شعار قسم مدونات

الكل في الجنة والكل في النار

blogs السماء
لطالما سلَمتُ في ما مر من عمري بما يقوله الناس، المسلمون هم فقط من لديهم فرصة الفوز بالجنة، أما الكفار (غير المسلمين) مهما فعلوا من خير في حياتهم فمكانهم في النار وبئس المصير. أما في بعض الدروس الدينية التي كنت أحضرها فكان الأسوأ، سب قذف ودعوات على النصارى اليهود وآخرين بالكوارث والزلازل والأمراض وفي أحيان توصية بعدم التعامل معهم، وإذا فعلت فاستغفر الله على هذا، رغم أن الداعي يستعمل دواءهم للعلاج، ويبعث ابنه ليتعلم في جامعاتهم.
بدأت الأسئلة تأخد ساعات من يومي في التفكير، هل هذا عدل؟ نحن نظلم نزني نقتل، وندخل الجنة، وهم لا يقبل منهم عمل وفي جهنم خالدين، لمجرد أنهم ليسوا مسلمين، لماذا! من قدّرَ له أن يولد في تلك البقعة وفي ذالك المجتمع أليس الله! فلماذا سيحاسب الله شخصا على شيء لم يختره بل قُدِر عليه.. ربما ستجيبني كان عليه أن يفكر ويبحث وسيكتشف أن الإسلام هو الدين الأصح، حسناً سأجيبك، هل فكرت أنت يوماً في صحة اعتقادك أو دينك! بالطبع لا، لأنك متيقن منه حق اليقين، فلماذا تفرض على الآخر ممن لم يولدوا على الإسلام أن يفكر ويشك رغم أنه بنفس طريقتك تربى وترعرع على دينه ومتيقن منه بنفس طريقة تيقنك وربما أكثر، الغريب أن حتى القرآن أقر بهاته الحقيقة "كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ" وقول "كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ".

ستقول لي حسناً، لكن ماذا عن الذي عُرض عليه الإسلام فرفضه أليس هذا بكافر! سأقول لك تمهل قليلا، ربما لديك خلل في تعريف الكُفر، الكفر في اللغة هو تغطية الحقيقة أي رأيت شيئا فعرفت أنه الحقيقة وتيقنت من ذلك، لكن نظراً لأن كبريائك أو مصالحك وشهواتك تتعارض مع هاته الحقيقة قررت أن لا تعترف بها، فهل هذا هو حال كل من عرض عليه الإسلام فرفضه! بالطبع لا!

لا تلعب دور الله فتقول هذا في الجنة وهذا في النار ولو كان الأمر بين مؤمن وملحد،، الله من يفصل بينهم وليس أنت

لتوضيح الصورة أكثر أضرِب لكم مثل الشيخ الذي دعى يابانيا فعَرض عليه الإسلام قائلا إنه دين يأمر بقتل المرتد والمخالفين وعدم خروج المرأة من بيتها تحسباً للفتنة التي تسببها، فرفض الياباني دعوته، فهل تعتقد أنه بهذا الفعل أصبح كافراً! بالتأكيد لا، لأنه لم يكفر بالإسلام الإلهي بل كفر بالنسخة المذمومة التي صنعها الشيخ، النسخة التي سيكفر بها كل صاحب فطرة سليمة. هذا يشبه الى حد ما المفهوم الذي طرحه أبو حامد الغزالي مشيراً إلى أن كل شخص رأى الإسلام بصورته السيئة التي نقدمها، فكأنه لم يرى الإسلام أصلاً لذا فهو يدخل تحت قائمة أهل الفترة (القوم الذي لم يبعث فيهم رسول) وهو معفِي من العذاب "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً". لا بد أنك ستقول لي لكن الله قالها صريحة في القرآن "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَام" وقال أيضا: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ".

حسناً ربما أنك تجاهلت أن الإسلام هو الدين الذي بُعث عليه كل الأنبياء على مر العصور، ألم يقل نوح "فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" وتوصية إبراهيم "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، كما أن فَهمَ بعض المتفكرين للأية "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَام" جاء بمفهوم جديد لها، عند الله أي في الآخرة أما الدنيا فالأهم هي الأعمال. وهذا ماجاء به القرآن في آية تخاطب المسلمين قائلة لهم "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا"، نعم لا يساوي عند الله شيئا أن تكون مسيحياً يهودياً أو مسلماً فإن أسأت العمل تجزى.

في إحدى حلقات حسن فرحان المالكي، وهو مفكر وباحث تاريخي اشتهر بنقاشاته الدينية والفكرية، قال: "في الجنة ستجد المسلم واليهودي والوثني والملحد، وفي النار ستجد المسلم واليهودي والوثني والملحد لأن الله لايحاسب كأساتذة الرياضيات على أساس دينك أو هل أجبت بشكل صحيح أم خاطئ بل يحاسبك بناءً على أعمالك مراعياً ظروفك ومدى صدق نيتك في البحث عنه وتأثير الوالدين والمجتمع في نشأتك العقائدية بدليل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، هاته الآية تخاطب كل الناس من ذكر وأنثى،إن أكرمكم عند الله أتقاكم والتقوى في القرآن تعني العمل النبيل والسلام وكف الأذى وأن لاتظلم وتعتدي وأن لاتكذب، بخلاصة هي كل الأخلاق والإنسانية التي فطرك الله عليها منذ نعومة أظافرك.

لا بد في الأخير أن أشير إلى ما قاله عدنان إبراهيم، لا تلعب دور الله فتقول هذا في الجنة وهذا في النار ولو كان الأمر بين مؤمن وملحد "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، الله من يفصل بينهم وليس أنت. إن الله لا يريد إنساناً متزمتاً يؤمن أنه يملك الحقيقة المطلقة ملحداً كان أو مؤمناً، بل يريد إنسان عظيماً نافعاً للبشر ورحيماً يسع قلبه الدنيا وما فيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.