شعار قسم مدونات

أين ذهبت الثورة السورية واختفت!

blogs الثورة السورية

بين ليلة وضحاها اختفي وانتهي كل شيء، أكان في غفلة منا! أم أن الأمر لم يعد يعني شيئاً للدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنها رئيسها ترامب منذ أيام قليلة وهي انسحاب القوات العسكرية لبلاده من الأراضي السورية، لتصبح بعد ذلك حق أصيل لروسيا التي أصبح انتصارها هي وقوات الأسد أمر واقع يجب الاعتراف به بمرارة. ملايين السوريين الذين قتلوا وشُردوا وغرقوا في مياه الغرب، الحُر المُدافع عن حقوق الإنسان وكرامته والذي أغلق معظمه أبوابه في وجههم. أين ذهب الثورة السورية؟ ولِمَ كانت هذه هي النهاية بعد كل تلك التضحيات؟ أسئلة يجب على أحدهما أن يُجيبنا عليها.

عدوي الربيع العربي
عندما هبت نسائم الربيع العربي في أواخر عام 2010 والتي بدأت في تونس الخضراء لتهفو نحو ياسمين الشام الذي عاني أكثر من أربع عقود تحت حكم آل الأسد وحزب البعث، يملأها الأمل في التغيير وبنشر طعم الحرية، الذي خرج الشباب والكبار في شوارع سوريا ليصرخوا بمليء حناجرهم طلباً لها.. إلا أن الوضع في سوريا كان أكبر وأعقد من أن ينتهي كما انتهي في تونس أو في مصر، فقد استغل بشار الأسد طائفته ليُحول الأمر كما لو كان حرب للحكم بين الشيعة والسنة وليس مظاهرات تُنادي للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. 

لذلك تحولت الثورة من مظاهرات سِلمية إلي حرب مُسلحة استغلها تجار الدين والسياسة أسوء استغلال، حتى كانت النتيجة التي تَحمّلها الشعب السوري وحده، الذي لم يكن له أي ذنب فيما حدث سوي المطالبة بحقوقه البسيطة مثله مثل أي شعب أخر.

القش التي تعلق بها بشار لإنقاذ نظامه

لقد أسدل ترامب الستار على الفصل الأخير من قصة الثورة فأمّن الكيان الصهيوني واستقراره من استقرار سوريا ونظام الأسد الذي لم يضرب طلقة واحدة لتحرير الجولان منذ حرب ال 73 

بعد أن تحولت المظاهرات إلي حمل السلاح وأحس النظام بِقُرب وقوعه وفشله، اضطر للجوء إلي حليفه الند للولايات المتحدة الأمريكية التي من مصلحتها حماية الكيان الصهيوني ومصالحه في المنطقة، والتي تتعارض مع سوريا ومصالحها ومصالح شعبها. كانت روسيا هي الحل بجانب حزب الله اللبناني وإيران، اللذان لم يستطيعا السيطرة على الوضع كما فعلت روسيا التي بَنَت لها قواعد وسَيّرت طائرات لمحاربة ذلك الغول الذي استغل كل هذا الوضع السيئ ليظهر ويُدمر براءة الثورة وهو داعش، الذي حارب السوريين البسطاء أنفسهم قبل أن يُوجه أي ضربة للنظام .

دور الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا
كان منذ البداية دوراً ضعيفاً وهشاً نظراً لحساسية موقع سوريا الذي يقع بجانب الكيان الصهيوني وبجانب رفض أوباما وجود تدخل عسكري لبلاده. وكذلك وإنزال جنود على ساحة المعركة حتى لا يُكرر غلطة جورج بوش في العراق، والتي ظلت حتى وصول أوباما للحكم الذي كان يُحاول لملمتها، ليأتي من بعده خليفته ترامب الذي كان هدفه الرئيسي المال وليس حقوق الإنسان. لذلك كانت سياسته متقلبة في سوريا، فكما عادى الولايات المتحدة التي لا تُريد من يفرض سيطرته غيرها على الشرق الأوسط، حدثت الكثير من الأحداث والتصريحات المتناقضة بينها وبين روسيا، أملاً في إبراز عضلاتها أمامها – كما كنت قد وضحت في مقال لي سابق هنا في الموقع – على أن حل هذه الأزمة السورية يقع وحده بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لا أحد سواهما يستطيع ذلك.

أين ذهبت الثورة السورية حقاً ولم هذه النهاية بالذات؟
للأسف ذهبت الثورة السورية منذ سنوات وليس الآن، اختفت عندما تحولت من مظاهرات إلي حرب بين من يُسيطر وقد كان مصير ليبيا أكبر دليل على ذلك. اختفت حينما تحول الأمر من "الشعب يريد.." إلى "داعش تريد.. والسنة تريد.. والشيعة تريد والأكراد تريد.." فضاعت براءة تلك الثورة وضاع ذلك الحُلم الجميل الذي انتهى بقتل الأبرياء ولجوئهم لدول قريبة وحتى غريبة.. ضاعت مع الأطفال الذين ماتوا مستنشقين الكيماوي بدلاً من نسائم حرية ياسمين الشام.

لقد أسدل ترامب الستار على الفصل الأخير من قصة الثورة فأمّن الكيان الصهيوني واستقراره من استقرار سوريا ونظام الأسد الذي لم يضرب طلقة واحدة لتحرير الجولان منذ حرب ال 73 .. هو الذي أضاعها في حرب ال 67، فترامب لا يعرف من الذي سيتحكم في سوريا من بعد الأسد، فظالمٌ تعرفه أحسن من جديد لا تعلمه. الأهم من هذا هو أن سوريا الجديدة ليس لديها الأموال التي تدفعها لحلف الناتو أو الولايات المتحدة الأمريكية لتُسددها بعد التخلص منه، لذا كل الحلول أمامه كانت إعلان فوز روسيا والنظام بعد أن طالت القصة وأصبحت مملة ومضيعة لوقتهم الثمين .

لذا سلاماً للشام وأهلها الذين انتصروا برغم كل ما حدث، فهم استطاعوا مواجهة العالم بأكمله وحدهم وهم صامدون. لعل الأيام تحمل لهم نسائم حرية بلا دماء ولا لجوء ولا وجع، فهم يستحقون كل الجمال الذي يُشبههم، وعذراً منا فلستم أول المخذولون في هذا العالم ولستم آخرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.