شعار قسم مدونات

أول نشيد لثورة 1952.. كتبه شاعر لم ينل مكافأته!

مدونات - الضباط الأحرار

كان نشيد البعث هو أول الأناشيد الوطنية لثورة 23 يوليو 1952، كتبه شاعر الروابي الخضر الشاعر أحمد خميس، و قد قدم النشيد في حفلة عامة بميدان التحرير بالقاهرة يوم الأربعاء 20 أكتوبر عام 1954 وبثته الإذاعة حيا على الهواء، وقد عرف النشيد بقول مؤلفه في مطلعه:

بني مصر قد راح ليل العبيد            فكونوا لمصر الضياء الجديد

كان هذا نفسه نشيد «البعث» الذي غناه فريد الأطرش بعد ذلك بسنوات في عيد الثورة السادس. والحقيقة أن هذا النشيد رغم ما يبدو من بساطته الشديدة يمثل النموذج الأمثل للقصيدة والمخلص للفكرة الثورية والحافل بكل المعاني النبيلة المنتظرة من نشيد في مثل هذا الموقف، فالنص الشعري حافل بالجدية من دون تشنج، وبالحماسة من غير مرارة كما أنه يستنهض الأمة بنزعة إيمانية إنسانية بعيدة عن الشحناء والعداء، أما الإيقاع فقريب جدا من إيقاعات الأناشيد الحماسية الجماعية القابلة للتلحين على نحو يعتمد على الغناء الجماعي في غياب الموسيقى أو العزف الآلي، أما قابلية النص للتوزع على مغن وكورس أو على جماعتين متقابلتين فكان توزيعا مثاليا ينبئ عن قدرات مسرحية بقدر ما يدل على مهارة شعرية.

يقول أحمد خميس:

بني مصر قد راح ليل العبيد

فكونوا لمصر الضياء الجديد

بني مصر بالعلم نغزو الحياة

وبالخلق السمح نرضي الإله

فكونوا هداة .. وكونوا أباة

وكونوا على الأرض شعباً يريد

ويهتف قد راح ليل العبيد

وهو يخلق حوارا حماسيا بين العالم الإنساني المترقب للتجربة المصرية وبين الشباب المصري:

بني مصر هذي عيون الورى

تكاد تساءل عما ترى

هو البعث في أرضنا قد جرى

يدك الظلام .. يذيب القيود

ويهتف قد راح ليل العبيد

فكونوا لمصر الضياء الجديد

ويحرص أحمد خميس على أن يبشر الشباب المصري بأعظم مما يتوقعون من ألأماني وهو يجري البشريات سجالا على لسانه وألسنتهم فيقول:

بني مصر قد لاح فجر المنى

وصارت إلى النصر أيامنا

فضموا سنا الشمس في أرضنا

وغنوا مع النور هذا النشيد

بني مصر قد راح ليل العبيد

فكونوا لمصر الضياء الجديد

ولا يهمل أحمد خميس الحديث عن نغمة متصاعدة الأهمية في ذلك الوقت وهي التأكيد على أن عمل الجيش ليس إلا من أجل مصر:

بني مصر للنيل جيشٌ غدا

طلائع مجد سناها بدا

فضُمّوا الصفوف وكونوا يدا

هو الحق سيفٌ ينير الوجود

ويهدى وقد راح ليل العبيد

فكونوا لمصر الضياء الجديد

ويتحدث الشاعر أحمد خميس بثقة بالغة عن أمنية كثر ترديدها في تلك الأيام وهي فكرة امتلاك مصر لمستقبلها فيقول:

بني مصر هذا الصباح لنا

تفجر بين الربا والسنا

لننشر في الأفق أعلامنا

تحيي الجلاء تحيي الجنود

وتهتف قد راح ليل العبيد

فكونوا لمصر الضياء الجديد

ثم ينتهز الشاعر أحمد خميس الفرصة للحديث عن مطالبته وأمله في المساواة:

بني مصر والغد منا قريب

له فيكم أمل لا يخيب

فكونوا سواء لدفع الخطوب

فما بيننا سيد أو مسود

وقد راح يا شعب ليل العبيد

فدمنا لمصر الضياء الجديد

من حق أحمد خميس في هذا المقام من الحديث عن أشعاره الوطنية أن نشير إلى قصيدته "موكب الخالدين" التي غنتها سعاد محمد بألحان السنباطي فإن أحمد خميس يخاطب الطبيعة على نحو يوحي بأنه امتلكها واستطاع توظيفها لتصوير تاريخ أمته:

أقبل ندى الغار حلو الموكب

واسكب رحيق النور للفجر الصدى

واخطر على هذى الضفاف

وطر بها ركبا من الإشراق واللحن الأبى

وهو يصف النيل وبردى والزمن فيجعل من كل هذه المعالم الكبرى أدوات لاعتزازه بوطنه:

النيل دفاق العبير مغرد

والخلد فى بردى صدى المتردد

يملى حديث الشرق فاسمع يا زمن

ولتقرأ الدنيا لها ولتكتب

يا صانع التاريخ من أيامنا

كانت تعانق فى حناياها السنا

يا زارع الأهداف فى الشرق الصبى

سلمت يداك وبارك الله الجنى

هذا ضحاك يا نجم من بلغ الخطى

بالحسن بالبعث المقدس للمنى

والعزة العلياء تهتف ها هنا

إنى على كفيك أحيا ها هنا

ثم هو يتحول إلى المناجاة لما يصوره على أنه سلاح الحرية والحق والفداء مستبشرا بمستقبل العروبة في وحدتها:

أقبل سلاح الحق إن الفجر لاح

لهبا .. رماحا مشرعات للفدا

للنيل في بردى هدى وأحبة

يشدو بأنباء السلام المفتدى

فإذا العروبة مقبل ومصافح

وإذا الشتيت يعود قلباً ويدا

وإذا العروبة التقت وقد بدت

ونسجتَ أنت ببُردتيها الموعدا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.