شعار قسم مدونات

ليس مهما متى نتزوج!

blogs الزواج

قبل مدة ليست بالطويلة، شاءت الأقدار أن أصادف صديقة تعرفت عليها في المكتبة، ملامحها تعكس طيبة قلبها، وروحها المرحة تنثر الحياة في الحياة. تبادلنا أطراف الحديث إلى أن أخبرتني بأن عمرها يتجاوز الأربعين، وبأنه لم يسبق لها الاقتران بأي رجل، وبأن ذلك لم يزعجها يوما بقدر ما يزعجها دائما حديث الناس الذين تبدو لهم مسكينة، وضعيفة، ولا يمكن أن تكون سعيدة.

 

سألتها إن كان امتناعها على الزواج اختيارا، فأجابتني بأن أولوياتها في البداية لم تكن تصب في منحى الارتباط، ولكن مذ تجاوزت سنا معينا، كل الطلبات التي باتت تعرض عليها، كانت تشعرها بالتشييء والدونية، فناهيك عمن يرغب في الاقتران بها من أجل ملء حسابه البنكي، هناك من يهمه معرفة قدرتها على الممارسة الجنسية أكثر مما يهمه معرفتها هي شخصيا. نظرت إليها وأخبرتها بأنها جميلة، غيرنا الموضوع ومضينا، كل إلى سبيله.

استحضرت فيما بعد القصص التي تتناقلها النسوة فيما بينهن حول معارفهن العازبات، وكيف يتحدثن عليهن وكأنهن خرجن من بطون أمهاتهن متزوجات، تذكرت ملامح وجه ابنة عمي البالغة من العمر 30 سنة حينما طرح عليها سؤال "متى نسعد بك؟" أكثر من مرة في حفل عائلي، وكيف كانت تقابله بابتسامة ذابلة لا روح فيها ولا حياة، زارني أيضا مثل شعبي سمعته أكثر من مرة " العاتق فالدار عار"، مفاده أن الأنثى العازبة عار على أسرتها، وشعرت إلى أي حد نعيش في محيط مضطرب فكريا، يتدخل فيما لا يعنيه، ولا يرحم.

الإنجاب وتكوين أسرة هدف سامي من أهداف الزواج، ولكنه ليس الغاية المثلى والهدف الوحيد من هذا الرباط العظيم والنبيل، الذي له مبتغات أخرى تتمثل في السكينة والطمأنينة والاستقرار النفسي

كيف يمكن أن يكون المجتمع الذي يشفق على حال امرأة اختارت ألا تتزوج، أو قدر لها ألا تفعل، هو نفسه ذو المرجعية الإسلامية الذي يؤمن بالقدر وبأن الله لا يفعل شيئا باطلا، وهو نفسه الذي يدافع في مطارح أخرى على حق الجميع في الاختيار؟ ومن أين تأتي لأولئك الشجاعة في أن يعتبروا الزواج إنجازا، والمرأة العازبة مهما بلغت من العلم والتجربة والنجاح ناقصة بلا إنجازات؟ 

إن أكثر المشفقين على حال المرأة العازبة المتأخر ركب زواجها يربطون شعورهم ذاك بخوفهم عليها من عدم الإنجاب. نعم الإنجاب وتكوين أسرة هدف سامي من أهداف الزواج، ولكنه ليس الغاية المثلى والهدف الوحيد من هذا الرباط العظيم والنبيل، الذي له مبتغات أخرى تتمثل في السكينة والطمأنينة والاستقرار النفسي والعفة والتشارك والتعاون… ثم إن مسألة الإنجاب لا تخضع لحسابات رياضية أكثر مما ترتبط بتسخير من الله عز وجل، وما يتناقل أمامنا من قصص في هذا السياق أكبر دليل على ذلك.

إن تحديد عمر معين للزواج وجعله قاعدة ثابتة كل من حاد عليها سمي عانسا، هو ضرب من ضروب الجنون وعادة مجتمعية لا صحة فيها ولا أساسا رصينا بنيت عليه، فالزواج مرتبط بالقدرة والاستطاعة والنضج، ولا علاقة له بالسن، ثم إنه لم يسبق وأن قرأنا لا في بحوث علمية ولا في نصوص دينية أن سر نجاح الحياة الزوجية يكمن في سن المرأة وقت ارتباطها.

إنه من الأفضل لك أن تعيشي عازبة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، على أن ترتبطي برجل غير مقتنعة به فقط لتكممي أفواه الناس، أو لتنتقلي من حالة اجتماعية إلى أخرى، أو لتحققي رغبة أمك في ترديد " سعدي يا لالة، فرحي يا لالة، زوجت بنيتي زولت اللومة عليا"، الأمر أشبه بمن يمشي برجليه نحو حتفه. لا تجعلي من الزواج غاية واعتزي بعزوبيتك إلى أن تجدي شريكا مناسبا يقدر فكرك قبل جسدك، ويحترم وعيك ويقبلك كما أنت.

ليس مهما ما يرونه الناس فيك، المهم بحق هو ما ترينه أنت في نفسك، لذلك لا تجعلي من كلمة
ليس مهما ما يرونه الناس فيك، المهم بحق هو ما ترينه أنت في نفسك، لذلك لا تجعلي من كلمة "عانس" عقدة تربكك وتصرفك على تحقيق طموحاتك وأحلامك
 

قبل أن تستمعي لما يقوله عنك المارة، أنصتي لنفسك أولا وأفهميها أنك كيان وروح قبل أن تكوني جسدا محصورا بأرقام، وأن السن لا يمثل سوى جزءا بسيطا ممن تكونين، جزءا قد لا يعكس في أحيان كثيرة عمر روحك وشبابها، وأن الناس سيتحدثون وسينتقدون سواء كنت راضية وسعيدة بما أنت عليه أو لم تكونين، فارضي بما قسمه الله لك ولا تغلقي الأبواب.

ليس مهما ما يرونه الناس فيك، المهم بحق هو ما ترينه أنت في نفسك، لذلك لا تجعلي من كلمة "عانس" عقدة تربكك وتصرفك على تحقيق طموحاتك وأحلامك. اهتمي بنفسك وعقلك، تجملي من أجلك وليس من أجل إسقاط رجل في الشباك، نمي فكرك وأخلصي فيما تقومين به، استمتعي بوقتك، وثقي بأنك تستحقين أن تكوني سعيدة وبأن السعادة لم تكن يوما إنسانا، تقبلي ما أنت عليه وآمني بأن الأكثر أهمية ليس أن نتزوج أو متى نتزوج، ولكن بمن نتزوج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.