شعار قسم مدونات

الإمارات ودمشق.. حلف استراتيجي أم مجرد استثمارات؟

A man works on the emblem of the United Arab Emirates embassy in Damascus during its reopening, Syria December 27, 2018. REUTERS/Omar Sanadiki

لا يزال الحديث اليوم عن إعادة افتتاح سفارة الإمارات العربية في دمشق، هي خطوة ضجّت الرأي العام العربي بشكل خاص، وذلك بعد شح العلاقات بين دول الخليج والرئيس السوري بشار الأسد. هذا الحدث الذي سبق زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى الشام مهّدت بشكل أو بآخر استقبال القائم بأعمال سفارة الإمارات في سوريا عبد الحكيم النعيمي لإعادة العلاقات بين البلدين. وقد سطرت الآراء والتحليلات لتعنون عن "نوايا" إماراتية للاستثمار في سوريا عبر عملية إعادة الإعمار "طويلة الأجل" التي ستشهدها المدن السورية المدمّرة، إضافة إلى حاجة الحكومة السورية من جهة اخرى لتمويل موازنتها المقررة ب9 مليار دولار أمريكي.

 

فتبقى الأسئلة المطروحة: هل تكتفي العلاقات محصورة بين الإمارات العربية وسوريا، أم ستسير لتشمل كل دول أعضاء الخليج ومصر؟ هل يبدو الرئيس السوري إضافة مهمة لـ "رؤية" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن المشرق العربي بعيدا عن "الإسلام السياسي" ومكافحة الإرهاب؟ وما مصير إيران وتركيا بعد المبادرة الإماراتية؟

لا بد أن نجزم يقيناً أن إيران وتركيا أكثر المتضررين من مبادرة توثيق علاقات خليجية – سورية، وخاصة أن دول الخليج هم الأكثر عداوة مع نظام إيران وتركيا مجتمعين، دولتان إسلاميتان غير عربيتان، هم الأكثر اشتراكاً وانخراطاً في الأزمة السورية منذ اندلاعها. وقد كان واضحاً أن لا بيان تهنئة أو تشجيع صدر عن البلدين بعد زيارة النعيمي لدمشق.. وهو ليس بالأمر المفاجئ.

بين سلطة أقرب إلى التوجّه القومي وبين مجتمع غير متصالح بشكل كلي مع حاكمه وأقرب إلى التوجه الديني، يصعب التنبؤ بمستقبل "سوريا الموحدة"

لا بد من قراءة العناوين العريضة للدول المنخرطة في حرب سوريا لقراءة مستقبل الإقليم العربي، فدول الخليج وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان يرفع شعار "التغيير" ومحاربة التطرف و"الإسلام السياسي"، ويمكن ترجمة هذه الشعارات عند الحديث عن اعتقالات لرجال الدين التقليديين على المنابر الدينية، وتصنيف "الإخوان المسلمين" كجماعات إرهابية ممنوعة ومقاطعة دولة قطر لدعمها الإخوان المسلمين.

 

وقد بدا واضحاً على تصاريح ولي العهد السعودي السابقة، حذوه منحى "قومي عروبي" في خطابه، إذ غالباً ما يذكر دور "الشباب العربي"، ومستقبل "الدول العربية" و"مشاريع الأنظمة العربية" مقارباً العناوين العربية و"المصير العربي المشترك" مستبعداً مبدأ "المصير الإسلامي العربي"، وهي بشكل عام تقارب في العناوين مع مبادئ وسياسة الرئيس السوري الذي يصنف نفسه دوما على أنه حاكم علماني، مستبعداُ أي رافعة دينية لنمط حكمه ومستعدياً الأحزاب الدينية التي كانت تشكل نواة اجتماعية في سوريا حتى اليوم.

أما في الجهة المقابلة، فما يجمع إيران وتركيا هو رفع لواء الإسلام السياسي كـ "دينامية جامعة" للمسلمين العرب وكمحفّز لهم للانخراط في ضوء مشاريع هذين النظامين على الأرض السورية. لا جدال على أن نظاماً عقائدياً يشكل نواة السلطة التركية والإيرانية -رغم الأرضية العلمانية الموجودة في تركيا. في هذا الإطار لا يمكن مقاربة أوجه شبه بين الأيديولوجيا البعثية في سوريا والنظام التركي والإيراني -المتحالفين مع روسيا – إلا في حدود الاقتصاد والتبادل التجاري، أما فيما عدا ذلك فيمكن الحديث عن أن التوجه "العروبي" الذي تنتهجه الدول الخليجية هي أقرب لما يعرف بـ "سوريا الأسد"، وخاصة بعد تصريح المفوض النعيمي من دمشق بعد افتتاح السفارة الإماراتية، أن أي هجوم على خطوة الإمارات هو هجوم على "الوحدة العربية".

نعم، يمكن القول أن التاريخ الحديث يعيد نفسه، عندما لفظ العرب منذ مئة سنة "الخلافة الإسلامية" العثمانية ثم جاء الملك فيصل ينادي من على منابر دمشق ب"المصير العربي المشترك" و"الوحدة العربية" مستبعداً أي عناوين إسلامية جامعة، فاصلا الوعي العربي عن الدين الإسلامي، تشكلت ردة فعل عكسية على مبدأ "السلطة الدينية" أو "الدولة الدينية"، ساعدت في تأسيس كيانات قومية وجمهوريات مدنية برعاية الغرب الأوروبي (يشبه وضع اليوم).

 

إننا إذاً أمام مفاضلة قديمة تعيد نفسها، وهي إما المشروع الديني الجامع برعاية الأتراك أو الإيرانيين، أو المشروع العروبي القومي المستجد برعاية دول الخليج ومصر. أما سوريا فهي واقعة في منتصف الخيارات، فبين سلطة أقرب إلى التوجّه القومي وبين مجتمع غير متصالح بشكل كلي مع حاكمه وأقرب إلى التوجه الديني، يصعب التنبؤ بمستقبل "سوريا الموحدة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.