شعار قسم مدونات

أُريدُ المُساعدة

blogs - help
مَن مِنّا لا يُعاني في هذه الحياة مِن أمرٍ ما؟! عقدةٍ ليس لها حلّ؟ زواجٍ مُتخلخل؟ صعوبةٍ في إيجاد عملٍ ما؟ وصعوبةٍ في الاستمرار به؟ مشاكلَ معَ الأقرباء أو الجيران؟ ابتعادِ أصدقاء؟ أمور قد تبدو خارجةً عن سيطرتنا، قد نعزُوها لِسوء الحظّ أو الطالع، أو حال الدُّنيا، وفي أغلب الأحيان نَضَعُ اللوم فيها على (الآخَر).

ففي العلاقة الزوجيّة نضَعُ اللوم على النصيب، وفي العمل المُدير القاسي الظالِم هو السبب، ولا يخلُو الأمرُ مِن الجار قليلِ الأصل، أو مِن انعدام الوفاء عند الأصدقاء، ونُنهي مُسلسل التبريرات بأنّ هذا آخِرُ زَمَنٍ، وأنّ المُحترمينَ النادرين أمثالَنا لم يعُدْ لهم وُجود.

مَن مِنّا لديه الشجاعة بأنْ يُفتِّشَ بداخل نفسه عن السبب؟ مَن مِنّا لديه الشجاعة بأنْ يضَعَ على نفسه ولو جُزءًا مِن المَسؤوليّة؟ مَن مِنّا ذَهَبَ لأبعدَ مِن ذلك فَطَلَبَ المُساعدة مِن مُتخصِّص؟ قليلٌ هم هؤلاء الشجعان.

تخيَّلْ أنْ تقِفَ في نقطة متسمّرًا في مكانِكَ عُمرًا كاملًا؛ لأنّكَ ترفُض الاعتراف بمشكلة، تخيَّلْ أنْ يكونَ حلُّها سهلًا جدًّا وكلّ ما تتطلّبه أنْ تفتَحَ عقلَكَ وتقولُ: "أُرِيدُ المُساعدة؟".

ليسَ عيبًا أنْ أكونَ ناقِصًا، فلَم يخلقْني الله إنسانًا كاملًا، فالكمال كلُّه له سبحانه، ليس عيبًا أنْ أُخْطِئَ، فهذه سِمة البشر، العيب أنْ أَدَّعِي الكمال لنفسي والنقص للآخَر، العيبُ أنْ أكتَشفَ نقصًا ولا أعترف به ولا أسعى لإصلاحه، بل إنّهُ مُنتهى الظلم للنّفس أولًا قبل أنْ يكون ظُلمًا للآخرين.

العيب أن أحيط نفسي بمن يُصفق لي دائما سواء كنتُ على صواب أو على خطأ ، العيب أن اتخذ من المُجامل صديقا واتجنب الصديق الصدوق لإنه يُخبرني ما لا أحب سماعه ، العيب أن أساند ظالما من مبدأ "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب " فيقع الضرر على الأخ وابن العم والمجتمع في آن معا.

نأتي إلى هذه الدّنيا أبرياء ويبدأُ مَن حولَنا بإرضاعنا أفكارهم وتجارِبهم في الحياة، نكبُر ونعتَقد أنّها مُسلّمات لا جِدالَ فيها، نبني عليها قراراتٍ مصيريّةً قد تأخُذُنا في طُرُق مَسدودة، نُحاول جهدنا الالتفاف واستعمال طُرُقٍ مُلتويةٍ للمُرُور والإكمال في الطريق نفسه، لا نُدرِكُ أنَّنا نَحتاج لتغيير الطريق كليًّا، نحتاج للهدم وإعادة البناء، بلبنات جديدة أكثر صمودًا وثباتًا، لا نُدرِكُ هذا في أغلب الأحيان إلّا بعد انقضاء العمر وتراكم الآلام. وقليلٌ هم مَن يَتصالحون معَ أنفسهم في عمر العطاء، ويفهمونها ويزهرون نجاحًا وسعادةً. يقول مصطفى محمود: "إنَّ مُشكلَتَكَ ليسَتْ سنواتِكَ التي ضاعت، ولكنْ سنواتك القادمة التي ستضيع حتمًا إذا واجَهْتَ الدُّنيا بنفس العقليّة".

نشقى في هذه الدُّنيا ولا نعرِف أنّ الحلَّ بأيدينا، بالاعتراف بنواقِصِنا، بالاعتذارِ عن أخطائنا، بتعلُّمِ فُنون الحوار التي لا يُتْقِنها الكثيرون في مجتمعنا، بالقراءة عنِ النفس الإنسانيّة وتعقيداتها، بطَلَب المُساعدة مِن مُتخصّص عند الحاجة، ففي مرحلة مُعيّنة وحده المُتخصّص قادِر على مُساعدتنا، وطَرْقُ أبواب الأخصّائيّينَ لا يَعني أنّنا مُضطَربونَ نفسيًّا بل يَعني أنّنا أصحّاء نفسيًّا، لن نعيشَ في الظلام ولن نَقبل باستمرار نزيف العمر الذي لا يَرحم، العلاج قد يكون مجموعةً مِن النصائح، قد يكون إرشادًا ليس أكثر، تخيَّلْ أنْ تقِفَ في نقطة متسمّرًا في مكانِكَ عُمرًا كاملًا؛ لأنّكَ ترفُض الاعتراف بمشكلة، تخيَّلْ أنْ يكونَ حلُّها سهلًا جدًّا وكلّ ما تتطلّبه أنْ تفتَحَ عقلَكَ وتقولُ: "أُرِيدُ المُساعدة؟".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.