شعار قسم مدونات

في داخلك معزوفة.. فهيّا!

blogs - موسيقى

كل الناس يمتلكون الحواس ذاتَها، إلا أنّ نسب تفاعلها مع الشخص الواحد تختلف عن غيره. ولا ريب في أنّ لكل حاسة نمتلكها قدرات عظيمة إن أدركنا ذلك تماماً؛ فنحن مخطئون مثلاً عندما نقول إنّ وظيفة الأذن تقتصر على أن تسمع، لا، هذا  ليس صحيحاً، فالأذن التي تصغي وتعي ما تصغي إليه ستنسج أصواتاً بألحان وترانيم جديدة. وكذلك العين لاتقتصر مهمتها على أن ترى، بل تستطيع، إن أمعنت في الرؤية أن تكتشف الجديد، أن تميز الأسود والأبيض في الرمادي وتصنع ألوانا ورسوماً وليدة. إن واحدة من حواسنا الخمس التي نمتلك جديرة بأن تتجاوز بقدرتها أعمال غيرها، كالأصم الذي فقد سمعه إلّا أنّه تميز بحدة النظر، لأنّ الحاجة جعلته يكون شديد التركيز والملاحظة عن طريق البصر لـ"يصغي" إلى ما يدور حوله بعينيه، بذلك أصبح هذا الأصم ذا موهبة تفوق موهبة الإنسان الطبيعي، فقد تميز بالحاسة البصرية عن الباقين.

إنّ الموهبة نتاج التميز الذي حصل عن طريق إحدى الحواس، وبالطبع فالشخص الذي أبدع وابتكر فناً، أدرك وجود شيء مميز في الحاسة التي سخّرها، ما دفعه إلى تعزيز قدراته فيها والبحث عن الجديد، وأحياناً ابتكاره. ومنذ النشأة الأولى، بداية من تكويننا من أدق تفاصيلنا للواضح منها ترى معالم الإبداع والعظمة فيها، فجبلتنا عزيزة عن التعريف ويسعنا القول إننا نحاول أن نبتكر ونتجاوز التعقيدات بفنون جديدة من التطوير إلى الاكتشاف وأيضاً الاختلاق. فعلى مر الأزمان إلى وقتنا لم يلبث الإنسان في أي مرحلة أو عصرٍ دون أن يتفنن في الكثير من المجالات، وغالباً ما كانت فنونه نتيجة حاجته لها، كابتكاره الموسيقى التي استمدها من صوت الطبيعة، كتغريد الطيور وصوت الريح وأوراق الأشجار.

 

قبل القرن العشرين كانت الأعمال الهندسية تحتاج من المهندسين وقتا للدراسة، حتى تم ابتكار الحاسب الآلي، فأصبحت الحواسيب الأداة الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها، إذ توافرت البرمجيات التي تساعد كافة التخصصات
قبل القرن العشرين كانت الأعمال الهندسية تحتاج من المهندسين وقتا للدراسة، حتى تم ابتكار الحاسب الآلي، فأصبحت الحواسيب الأداة الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها، إذ توافرت البرمجيات التي تساعد كافة التخصصات
 

وقد تم العثور على عددٍ من الأدوات البسيطة التي تعكس محاولاته الأولى للعزف، وقد انتشرت الموسيقى في القرن الرابع عشر للميلاد، والتي تمت تسميتها "الفن الجديد"، إذ إنَّ الفن القديم قد اشتمل موسيقى مدرسة "نوتردام" في القرن الثاني عشر للميلاد. أما بالنسبة إلى فن الرسم ومجالاته، من بداياته بالنحت وصناعة التماثيل إلى حداثته بتصويره، إذ كان سبب هذا الفن ظهور ميل الإنسان إلى التعبير عن ذاته عبر عدد من الرسوم والتماثيل، فكانت لتلك الرسوم العديد من الدلالات كنوع من النداء أو الاستغاثة، أو تعبيرا عن الجوع، أو الوحشة أو حاجته للخلود وغيرها من الدلالات. وقد تطوّر الفن تطوّراً كبيراً في العصور اليونانيّة والرومانيّة، إلى أن بدا في الظهور في 1844 في ألمانيا، وأصبح مادة تُدرّس، ومن ثم انتقل الاهتمام به إلى بريطانيا، ولكن متأخراً بعض الشيء، إذ دُرّس لأول مرة في جامعة لندن في 1932.

 
وكان قد وقع تنافس بين الدول الأوربية في أهمية الفنون التصويرية، إذ كانت الجامعة الإنجليزية أيضاً قد أدرجته ضمن العلوم التي تقوم بتدريسها منذ 1879، وكانت مقرراتها تشتمل على فن العمارة والنحت الفنون التشكيلية والتطبيقية، فما كان حال العرب في أوج الأوروبيين واستثمارهم للفن؟ كنا نفتش عن جذور حضارتهم الوليدة التي كانت امتداداً للحضارات العربية في العصور الذهبية وما تلاها، والتي لم تكن تقل شأناً عن حضارات الإغريق واليونان. فحضارات العراق ومصر وسوريا كفيلة بالتعريف بإبداعات الأسلاف، وترجع أسباب تخلفنا عن النهضة الحضارية ومواكبة تطوراتها في الغالب إلى الاستبداد السياسي. وقد ساهم ساسة أمتنا اليوم في "تنويم" الفكر والابتكار لدى الإنسان العربي وإخضاعه للتبعية والتقليد، ما أدى إلى إصابتنا بالرمد، لنتكئ على العصي، أن تسير مغمض العينين وتتغافل عن قدراتك، راضياً عن ومتلذذاً بكبح الفكر، يجعل منك تابعاً ذلولاً. 

 

لما عنت به التقنيات البصرية وبلغت من الازدهار والتطور أوجها، ولها مكانتها في علوم ومناهج الأوروبيين والأمريكيين، وكان لها انتشار واسع غطّ أنحاء العالم، هنا تنبّه العرب لضرورتها وأهمية الإلمام بها
لما عنت به التقنيات البصرية وبلغت من الازدهار والتطور أوجها، ولها مكانتها في علوم ومناهج الأوروبيين والأمريكيين، وكان لها انتشار واسع غطّ أنحاء العالم، هنا تنبّه العرب لضرورتها وأهمية الإلمام بها
  

لا ندري ما كمُّ الشوق والتمني لأن نصير لما صار إليه أسلافنا في القديم والغرب المعاصرون من إبداع واكتشافات كانت محض فنون بين رسوم ومنحوتات وسواها إلى أن تمّ تطويرها لتتحول إلى بصريات تنقل الصور من العقل الباطن إلى مرأى العين. فالفنون المرئية عبارة عن لفظ عام يشمل كلاً من الفنون التشكيلية والفنون التعبيرية والفنون التطبيقية، وترتبط الفنون التطبيقية بالتصميم الهندسي، وتنتج عنها أعمال ومنتجات هندسية، تشمل مجالات التصميم الصناعي، تصميم الغرافيك، وتصميم الأزياء، والتصوير الفوتوغرافي، وغيرها من المجالات، فيما أدرك الغرب أهمية هذه الفنون لمنحها أسسا حياتية، فيما نستمر نحن العرب في الأخذ دون أن نبذل جهداً في البحث لنصل إلى الجديد، وطبعاً انقيادنا لهذا المنهج وتقاعسنا عن البذل جعل منّا أولى ضحايا ازدهار الهندسة التطبيقية.

 
قبل القرن العشرين كانت الأعمال الهندسية تحتاج من المهندسين وقتا للدراسة والاستنتاج والتجربة، حتى تم ابتكار الحاسب الآلي، فأصبحت الحواسيب الأداة الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها، إذ توافرت البرمجيات التي تساعد كافة التخصصات والمجالات الهندسية، ما زاد وتيرة الصراع التقني الحضاري بين الدول المهيمنة في هذا المجال، وتصعدّ التنافس من بداية نشأة السينما إلى أن تم تطويرها للتلفزة حتى وصلنا إلى عصر الحواسيب، كما اشتغلت بعض الشركات كـ"First Hand Technology" التكنولوجية على تطوير البصريات من طور المشاهدة للعيش ضمنها في إنشائها عالم افتراضي يهدُف إلى تخفيف الألم، إذ تهدف إلى إلهاءِ مرضى الحروق عن الآلام الناجمة عن إصاباتهم من خلال لعبة "Deepstream VR"، كما أدى التطور واشتغال الشركات بجد لابتكار الأفضل إلى صراعات تقنية متفاقمة، كما هو الحال مع شركتي "آبل" و"آيفون".

ولما عنت به التقنيات البصرية وبلغت من الازدهار والتطور أوجها، ولها مكانتها في علوم ومناهج الأوروبيين والأمريكيين، وكان لها انتشار واسع غطّى أنحاء العالم، هنا تنبّه العرب إلى ضرورتها وأهمية الإلمام بها كعلوم تُضاف إلى المواد التدريسية، بعدما صارت هاجساً ومرضاً مزمناً أصاب الكثير ولازال ينتشر باضطراد، موقعاً الكثير بهيمنته ضحايا لما تحتويه برمجياته من تطبيقات وأسس تخفي غايتها، ما دفع بعض المختصين إلى الاشتغال على مشروع محو الأمية البصرية، التي تعني القدرة على فهم وإنتاج الصور المرئية، وتعلم كيف أن الصور تنقل معنى، عساها تدفع العقول إلى الانطلاق ومواكبة التحديات التكنولوجية المعاصرة ولو بالقليل. ومن الدول العربية التي شهدت مثل هذه الخطوة مصر وبعض دول الخليج العربي. ولا نعرف إن كانت هذه الخطوة متأخرة تستعيض عمّا سلف من تغيّب أم أنها أيضاً خطوة تقليدية، فكما يذكر أنّ تأسيسها يعود إلى 1969 لمبتكرها جون ديدس (John Debes).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.