازل لا عن قضيته بل لها ولأجلها!

أي مستقبل للمصالحة الفلسطينية؟

هناك إجماع عربي ودولي على تصفية حماس في هذا الظرف الدولي الذي يعدونه مناسبا في مقابل إيمان شعبي فلسطيني بالمقاومة وقناعة بأنها تبذل السياسة كما بذلت المقاومة من قبل خدمة لقضيتها وشعبها ودينها والرهان الدولي هو على جيوش السلطة حتى تدخل في حرب داخلية مع حماس مع إسناد مصري غير رسمي وحينها يغدو مقبولا إعلاميا الحديث عن مئات الآلاف من الضحايا بدل الحساسية التي يثيرها القصف الإسرائيلي المباشر لكن العقبات أمام هذه الخطة كبيرة والأمل قائم بعد الله في الثلة القليلة من المؤمنين المدركة للكيد المتسلحة بالإيمان ولم ينصر الله عز وحل فيما مضى إلا القلة القليلة من المؤمنين.
‏(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.