شعار قسم مدونات

إن في العيون لسحرا

blogs - eyes

لم أكن لأقتص من وقتي قبيل الفجر دقائق لأكتب هذه السطور، سطور أردت صياغتها عندما فاضت قريحتي بهذا الحب ولم يعد بإمكاني أن أبقيه بداخلي، تعلمون أن قطرات الماء يسابق بعضها بعضا للتدفق إذا فاض الدلو، ربما يبدو ما أكتبه غريبا إذا ما اطلع عليه أحدهم من غير أصحاب المعاطف البيضاء والسماعات المعلقة على الرقاب..

نعم أعني جنود المشافي كبيرهم وصغيرهم، فلا أحد غير الأطباء يستطيع فهم هذا النوع من التعلق.. الذي لم يصرف لبشر أو مادة أو ربما نوعا من الطعام. إنه نوع من التعلق والعشق الطبي الذي يقفز إلى قلوبنا نحن الأطباء تجاه تخصص معين. ربما يكون الوقت مبكرا جدا للإفصاح عن هذا الأمر.. ولكن هي كلمات وددت أن أفضفض بها في صبيحة هذا اليوم.. فأنا بحاجة إلى طاقة عمل تدفعني دفعا لصعود سلم الطموح حتى البلوغ.

بدأت قصتي في حب تخصص العيون منذ أن كنت في المرحلة الثانوية.. حيث سمعت عن لغة العيون وتعلقت بها.. أحببت هذا العضو الصغير باهظ الثمن.. بل الذي لا يقدر بثمن، رسمت حينها لنفسي حلما بدءا من الالتحاق بالطب وحتى التخصص، وبات المكنون في قلبي مكنونا حتى ازددت علما في هذا التخصص مع تقدمي في سنوات الدراسة.

ألم يعد الله أولئك الفاقدين أبصارهم بجنة عرضها السموات والأرض؟! لما لا وقد عظم مصابهم في دنياهم.. ونحن ننعم بألوان الشفق والسَحَر، بل ونتجمل بتكحيل العيون.

بلغت السنة الرابعة من الكلية.. وحين كنت ألتقي بهؤلاء المرضى الذين ما مر علي واحد منهم إلا وذكرني بما من الله به علي من نعمة الصحة وعلى رأسها نعمة البصر. كم تحرك قلبي كثيرا وأخفيت دمعات لم يلاحظها أحد قط ممن حولي لمجرد رؤيتي لرجل ثمانيني العمر أو طفلة صغيرة لا تملك أمل النظر لحادث أصابها بأمر الله.

ولم العجب إذن؟ ألم يعد الله أولئك الفاقدين أبصارهم بجنة عرضها السموات والأرض؟ لما لا وقد عظم مصابهم في دنياهم.. ونحن ننعم بألوان الشفق والسَحَر، بل ونتجمل بتكحيل العيون وعيون هؤلاء تختبئ خلف نظارة سوداء مخيفة.. يميزهم كل من يراهم بقولهم هذا كفيف.

رأيت في الطب فن الرحمة وإعادة البسمة عند من يمتلك قلبا يراقب الله كل وقت وحين.. ولكني رأيت في هذا التخصص رؤية النور وتشكيل ألوان قوس المطر.. وبريق النجوم الأخاذ ليلا وخيوط القمر الفضية المنعكسة على صفحات الماء المظلم أمام من اعتاد العتمة ورؤية الصورة بجزء مفقود.

كثيرون حولي سيبدو لهم هذا الأمر مجنونا.. إذ كيف تعلقين روحك بتخصص طبي قد لا تكونين الشخص المناسب له.. وقد تتبدل المقادير بين ليلة وضحاها لتجدي نفسك في رقعة أخرى غير تلك التي تحلمين بها..! صحيح ذاك.. ولكن لم تقتصر صياغة النثر في العشق على الأشخاص..

بل أنا أصرفها اليوم لذلك الحلم الصغير الذي لا يمضي يومي من غير أن أتفكر فيه وأدعو الله أن يرعاه فلربما جعل الخيرية فيه سبحانه. ربما يبدو كلامي مبالغا، ولكن صدقا ما كان ليخرج من شغاف القلب لولا الصدق وفائض الإحساس الذي يغشى الأمر. قد لا يتسع الواقع للحديث عن هذا الحب.. إذ لا تجد أرواحا تحاديك فيه أحيانا..

رأيت في الطب فن الرحمة وإعادة البسمة عند من يمتلك قلبا يراقب الله كل وقت وحين.. ولكني رأيت في هذا التخصص رؤية النور وتشكيل ألوان قوس المطر.. وبريق النجوم الأخاذ ليلا.

بل قد تجد أولئك الذين يرمونك بسهام التثبيط التي يظنون أنها قد تنال منك لتصلبك على جذع شجرة.. ولا يعلمون أن سهامهم تذروها الرياح.. يا صديقي قد يكون لك عشق مشابه.. فعشقي في تخصص العيون في مجالي الطبي.. وربما عشقك يصرف تجاه تنسيق الزهور أو صنع شيء ما يبلغ من بساطته ما يبلغ..

لا تتخاذل يا عزيزي فحلمك يطاول حلمي.. فنحن نتشارك الحلم والنظر للسماء وندعو الله أن يبلغنا ما نأمل.. وتذكر دوما أنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.. في مقالتي الصغيره في بحر عشقي لهذا التخصص لا أود الختام قبل أن أفصح عن مدى عرفاني بالجميل لأولئك الذين أججوا نار الحب لدي تجاه هذا التخصص.. ويوما ما سأقف أمامكم لأقول لكم شكرا فقد أينع الزهر وجادت السقيا بالثمر. ندعو الله تعالى بأن يكتب لنا ولكم الخيرة في أمرنا ويرزقنا الخير حيثما كان إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.