شعار قسم مدونات

حسن البنّا.. هل يمكن اعتباره مجدد القرن؟

blogs- حسن البنا

مُني الإسلام بهزائم في عالم الفكر إثر الرواسب الموروثة من عصور الانحطاط والتخلّف، وراجت آنذاك أجواء خانقة من التقليد والجمود والتعصب المذهبي.. وبعد احتلال أوطان المسلمين واحدًا تلو الآخر من قِبل الاستعمار تبعًا لاتفاقيّة سايكس بيكو والتي مزّقت أوصال العالم الإسلامي شرّ ممزق، ومن ثمّ تفكيك دار الإسلام إلى دويلات تتناحر فيما بينها على حدودٍ من صنع المستعمر إثر سقوط الخلافة الإسلاميّة عام 1924، وإحلال القانون الوضعي بديلًا عن الشريعة الإسلاميّة التي احتكم المسلمون لها ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، خضع العقل الإسلامي لموجات تغريب فكري شوّهت فهمه لحقيقة الإسلام، كما خضعت منظومة الفرد الاجتماعية والقيميّة لموجات تغريب أدت إلى تحللٍ وفساد أخلاقي.

وعلى إثر ذلك، كانت الأمّة الإسلاميّة بحاجةٍ ماسة إلى دعوةٍ مُجددة، تعيد بناء ما هدمه الاستعمار وتقاوم مخططاته، وتقف في وجه موجات التغريب والتشويه.. دعوة تنير العقول بالمعرفة، والقلوب بالإيمان الصادق، وتتخلص من رواسب عصور الانحطاط.. دعوةٌ تبعثُ في الإسلام الحياة بعد رُقاد. والحقيقة التي لا خلاف عليها، أنّ مدرسة الإمام الشهيد حسن البنّا، كانت رائدة الإحياء والتجديد الإسلاميّ المعاصر، بل إنّ الحركة التي مثلت هذه المدرسة على أرض الواقع، فضلًا عن كونها تُمثل كبرى الحركات الإسلاميّة، فإنّها تُعدّ أمّ الحركات الإسلاميّة أيضًا، فالحركات الأخرى إمّا جاءت بعدها، وإما فرعٌ وامتداد لها، وإما انشقاق عنها وخروج عليها.

الأسباب التي تضافرت لصياغة عقلية الإمام حسن البنّا:

أبٌ صالح:

فقد كان والده – أحمد عبد الرحمن البنّا- مشغولٌ بعلوم السنّة، وكانت له عدّة مصنفات في الحديث الشريف أهمها "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد"، وقد امتهن والده مهنة إصلاح الساعات في محل الحاج محمد سلطان، الذي كان عالمًا وعضوًا بجمعية "العروة الوثقى" التي كان جمال الدين الأفغانيّ رئيسًا لها، والشيخ محمد عبده نائب رئيسها، ولذلك كان محل إصلاح الساعات حيث يعمل والد الإمام، ملتقى لعددٍ من العلماء والمصلحين الذين عايشهم وتأثر بهم.

بيئةٌ صالحة:

نشأ الإمام في بيئة ريفية صالحة متدينة، بعيدة عن لوثة المدن، وما دخل عليها من مفاهيم وأفكار وتقاليد مستوردة من خارج دار الإسلام.

طريقة صوفيّة:

تُعد مدرسة الأمام حسنّ البنّا رائدة حركات الصحوّة الإسلاميّة، إذّ أنّها كانت حلقة متميزة من حيث الكم والكيف، وامتداد متطور لظاهرة اليقظة الإسلاميّة التي نشأت وتبلورت منذ حركة "الجامعة الإسلاميّة"

انخرط الإمام أثناء التحاقه بمدرسة المعلمين بالطريقة الحصافيّة، وبايع شيخها – عبد الوهاب الحصافي – وكانت هذه الطريقة الصوفيّة – الحصافيّة – من أكثر الطرق بعدًا عن الأوهام والخرفات والبدع، وقد أشعلت هذه الطريقة حسّ الإمام الروحي، وأجاشت عاطفته الإيمانيّة.

جمعيّات دينيّة:

رأس الإمام بعد التحاقه بالمدرسة الإعدادية "جمعية الأخلاق الأدبيّة"، كما التحق عضوًا بجمعية "منع المحرمات السريّة"، وأثناء التحاقه بمدرسة المعلمين بدمنهور، لاحظ نشاط الجماعات التنصيرية التي جاءت في ركاب المستعمر، فأسس مع عددٍ من أقرانه "جمعية الحصافيّة الخيرية" وقد قامت هذه الجمعيّة بمحاربة المنكرات والبعثات التنصيرية.. وقد كان لهذه الجمعيات التي أسسها أو التحق بها، دورٌ في غرس روح الجماعة والعمل الجماعيّ في نفسه.

الوعي الوطني والسيّاسي:

عندما قامت ثورة مصر الكبرى عام 1919، تفتح وعيه الوطني والسياسي، وشارك آنذاك في العديد من المظاهرات.

فترة القاهرة:

كانت النقلة الكبرى في حياته، إذّ أنّها كانت فترة الغليان الفكري والسياسي، وقد عايش الإمام آنذاك سقوط الخلافة الإسلامية، وقد صدمته مظاهر الانحراف الفكري والانحلال الأخلاقي، وقد صدر في تلك الفترة عدد من الكتب التي مثّلت اقتحام التغريب لمقدسات المسلمين، ومنها "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ الأزهري علي عبدالرازق، و "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، وظهرت عدد من الأحزاب العلمانيّة والمقالات الصحفية المجترئة على ثوابت الإسلام.

السلفيّة التجديدية الواعية:

كانت المكتبة السلفية لصاحبها العالم محبّ الدين الخطيب، مكان يُعبر فيه الإمام عن هذه الآلام التي عايشها، كما أنّها كانت منتدى حاور فيه العلماء والطلاب.

حيازة الفقه بأنواعه:

ومن ذلك فقه القرآن الكريم، وفقه السنّة النبويّة حديثًا ومنهجًا عمليًا، وفقه الواقع الإسلامي المعاصر محليًا وإقليميًا وعالميًا.

تأسيس الجماعة:

بعد أنّ تخرّج الإمام من دار العلوم بالقاهرة، عُيّن مُدّرسًا بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية، وهناك أبصر من النوائب ما لم يبصره في القاهرة.. فقد رأى إفرازات الاحتلال الأجنبي من استغلال وتغريب ثقافي واجتماعيّ مُجسّدة أمام سمعه وبصره، وعلى إثر تلك الأجواء الخانقة، قرر تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وتوجه بدعوته إلى كافة شرائح الأُمّة، وكان أول المستجيبين لدعوته المباركة ستة رجال من الحرفيين، أسس بهم الجماعة عام 1928. 

أحدث الإمام البنّا نقلة نوعيّة في حلقة الإحياء الإسلامي المعاصر، إذّ أنّه وضع معالم وأسس جديدة لهذا المشروع الإحيائي، تبعًا لهذه المتطلبات والمتغيرات التي استجدّت على الساحة الإسلاميّة مُثلت بمدرسته المُجددة
أحدث الإمام البنّا نقلة نوعيّة في حلقة الإحياء الإسلامي المعاصر، إذّ أنّه وضع معالم وأسس جديدة لهذا المشروع الإحيائي، تبعًا لهذه المتطلبات والمتغيرات التي استجدّت على الساحة الإسلاميّة مُثلت بمدرسته المُجددة
 
حسن البنّا وتجديد القرن:

تُعد مدرسة الأمام حسنّ البنّا رائدة حركات الصحوّة الإسلاميّة، إذّ أنّها كانت حلقة متميزة من حيث الكم والكيف، وامتداد متطور لظاهرة اليقظة الإسلاميّة التي نشأت وتبلورت منذ حركة "الجامعة الإسلاميّة". لقد أيقظ الأفغاني مشاعر الأمّة لمواجهة الاستعمار، وقاوم الإمام محمد عبده الجمود الفكري، وقام العلّامة رشيد رضا بدور كبير في التأصيل والإصلاح.

وقد طرأت على الأمّة الإسلاميّة تحديات جديدة، فكانت الأمّة بحاجة إلى رجل يُجدد الإسلام، ويُنشئ جيلًا جديدًا يفهمه فهمًا يتصف بالتكامل والشمول، ويؤمن به، ويدعو إليه، ويعمل من أجله، ويجاهد في سبيله. وقد أحدث الإمام البنّا نقلة نوعيّة في حلقة الإحياء الإسلامي المعاصر، إذّ أنّه وضع معالم وأسس جديدة لهذا المشروع الإحيائي، تبعًا لهذه المتطلبات والمتغيرات التي استجدّت على الساحة الإسلاميّة مُثلت بمدرسته المُجددة المُنشأة لهذا الجيل الذي افتقرت إليه الأمّة. ومن هنا، اعتبر العديد من الشيوخ والعلماء الإمام حسنّ البنّا مُجدد القرن، وعدّوا مدرسته هي المدرسة الأولى التي جسّدت هذا التجديد الإحيائي، ومن اولئك الشيخ محمد الغزالي، والعلّامة الدكتور يوسف القرضاوي.

شهادات:

كتب عنه العلّامة الدكتور يوسف القرضاوي فقال: "أعظم الشخصيات التي أثرت في فكري ومشاعري وسلوكي". وفي تقديم كتاب "دستور الوحدة الثقافية"، كتب عنه الشيخ محمد الغزالي فقال: "ملهم هذا الكتاب وصاحب موضوعه الأستاذ الإمام حسن البنا، الذي أصفه ويصفه معي كثيرون بأنّه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة". وكتب عنه الشهيد سيَد قطب فقال: "في بعض الأحيان تتبدد المصادفة العابرة كأنّها قدرٌ مقدور وحكمة مدبّرة في كتاب مسطور.. "حسن البنّا".. إنّها مجرّد مصادفة أن يكون هذا لقبه، ولكن من يقول أنّها مصادفة والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هو البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء؟".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.