شعار قسم مدونات

المصالحة.. "مكانك سِر" والتمكين "عائق"

Blogs-مصالحة

في الثاني عشر من تشرين أول (أكتوبر) 2017، التقى "الفرقاء" في العاصمة المصرية القاهرة برعاية المخابرات المصرية، ووقعوا؛ فتح وحماس على اتفاق المصالحة، واتفقوا على "تمكين" الحكومة في غزة وتسليم المعابر بعد أن قامت حركة حماس بـ "حل اللجنة الإدارية" التي كانت تُدير النواحي القانونية والإدارية في قطاع غزة في ظل الفراغ الذي تركه غياب الحكومة هناك، وبموجبه سوف تسيطر السلطة الفلسطينية بالكامل على قطاع غزة حتى الأول من كانون أول (ديسمبر) المقبل، بحسب الاتفاق.

 

فرح الفلسطينيون وعاشوا لحظات تفاؤل بنهاية قريبة للانقسام الداخلي على الساحة الفلسطينية، وزّعوا الحلوى وهللوا وكبروا للاتفاق وانتظروا رفع العقوبات وفتح المعابر وإطلاق الحريات المقننة في الضفة الغربية المحتلة، بينما اكتفى السياسيون بالتقاط الصور لتلك اللحظة التي رأى البعض أنها ستُخلد في تاريخ القضية وذهب آخرون إلى أنها لا تختلف عن سابقاتها، لا سيما التوقيع في مكة المكرمة على اتفاق المصالحة والشراكة واتفاق 2005 في القاهرة؛ واللذان أعقبهما الاقتتال الداخلي (منتصف حزيران/ يونيو 2007).

 
اليوم وبعد كل هذا الفرح لم نرَ واقعًا على الأرض لا في الضفة الغربية المحتلة ولا في قطاع غزة المحاصر فلسطينيًا وعربيًا ومن قِبَل الاحتلال الإسرائيلي، فالضفة تعاني من انتهاكات واسعة على صعيد الحريات (الاعتقال السياسي وحجب المواقع الإعلامية، أبرز الانتهاكات) وفي غزة استمرت العقوبات ولم ترفع أيًّا منها (فتح معبر رفح بضعة أيام وتنقل الآلاف ليس رفعًا للعقوبات ولا حتى "تنفيسًا" من الضغط الهائل في غزة).

 

على الفلسطينيين أن ينظروا جليًّا إلى هرولة العديد من الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي" لإرضاء واشنطن 

عدد من المحللين السياسيين في الضفة الغربية وغزة، قالوا إن المصالحة لن تستمر طويلًا، مؤكدين أن أمريكا والاحتلال لم يُزيلا "الفيتو" عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودليل ذلك طرح مشروع قانون خصم أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية في برلمان الاحتلال "كنيست" وإبلاغ واشنطن للسلطة الفلسطينية عدم نية البيت الأبيض تجديد ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، بينما هلل أقطاب في المجتمع الدولي للمصالحة ورأوا فيها خطوة تجاه تحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في غزة، بعد تمكين الحكومة واستلامها لشؤون القطاع؛ لا سيما الإعمار والحصار.

 
ورأى مراقبون، وعدد من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، إن الأحداث التي تلت التوقيع على اتفاق المصالحة تُفيد بأن ما سيحدث قريبًا ومستقبلًا هو إدارة للانقسام لا إنهاء له، في ظل الخلافات التي ظهرت على الأسطح، لا سيما حول الملفات الخمسة الرئيسيّة؛ وأبرزها سلاح المقاومة وملف الأمن والحريات، تلك الملفات التي أعاقت في كل مرة تطبيق ما يتفق عليه في كل مصالحة قد مضت حبرًا على ورق وصورًا للذكرى والأرشيف.

 
المصالحة، والتي طال انتظارها منذ أن وقعت أحداث الانقسام قبل أكثر من 10 سنوات، تحتاج اليوم استراتيجية تؤدي لوحدة وطنية حقيقية وتكون قائمة (الاستراتيجية) على فهم صحيح لما يدور في فلك القضية الفلسطينية مؤخرًا وما يُحاك في الظلام من مشاريع تصفية ستكون مدعومة عربيًا ودوليًا، فمنذ أن وصل دونالد ترمب لكرسي الرئاسة في الولايات المتحدة تغيّر شكل وطرق التسوية السلمية والمفاوضات العاقر، وانقلبت الأمور علنًا، بعد أن كانت في الخفاء، لصالح الاحتلال "الإسرائيلي" ومشاريعه الاحلالية والترانسفير والتهويد، وأفضل دليل ما سُمي بـ "صفقة القرن" والتي تُلبي طموحات الاحتلال في كل شيء، لا سيما الاستيطان وعدم قيام دولة فلسطينية واقعًا على الأرض (تلك الصفقة تقترح دولة فلسطينية بلا حدود ولا عاصمة وعلى الورق فقط).

 

المصالحة وتحقيقها تحتاج لإرادة وطنية خالصة لا تخضع لأي تأثيرات أو ضغوطات خارجية، فهي شأن فلسطيني داخلي لا يحتمل تدخلات أو مصالح إقليمية
المصالحة وتحقيقها تحتاج لإرادة وطنية خالصة لا تخضع لأي تأثيرات أو ضغوطات خارجية، فهي شأن فلسطيني داخلي لا يحتمل تدخلات أو مصالح إقليمية
 

هنا بات على الفلسطينيين أن ينظروا جليًّا إلى هرولة العديد من الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، تلك الدول باتت تبحث عن مصالحها في أن تُرضي واشنطن عبر التطبيع والاعتراف الرسمي بالاحتلال. ولكن السؤال هنا، هل سترضخ السلطة الفلسطينية والفصائل والمقاومة للضغوط التي ستُمارس عليها! هنا يأتي دور ومعنى الوحدة الحقيقية القائمة على المصلحة العليا للوطن والمواطن لا الحزبية والفئوية الضيقة التي ترعى مصالح شخصية بعيدة عن القضية العادلة وحلم الشعب الفلسطيني المنشود بالدولة والعودة.

 
قطار المصالحة الذي حتمًا سيتوقف بعد جولات القاهرة يحتاج لأن تقول الفصائل الفلسطينية، غير فتح وحماس طبعًا، من الذي أوقفه ولماذا توقف؟ وما البيان الختامي الذي صدر عن لقاءات القاهرة يوم الأربعاء 22 نوفمبر، إلا دليلًا واضحًا على وجود ما يُحاك ضد مصالحة قد طال انتظار تحقيقها. 

 

"التمكين"، يُذكرني بأيام الدراسة والاختبارات، حيث أن المدرس كان في الاختبارات يراعي المستويات كلها في الأسئلة ويضع سؤالًا يحتمل أكثر من إجابة كلها صحيحة، ولكنه يُرِيد الأصحّ بينها، وفي المصالحة اشترطت السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" أن يتم تمكين الحكومة قبل التوقيع على أي اتفاقية واشترطت حلّ اللجنة الإدارية، وقد سارعت حركة "حماس" لحلّها وسحبت موظفيها من الوزارات وعن المعابر وراحت تسلمها لحكومة التوافق الوطني واحدة تلو الأخرى، ولكن الإجابة عن "التمكين" كانت لدى فتح تحتمل أكثر من وجه.. وهنا لا بُد أن يخرج علينا أحد المسؤولين ليقول لنا بشكل واضح لا لُبْس فيه، ماذا يعني "تمكين" الحكومة؟

 
نهاية القول، إن المصالحة وتحقيقها تحتاج لإرادة وطنية خالصة لا تخضع لأي تأثيرات أو ضغوطات خارجية؛ فهي شأن فلسطيني داخلي لا يحتمل تدخلات أو مصالح إقليمية، لأن المصلحة في تحقيقها الحفاظ على الوطن والمواطن وقضيتنا العادلة التي تواجه سيناريوهات "تصفوية" كبيرة وخطيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.