شعار قسم مدونات

الوهابية سلاح الأمريكان ضد الإخوان

مدونات - مفتي السعودية
لم أكن يوما أشك في عداء المملكة العربية السعودية لجماعة الإخوان المسلمين خصوصا وأن الملك فيصل رحمه الله كان من أكبر الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين إبان مطاردتهم من طرف جمال عبد الناصر، حتى جاء الربيع العربي وتبدد شكي خصوصا بعد مساهمة السعودية بشكل مباشر في الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي خوفا من انتقال عدوى تساقط رؤوس العديد من رؤساء الدول العربية في وقت قياسي، هذا العداء للإخوان المسلمين وللتيارات الإسلامية التي تسير على نهجهم ليس لأنها "جماعات إسلامية إرهابية" حسب وصفهم، ولكن لأن هذه التيارات قد أسست رؤيتها على مبدأ التوافق بين الإسلام والديمقراطية، وتقدمت لمواقع الحكم في أكثر من بلد استنادا إلى الشرعية الانتخابية. على العكس تماما من الحركة الوهابية التي لا تعكر صفو حكامها بل هي جزء لا يتجزأ من حكمهم. 

إن المتتبع لتاريخ الحركة الوهابية وعلاقتها بحكام آل سعود سيلحظ أنه لولا التحالف الذي عقده محمد بن عبد الوهاب مع الأمير محمد بن سعود سنة 1744 م، والذي وصف بلقاء صاحب الدعوة مع صاحب الشوكة لما كان لهذه الحركة وجود، نظرا لغياب اللين واليسر في دعوتهم وقد اشترط محمد بن سعود على الشيخ عدة شروط أهمها البقاء معه هو وأتباعه من أجل حماية حركته ونصرتها بعدما طرده أمير قرية حريملاء الذي لم يعجبه فكر محمد بن عبد الوهاب التكفيري، هذا الفكر الوهابي الذي رفضه مجتمع حريملاء الهادئ آنذاك وانكره حتى أقرب المقربين إليه وهو أخوه سليمان بن عبد الوهاب الذي ألف كتابا سماه "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية".

إلى يومنا هذا لا يزال التحالف قائما بين حكام آل سعود وعلماء الوهابية، هذا التحالف القائم على طاعة أولي الأمر طاعة عمياء، وتحول فقهاء وعلماء السعودية بعامل الوقت إلى مجرد طبقة من الموظفين الدينيين الرسميين يتقاضون رواتب وأعطيات الدولة بحسب درجة الحاجة إليهم. ولعل مساندة علماء الوهابية لقرار السعودية الرامي إلى فرض حصار على دولة قطر خير دليل على عدم قدرة هؤلاء العلماء على قول الحق، هؤلاء الحكام أنفسهم ينفذون ما تطلبه منهم الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك تكون المملكة العربية السعودية قد وضعت نفسها في الموقع الخطأ منذ البداية وهي تتجه إلى توريط نفسها في مواقف وسياسات لن تعود عليها وعلى الأمة الإسلامية بالخير مستقبلا.

الدرس الذي لم تستوعبه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها المقربون أخص بالذكر هنا مصر والإمارات، وهو أن تأييد أمريكا لهم في محاربة الإخوان المسلمين في مصر وخارجها نابع من قناعتها أن هؤلاء قاموا بتنزيل مبادئ الدين الإسلامي إلى أرض الميدان.

هذا القطر العربي يحتضن مقدسات المسلمين وقبلتهم، فهي من بين الدول القليلة في العالم التي لا يوجد فيها دستور وضعي دستورها القرآن والسنة كما تدعي، فهي لا تتوفر على أي ضوابط أو رقابة على الحكم بحجة أن ولي الأمر له حق الطاعة والولاء المطلقين من الرعية. ورغم هذه الشعارات كلها فالأقرب للواقع هو أنها دولة يسيطر فيها رجالات الحكم على النفوذ والثروة والدين وكل شيء.

بعد سقوط الرئيس حسني مبارك وإعلان مصر عن تنظيم انتخابات رئاسية سارعت كل من السعودية والإمارات إلى دعم التيار الوهابي في مصر وأنفقت الملايين من أجل فوز حزب النور بالانتخابات الرئاسية المصرية، إلا أن قوة جماعة الإخوان المسلمين بددت حلم السعودية من أجل التحكم في المشهد السياسي المصري، هذه النتيجة دفعت بالإمارات والسعودية إلى تغيير الخطة وإجهاض إرادة المصريين، بطبيعة الحال لم تتخذ المملكة العربية السعودية هذه الخطوة دون مباركة من طرف البيت الأبيض فهم يعلمون جيدا خطورة جماعة الإخوان المسلمين وقوتهم التنظيمية لو تمكنوا من مؤسسات الدولة لأنهم لن يطبلوا لأمريكا تطبيل الوهابيين لهم.

وفي الختام.. إن الدرس الذي لم تستوعبه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها المقربون أخص بالذكر هنا مصر والإمارات، وهو أن تأييد أمريكا لهم في محاربة الإخوان المسلمين في مصر وخارجها نابع من قناعتها أن هؤلاء قاموا بتنزيل مبادئ الدين الإسلامي إلى أرض الميدان واستطاعوا سياسيا واجتماعيا وفكريا واقتصاديا تقديم أنفسهم للمجتمع كمشروع إسلامي مقبول، وتأييدها للوهابية نابع من قناعتها أن هذا الفكر لن يشكل عليها وعلى إسرائيل في الوقت الراهن أي خطر محتمل ما دام هذا المشروع بعيدا كل البعد عن هموم الفقراء ولا يحمل هم الأمة الإسلامية ولا يقول للحاكم يا ظالم لم ظلمت؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.