شعار قسم مدونات

من الحاج متولي إلى عائشة الشهري.. يظل التعدد حاضرا!

blogs زواج

الدراما المصرية لطالما صوّرت الزواج الثاني كشيء قبيح، وخيانة فظيعة يقترفها الزوج، وتعمدت دوما الإيحاء بأن نهايته عظيم الخسران بعقاب رباني يصيب صحته بالاعتلال، أو ماله ببالغ النقصان، وأنه سيندم ولات حين مندم، على عظيم خيانته وكبر جريمته! وهذه الدراما تربت عليها أجيال، وتأثرت بها نساء وفتيات، صرن أمهات وزوجات، في ظل طغيان المتلفز على تكوين الآراء وصقل شخصية الإنسان في منطقتنا العربية، وفي ظل خضوع الإنتاج التلفزيوني لمن فكرهم مستمد من ثقافات أخرى تجرّم التعدد.

 

ناهيك عن الضخ المتواصل من وسائل أخر، كالصحف والمجلات وكلام أدعياء الثقافة والفكر، ملخص ما فيه أن التعدد امتهان لكرامة المرأة، ويجسد (حيوانية وشهوانية) الرجل وأنانيته، كما أنه يتسبب في زيادة الانفجار السكاني، وكان يجري ترويج فكرة (ترشيد) عدد المواليد وهذا طبعا يحتاج إلى الامتناع عن التعدد. وصورة أخرى من صور التعدد ظلت حتى الآن حاضرة، وهي أن التعدد سمة قادة وكوادر (الحركات الإسلامية المتطرفة) حيث دوما يظهرون برغبتهم بالتعداد المتكرر، أي طلاق أربعة نساء والزواج من غيرهن، ونحت مشاهد منفرة لهم، تشمئز منها النساء والرجال وكل صاحب فطرة سوية من التعدد…طبعا الصورة مختلقة وكاذبة للتنويه، فحتى ونحن نرفض التطرف، كما رفضه السلف الصالح، ولكن لا يجوز الكذب والتدليس والقذف والتشويه بهذه الطريقة التي رأينا ونرى نماذج منها.

 

ومع بداية الألفية الجديدة ظهر نموذج جديد في الدراما التلفزيونية المصرية، وهو مسلسل (عائلة الحاج متولي) الذي لعب الممثل الراحل نور الشريف دور البطولة فيه، وهو يجسّد تاجرا ناجحا، يقترن بعدة نساء علنا لأسباب مختلفة، ويعيش معهن حياة سعيدة مستقرة، وإن لم تخلو من بعض المنغصات والمشكلات كشيء طبيعي في الحياة الأسرية. وصار اسم (الحاج متولي) علامة تندر أو اسما حركيا للمتزوج بأكثر من امرأة، ولاقى المسلسل نجاحا كبيرا، وتحمس المشاهدون لرؤية نموذج تعدد واقعي مثل الحاج متولي، وبالطبع، حلم كثير من الرجال بأنهم مثل الحاج متولي، ولن أزعم بأن نساء كثيرات تمنين أن يكن مكان أي من زوجات (الحاج)!

 

تخبطت الدراما المصرية في تناولها لموضوع التعدد، وابتعدت عن نشر الوعي، من خلال انتقالها من النقيض إلى النقيض، وبطريقة فجة

فها هو الزواج المتعدد لا يجلب الفقر، بل يتزامن مع نجاحات متعددة، ولا يقود إلى التفكك الأسري، بل عل العكس تقوى الروابط وتتعزز، والمعدد ليس خائنا بل شخصية محترمة، وليس بطبيعة الحال عضوا أو قائدا لجماعة متطرفة. ومما قرأت وقتها في غير صحيفة إلكترونية ومطبوعة، أن المسلسل يستبطن فكرة محاربة ظاهرة العنوسة وتأخر سن الزواج، بتشجيع فئات المجتمع-لا سيما النساء- على تقبل فكرة تعدد الزوجات، لحل مشكلة اقتصادية واجتماعية.

 

وما كاد جيل جديد يكبر بعد عرض (عائلة الحاج متولي) والذي عرض في 2001، حتى ظهر في 2012 عمل جديد، حمل تقريبا نفس الفكرة وهو (مسلسل الزوجة الرابعة) وبطله هذه المرة (مصطفى شعبان) وهو الذي لعب دور (سعيد) نجل الحاج متولي البكر، مع اختلاف في بعض الأحداث والشخصيات، ولكن لوحظ توظيف الجانب الكوميدي في المسلسلين المذكورين مع جرعة كوميديا مضاعفة في الزوجة الرابعة، وأن الرجل المعدد هو من طبقة التجار البورجوازيين، وليس من طبقة النخبة الثقافية أو السياسية، كما في شخصيتي الزوجين، أي أن هناك تحفيزا خفيا على ألا مانع من قبول الفتاة من الزواج من رجل متزوج وضعه المادي جيد، ومحدود الثقافة والتفكير، و(ابن بلد) كما في المفهوم السائد. هذا يدل على تخبط الدراما المصرية في تناولها لموضوع التعدد، وبعدها عن نشر الوعي، من انتقالها من النقيض إلى النقيض، وبطريقة فجة، ولكن بقيت إشكالية اجتماعية وهي العنوسة وتأخر سن الزواج، ومن يرى أنها تحل بالتعدد!

 

فكرة غير واقعية

يرى رافضو التعدد أنه يمكن محاربة العنوسة، بأن يتبرع القادر المتزوج من ماله لتزويج أعزب أو أكثر بدل أن يسعى للزواج مرة أو مرات أخرى؛ وهذه فكرة غير واقعية مفرطة في مثالية لم تخلق في نفوس البشر، ومهمة السعي لتزويج العازبين تتولاها دول وحكومات، ولم تصل بعد لدول العرب وحكوماتهم التي لا تكاد توفر رغيف الخبز لشعوبها، ولا تقع هذه المهمة على عاتق أفراد، لم يكلفهم الله بها، ونحن نرى أن المقتدرين قد يبخلون، ويتقاعسون عن دفع الحق المعلوم من أموالهم وإخراج زكاتها، أفنطمع بأن يزوجوا العازبين؟ فمن يطرح هذه الفكرة إما حالم أو جاهل بطبيعة النفس البشرية المجبولة على حب التملك والاستحواذ، وأن عدة عبادات جاءت لتهذيبها، منها عبادة إنفاق المال صدقة أو زكاة، ولم يرد أن يمنع القادر على الزواج مرتين أو أكثر نفسه من ذلك ليعطي من لا يستطيع الزواج!

 

قنابل عائشة الشهري!

هناك امرأة ناشطة معروفة باسم (عائشة الشهري) يقال بأنها من السعودية، ولا أستطيع الحسم، هل هذا اسمها الحقيقي أم لا، ولكن لها صوتا جريئا، ولها آراء تغرد خارج سرب (اللبرلة) التي ينادي بها بعضهم للمرأة السعودية خاصة وللمرأة المسلمة عامة، وهي لا تتردد في طرح آرائها بكل جرأة في اتصالها مع شيوخ وضيوف بعض برامج القنوات الفضائية.

 

ولا شك أنها تحظى بتأييد لما تطرحه من آراء تستند إلى الروح الإسلامية، ولكن الناس لم يعودوا يأخذون بها بحكم تغير الظروف المختلفة.. وفيما يخص التعدد ينسب إلى (عائشة الشهري) مقال رأيته كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات منتديات عربية عدة، ولكن رأيت موقع (عمون) الأردني قد نشره في 2015 تحت عنوان (لماذا لا نعدّد) وثمة عناوين أخرى، أشد قسوة، مثل (هل أنت رجل داجن؟)، نشر تحتها المقال، وقد أثار المقال وما يزال جدلا وردود فعل متباينة.

 

نظرا لأن من تدعو إلى التعدد امرأة، والمرأة جبلت على الغيرة، وقبولها للتعدد، لا يعني أن تروّج له، بطريقة السيدة عائشة الشهري (يقال بأنها تحمل لقب دكتورة)، فنحن حين نتحدث عن مسلسل تلفزيوني مصري، يمكن في نهاية النقاش أن يقال بأنه مجرد عمل للتسلية، وتنويع لمشاهد ومرايا حياة اجتماعية، وليس بالضرورة دعوة مبطنة للتعدد، كما أن الكاتب والمخرج والمنتج هم رجال، ولكن مقال عائشة الشهري مباشر في طرحه، وهي امرأة! ولأن المقال يضع تشخيصا لسبب عزوف الرجال عن التعدد، من وجهة نظر الكاتبة. ولا يتسع المجال للمزيد الآن، ولكن بمشيئة الله تعالى، في المقال القادم، سنتناول النص كاملا، وسنناقش أطروحتها، بما قيل ويقال، وبما يفتحه الله علينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.