شعار قسم مدونات

المرشد الأعلى للثورة الكردية

blogs البرزاني

منذ سنوات وأنا مهتم بالمشهد الكردستاني العراقي، كجزء أساس من الصورة الكاملة للشأن العراقي بما يحتويه من أحداث متسارعة ومترابطة مع بعضه البعض بحكم الجغرافية المعقدة والسياسة المتشعبة والأمن المضطرب والاقتصاد المتدهور.

كردستان السياسة مختلفة تماماً عن كردستان السياحة، وهي الهوية السائدة لتلك المدينة البهية ذات الجبال الثلجية، السياسة التركيبة الاجتماعية للنسيج الكردستاني العراقي مختلف نوعاً ما عن غيره، كون الطابع الحزبي يتفوق على الولاء القومي والمذهبي، في حين أن الطبقة المستقلة الغير متحزبة من الشعب الكردي لا صوت لها بين ضجيج أحزاب السلطة والمعارضة، والأحزاب الصغيرة المتأرجحة التي لم تحسم أمرها بعد، تنتظر الكفة تميل للأقوى لتعلن وقوفها معه، هذه الأحزاب والتشكيلات السياسية همهم الأوحد وشعارهم الأسمى هي مصالحهم الشخصية لا أكثر.

في تساؤل سابق لي، كتبت مقالة قبل أكثر من عام، تحمل عنوان "حلم الدولة .. هل يحققه مسعود البارزاني"؟! وأشرت الى أن البارزاني الابن على ما يبدو، ينوء بحمل أثقال حلم والده الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني، ساعياً إلى تغيير المعادلة الجيو ـ سياسية التي رسمتها اتفاقية سايكس وبيكو قبل مائة عام، هذه المعادلة التي حلم بتغييرها والده ولم يسعفه العمر ولا الظروف بتغييرها، وبقيت حلماً ثوريّاً، هذه المعادلة المعقدة والمتشابكة يدخل غمارها مسعود بارزاني بجرأة بعد أن نفض يديه من استمرار التعاون مع بغداد، معتمداً على استفتاء شعبي في مواجهة مكشوفة ليس مع بغداد فقط وإنما مع خصومه المحليين من الكرد، وخصوصاً حركة التغيير المعارضة والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعاني من غياب القيادة الموحدة.

أصبح البرزاني الآن بمثابة المرشد الأعلى للثورة الكردية، كونه تحدى الجميع في سبيل تحقيق هدف سياسي لصالح قوميته حتى وإن كان الهدف تسلل
أصبح البرزاني الآن بمثابة المرشد الأعلى للثورة الكردية، كونه تحدى الجميع في سبيل تحقيق هدف سياسي لصالح قوميته حتى وإن كان الهدف تسلل
 

في بداية الأمر الجميع عارض فكرة رئيس الإقليم مسعود، ولكن عندما تم ترجمة الفكرة إلى عمل على أرض الواقع الجميع ذهب وصوت بـ"نعم" على الانفصال عن العراق، لكي يضمنوا وجودهم السياسي في حال تم نجاح مشروع الاستفتاء.

حدث الاستفتاء رغماً عن مطالبات بغداد "حتى وإن كانت غير جادة" بوجوب حل الخلافات مع الإقليم عبر الحوار والدستور، وتحدياً لنصائح وتطلعات المجتمع الدولي بضرورة الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، القائمين على الاستفتاء تصوروا أن بغداد ومحيط الدولة الفتية "التي ستلد بعد مخاض الاستفتاء" بل وحتى المجتمع الدولي سيخضع للأمر الواقع ويعترف بنتائج الاستفتاء، لكن الجميع تخلى عن رغبة أربيل عاصمة الإقليم، تخلوا عنها مجبرين لأنهم واثقون أنهم سيدخلون في صراع غير محسوب النتائج مع العراق وتركيا وإيران، وهذا ما لم يتحمله العالم من أعباء ومشاكل إضافية، الجميع لا يرغب فيها.

نظام الحكم أو الدولة في العراق الجديد هو أأمن نظام حكم في العالم كونه مدعوم "أمريكياً – أوروبياً – روسياً – إيرانياً – تركياً، والآن أصبح مدعوم عربياً، عربياً بمعنى سعودياً..!، الجميع لديهم مصالح مع العراق أما مصالح سياسية أو عقائدية أو قومية أو اقتصادية وغيرها الكثير من الأمور التي لا يمكن الاستهانة بها، بل هناك مصالح مشتركة بين دول عظمى لا تتم هذه المصالح إلا بتوحيد وجهات النظر حول مستقبل العراق، مثل المصالح "الإيرانية – الروسية" والمصالح "الأمريكية – السعودية" والمصالح "الأوروبية – التركية" وهذا ما لم يكن في حسابات إقليم كردستان!

خسر الكرد النفط والمطارات والحدود الشمالية للعراق وخسروا قبلتهم كركوك وخسر مسعود البارزاني السلطة ونال شرف الزعامة القومية بعد أن تربع على عرش المرجعية السياسية العليا لتحقيق الحلم الكردي، وأصبح الآن بمثابة المرشد الأعلى للثورة الكردية، كونه تحدى الجميع في سبيل تحقيق هدف سياسي لصالح قوميته حتى وإن كان الهدف تسلل (وفي السياسة لا يوجد شيء أسمه هدف تسلل، بل يجب أن تكون جميع الأهداف مدروسة ومتقنة)، ومن درس التاريخ والجغرافية جيداً لا ينكر أبداً حق الكرد في تكوين دولة لهم تجمع شتاتهم، ولكن ليس على حساب "قدس العراق – كركوك" ولا على حساب نصف محافظة نينوى وربع محافظة صلاح الدين وثلث محافظة ديالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.