شعار قسم مدونات

لقلوب علّمتنا كيف يكون الامتِنان

blogs - sky

كُل كلمة سوف تقرئها تنبَع من منبعٍ واحدٍ فقط هو عاطفة الامتنان بين الحين والأخر تصادف في طريقك أشخاص يصفون المعنى الحقيقي للجَمال، أشخاص نشعر وكأن الله سخّرهم لنا في هذه الحياة كي يُنيروا لنا دروبنا المظلمة كي يساندونا وقت عجزنا يقفون بجوارنا حين يتخلى عنّا الكثيرون، هُم المعنى الحرفي لكلمة عطاء تجدهم هكذا كالمصابيح بل أجمل تجدهم يضيئون لكل من يتعامل معهم الجوانب المظلمة في حياته.

تجدهم لا يبخلون بالكلمات التي تأتي كبلسَم للجروح المنهارة والأرواح المنطفئة المتعَبة، هؤلاء الأشخاص هم المصابيح التي تضيء لغيرها فترى جمالهم لكنها لا ترى ما تكمنه. هي من جمال يفوق بكثير هذا الجمال الذي تضيئه ترى في هذه الحياة أشخاص يمنحهم الله نِعم عديدة كثيرة ورائعة لكنهم في ذات الوقت يفتقدون لنعمة ربما لن تستطيع أموال هذا العالم تعويضها، نعمة أن تَرى الجَمال في غيرك يُبهرك فتمدحُه بكل ما يحمله قلبك من حُب ترى نعمة في يَد غيرك فتتمنى من الله أن يُباركها له ويزيدها والقلب مملوء بالرضا والشكر.
 

هؤلاء الأشخاص بل المصابيح هُم أسعد أهل الأرض حيث أنهم ومع كل عطاء يبذلونه يعلو رصيد السعادة في قلوبهم ويزدهر رصيد حسناتهم وما أجمل أن تعيش هذه الدنيا الفانية ترى من حولك يملؤون بنوكهم بالأموال بينما أنت تملأ رصيد حسناتك في الجنة.

فهذه التدوينة وهذه الكلمات كُتبت لهؤلاء الأشخاص الذين لا يملكون مواهب أو مِنح أو عطايا ربّانية تستوجِب المَدح، لهؤلاء الذين لا يملكون القدرة على البوحِ والتعبير لا يجدون من يساندهم من يقف بجانبهم ويدعمهم من تقسو الحياة عليهم وتضيق بهم الدروب لكنهم وفي ذات الوقت من أوائِل القلوب التي يمكن أن تلجأ إليها، حيث تملك من الحنان ما لا نستطيع وصفه وتملك من العطاء ما باستطاعته إزالة كل أثرٍ للبُخل من هذا العالم هؤلاء ما إن تَخطو خُطوة وتحقِق هدفا تجدهم أول من يهنؤوك بسعادة وفرح يملآ هذه الدنيا بالإشراق، هؤلاء من تجدهم عند كل دمعة تزرف من عينيك عند كل ألم ومعاناة تجدهم أمامك وأجنحة الحب والعطف كلها ممتدة لأجلك.
 

هؤلاء من لا يبخلون بالدعم مهما حدث ومهما كانت ظروفهم وأزماتهم تجدهم أمامك في فرحك وربما هُم من الداخل يملأهم الأسى والحزن تجدهم يمدحوك بأعزب الكلماتِ في حين أنهم في أشد الحاجة لسماع كلمة كيف حالك تجدهم يمسحون دموعك من فوق جبينيك في حين أنهم غارقين في بحور من الآلام والتعب، هؤلاء الأشخاص هم بمثابة الشمعة التي تُضيء لغيرها بكل سعادة في حين أنها تذوب وتحترق بلا شكوى ولا زجَر ولا مَلل، تفعل ذلك بدافع الحُب الصادق ولأجل شيء واحدٍ هو إسعاد الأخرين وإدخال السرور على قلوبهم.
 

يراها الأخرون مُخطئة وتعطي بلا حَد وهذا خطأ لا يستَوجب الامتنان ولا الشكر مُرددين بداخلهم مقولة ما زاد عن حده قلِب إلى ضده وأنه بالطبع هؤلاء العطاؤون هم أكثر الأشخاص يأسا وضعفا نظرا لعطائهم الزائد الذي لا ينتظرون منه مقابل لكن المفاجأة هي أن هؤلاء الأشخاص بل المصابيح هُم أسعد أهل الأرض حيث أنهم ومع كل عطاء يبذلونه يعلو رصيد السعادة في قلوبهم ويزدهر رصيد حسناتهم وما أجمل أن تعيش هذه الدنيا الفانية ترى من حولك يملؤون بنوكهم بالأموال بينما أنت تملأ رصيد حسناتك في الجنة بدعم ومساندة الأخرين، تدّخر كل جَمال على هذا الكون للآخرة ولرضا الله.
 

هؤلاء المصابيح يخفون عن الجميع سِرا هو أنهم يساندون من يحتاجهم لكن وقت احتياجهم لا يلجؤون لبشر بل يلجؤون لرَبّ السماء، يبكون بين يديّ رحمته ويفيضون بكل سِر وهزيمة وفرح وانكسار يجعلون حديثهم مع الله سند لهم في هذه الحياة، يُناجون الله أن يمدّهم بالقوة كي يستطيعوا مواصلة الطريق والسير في نهجِهم الذى اتخذوه نهج مساندة الغير وإعانتهم وتفريج كرباتهم، هؤلاء ليسوا ممن يُعانون الاحتياج والفقد فالله يملأ قلوبهم بالسكينة والاطمئنان، الله يغنِهم عن البشر يمدهم بالقوة لأنه سبحانه عليم بما يبذلوه من أجل إسعاد الآخرين ومن أجل مساندتهم في المِحَن التي يمرون بها. هؤلاء من يجعلون في الحديث مع الله قوة سرية تساندهم تنيرهم وتدعمهم، هؤلاء ليسوا ضعفاء بل هم أقوى أهل الأرض وليست القوة هنا تعني معناها الحقيقي لكنها تعني القوة الداخلية الروحية التي تجعلك تعيش مبتسما مُفعما بالإشراق ولو كان قلبك محطما تعيش بكل تفاؤل ولو كنت مليئا باليأس، قوة تجعلك أول من يمدّ يد العطاء والسند في أشدّ لحظات الضعف والوهن.
 

أنتم أول الأشخاص الذين نتذكرهم بمجرد أن تقسو الحياة قليلاً أو تُفقدنا عزيزًا. أنتم هؤلاء الذين نفكر بهم عند كل انتصار كل فرحة وسعادة.. عند كل خطوة ناجحة توصلنا إلى أهدافنا نشعر بوجودكم وكلماتكم نسمعها وكأنكم معنا بجوارنا.

إلى أولئك المصابيح المضيئة إلى هؤلاء الأشخاص النقية التي يحتاجها العالم بكل ما يحمله من ضَجر وتعب وعناء أناشدكم أن تبقوا هكذا رائعون أدعوكم بأن لا تستغنوا عن هذه المنحة التي منحها الله إليكم. لا تتركوا أحدا يشعركم بأنكم مخطئون يوما لا تسمحوا لأحد بأن يُبرهن لكم أن لا فائدة من عطائكم الدائم الذى لا حَد له بل أنيروا هذا الكون وامضوا في نهجكم بحبكم وعطائكم وإشراقكم ولا تعتقدوا بأن ما تفعلوه ليس بصالحكم أو مضيعة لوقتكم بل أنتم عُكّاز هذه الحياة وسندِها أنتم الدعم والأمان لنا بأن العالم مهما قسى، ما زلتم أنتم بجانبنا فأنتم من تخطرون بِبالنا عندما يتحدثون عن الحُب والعطاء عن الزهور وروعَتها وكيف أنها خُلقت لتملأ الكون جَمال وتمحو بألوانها المُبهجة كل سَواد وظلمة تُبهت جَمال هذا الكون، أنتم من تخطرون ببالنا حين يتحدثون عن الشمس وإشراقها كيف أنها تُنير الكون كل صباح وكأنها تبتسم مُعلنة بكل حُب أن النهار سيكون سعيدا مليئا بالأمل.
 

أنتم أول الأشخاص الذين نتذكرهم بمجرد أن تقسو الحياة قليلاً أو تُفقدنا عزيزًا. أنتم هؤلاء الذين نفكر بهم عند كل انتصار كل فرحة وسعادة.. عند كل خطوة ناجحة توصلنا إلى أهدافنا نشعر بوجودكم وكلماتكم نسمعها وكأنكم معنا بجوارنا صوتكم يتردّد في أذاننا يُبهجنا ويعطينا اطمئنان وسعادة.. لذا أرجوكم لا تكونوا يوما كتِلك التينة الحمقاء التي تحدث عنها أكبر شعراء المهجر إيليا أبو ماضي في قصيدته التي تقول:
لأحـبسن عـلى نـفسي عوارفها ** فـلا يـبين لـها فـي غـيرها أثر
كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها ** وليس لي بل لغيري الفيء و الثمر.
 

لا تكونوا كتلك الشجرة مهما حدث فنهايتها أنها قُطعت من أناملها ولـم يـطق صاحب البستان رؤيتها فـاجتثها فـهوت فـي النار تستعر مـن ليس يسخو بما تسخو الحياة به فـإنـه أحـمق بـالحرص يـنتحر حيث بخلت هذه التينة بظلِها وثمارها فكان مصيرها أنها قطعت، هكذا أنت وجودك بالحياة ومدّك للآخرين بالعطاء والسند منحة لن يضيع أجرها في دُنيتك وفي آخرتك سيجازيك الله عليه في الدنيا، سَيمنحك حُبا سعادة وفرحا بقدر ذاكَ السرور الذى تُدخله على قلوب الآخرين وفي الآخرة محفوظ لك متاع الجنة ونعيمُها مقابل ما فعلته من إحسانٍ في هذه الدنيا. قال تعالى "إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا" وقول رسولنا الكريم "ومن فرّج عن مُسلم كُربة فرّج الله عنه كربة يوم القيامة"، لذلك أرجوكم كونوا دائما ذاك الشجرة التي نستند تحت ظِلها في كل وقتٍ حين ضعف أو وهنٍ أو انكسار، اجعلوا كلماتكم الرائعة دائِما كالثمار التي تُمتع الآخرين. إلى أولئك الأشخاص أولئك المصَابيح أرجوكم لا تنطفِئوا مهما حدث لأنكم سِر توهُجنا وسَعادتنا في هذه الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.