شعار قسم مدونات

"إسحاق حسان" سلامٌ على روحك البريئة

Egyptian soldiers are seen through a hole in a gate standing guard in front of Rafah border crossing between Egypt and southern Gaza Strip May 19, 2016. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa
مازالت الحادثة المأساوية التي تعرض لها الشاب الفلسطيني المعاق عقلياً "إسحاق حسان" عالقة في ذهني، فرغم  مرور ما يقرب من عام ونصف علي الحادثة التي وقعت في آواخر كانون الأول/ ديسمبر 2015م على الحدود المصرية البحرية مع قطاع غزة، إلا أنه لم تستطع آفة النسيان  مساعدتي على التداوي من فجعة هذه الحادثة! ويدور شريط أحداثها في ذهني بصفة دورية.

يطاردني تسلسلها، بدايةً من عبور هذا الشاب المعدم أمتار قليلة من الحدود المصرية الفلسطينية البحرية وهو مجرد تماماً من ملابسه، والإشارات الواضحة من جانب حرس الحدود الفلسطيني إلى جانب حرس الحدود المصري بأن هذا الشاب "مختل عقلياً"، ونهايةً بتغليب الأوامر العسكرية على الضمير الإنساني وإطلاق النيران على هذا الشاب، كما تطاردني أيضاً براءة هذا الشاب، الذي قرر أن يعبر الحدود المصرية الفلسطينية بمفرده لاستكمال برنامجه العلاجي في القاهرة، بعدما صكت أبواب معبر رفح في وجهه، وأحالت السياسات الرديئة بينه وبين استكمال علاجه في مصر.

بالمقابل ما تعرض له الرقيب "سليمان خاطر"، في 5تشرين الأول/أكتوبر1985م، من محاكمة عسكرية، والحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، ثم عثر عليه منتحراً في ظروف غامضة! بعدما أطلق النيران علي مجموعة من الصهاينة!

للأسف! قسوة وفظاظة هذه الحادثة لا تقتصر فقط علي انتهاك الضمير الإنساني، وذلك لأنها تعكس أيضاً السياسات الرديئة للحكومات المصرية المتواترة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتبرز التناقضات الواضحة ما بين الخطابات الدبلوماسية التي تؤجج المشاعر الوطنية وتحيي القضية القومية العربية وتشير إلي الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، وبين الواقع الحضيضي، وهو محاولات السلطة تشييد المزيد من الجدران العازلة بيننا وبين أشقائنا في فلسطين الحبيبة، سواء أكانت هذه الجدران العازلة مادية أو نفسية، كما تجلى أيضاً عنفوان الآلة الإعلامية المصرية في التعتيم على القضية الفلسطينية، ومحاولتها خلق حواجز سيكولوجية بين أبناء الشعب الفلسطيني وأبناء الشعب المصري.

كما تعكس أيضاً ازدواجية المعايير للحكومات المصرية في التعامل مع روح الإنسان الشرقي مقارنة بالإنسان الغربي، وتتبلور هذه الازدواجية لدى الحكومات المصرية في عدم الاعتذار للشعب الفلسطيني ومساءلة المتسبب في إطلاق النيران بدم بارد علي الشاب الفلسطيني إسحاق حسان، مقايضةً بما تعرض له الرقيب "سليمان خاطر" بعد حادث مشابه على أراضي جنوب سيناء في 5تشرين الأول/أكتوبر1985م، من محاكمة عسكرية، والحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، ثم عثر عليه منتحراً في ظروف غامضة! بعدما أطلق النيران علي مجموعة من الصهاينة تسللوا إلى الأراض المصرية بدون ترخيص سابق.

بالرغم من عدم وجود تكافؤ بين الحادثتين، لأن الشاب الفلسطيني كان مختلا عقلياً، أما مجموعة الصهاينة الذين تسللوا الحدود كانوا مكتملين الإدراك، إلا أن هذا مثال بسيط علي ازدواجية المعايير المستشرية في سياسات الحكومات المصرية المتواترة. على حذو هذه القضية، ها هو الحال بين الدول العربية اليوم، سياسات رديئة، وفرقة لعينة، وضغائن متبادلة، وتوطيد العلاقات مع الغرب علي حساب العلاقات الودية مع بعضنا البعض.

أستقي كلماتي البسيطة من الواقع الرديء الذي نحيا فيه، وأتساءل ماهي مغبة الفرقة العربية؟ وإلى متى نكون على رأس قائمة دول العالم الثالث؟ ولماذا أصر الحكام العرب على تشتتنا، نحن الأمة العربية؟ أسئلة كثيرة تدور في عقولنا ونبحث لها عن إجابات منطقية، غير الإجابات التي تصدر لنا من قِبل الحكومات التسلطية، سلاماً علي أرواح الأبرياء من إخواننا في الإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.