شعار قسم مدونات

لا أعرف الشتاء الذي تعرفون!

blogs - الشتاء في سوريا

فصل البياض الناصع والجمال الخلاب كأنه الربيع الثاني في العام الموسمي.. لا ينسى أصحاب الأقلام من محبيه أن يتغنوا ببعض جماله الأخاذ، يمتدحونه لعظيم ما أنعم الله عليهم من أسباب الدفء والراحة.. هو موعدُ الكُتَّاب وأصحاب الذوق الرفيع.. بل أصحاب المعاطف الجلدية الثقيلة.. أصحاب فناجين القهوة وأكواب الشوكولا الساخنة..

مالهم لا يكتبون ولا يمتدحون جمالَ الشتاءِ وقد أتاهم حقاً بكلِ جميل! إن أحست جلودهم الرقيقة بلسعات من البرد ترى الأيدي قد امتدت إلى المدافئ تُشعلها لتلقنَ البرد القاسي درساً أقسى، كيف وأنه قد تجرأ وامتد إلى الأيدي والأرجل.. هذا حالُهم لا يبالون إلا بآخر صيحات الموضة في ملابس الشتاء الثقيلة، مما صُنعت هذا الموسم؟ هل من فراء الدببة القطبية أم من ثعالب الشمال المتجمد؟ الكثير منا كذلك.. وقد كان هذا الفصلُ كذلك قبل أن تعصف رياح الشتاء القاسية بمن لا حول لهم ولا قوة.. نراهم يتجمدون ونحن هنا نتقلب من دفء إلى دفء..

لا أدري هل جمَّد الصقيع أجسادنا أم قتل في أرواحنا وقلوبنا ما بقي من فتات واجب الأخوة العربية والإسلامية.. وقبل هذا.. رباط الإنسانية..

كيف نهنأ وهم لا يجدون ما يُواريهم برودة الشتاءِ؟ يحتضن أجسادهم بياض الثلج أينما ولوا وجوههم، لا أرض ولا سماء ترحم.. إن وطئت اقدامهم الأرض من تحتهم تكاد الدماء تتجمد في عروقهم، وإن رفعوا جباههم في مهب الريح أتاهم زمهرير يلفح وجوههم. ما بال الكثير منا يتغنى بالشتاء ولم يرَ حقاً شتاءً؟! يظن الشتاء فنجاناً يُدفئ اليدين قبل أن يُدفئ جوفه، يظن الشتاء أقمشة من الفراءِ الثقيل تحتضن الأعناق، وتُصافح الأيدي والأرجل. بل يظن الشتاء فصلاً من فصول الجنة فيه تُكسى الأرض مُلاءة ناصعة البياض.

يتمنى الواحد منهم لو مد يديه يداعب الثلوج ويصنع منها ما شاء، وربما تقاذف بعضاً منها مع من أحب، ونسي أنها فتكت بأجساد لا تصمد أمام صقيعها.. أرأيتم أحداً يعبث بسكين القاتل؟!  كيف وقد كان المقتول طفلاً أو شيخاً أو امرأة.. لا ذنب له.. قد ألقت دنياه بهشاشته على تلك المسطحات البيضاء. صدقني لم أعد أقوى على المزيد، لا أبغي سماع الأخبار ولا أن أرى هؤلاء يتألمون، أراني أجلس في متكئي الدافئ وحولي كل ما يعين على الحياة في هذا الفصلِ البارد وأكاد أسمع صوت عظامي تشتكي البرد..

كيف بأجساد كاد البرد يُبليها.. فوقهم خيامٌ لو نطقت للعَنَت كل من شارك في أذى ساكنيها.. ولو شاءت لدعت ربها أن يطبق السماء على الأرض فتسحق كل من آذى هؤلاء الأبرياء.. هؤلاء الذين لا تملك سوى أن تلتحف أرواحهم وقلوبهم برحمة الله، فالله هو مُرسل الرياح ومُجريها.. مُنزل الأمطار ومُمسكها.. خالق تلك الأرواح وقابضُها.

يا صغيري.. الشتاء سيعقبه ربيع مزهر والصقيع حتماً ذاهب بعودة الشمس.. تلك الثلوج ستُجري أنهاراً وتنبت أشجاراً، ورياحُ القسوةِ ستتبدل حتماً نسيماً رقراقاً. وأنت يا عزيزي.. انفض عن شعرات رأسك فتات الثلج وقاوم، بل انفض عنك ذرات الأمل الباقي في أمة دُفنت تحت الواح الثلوج. أعلم أن جسدك الصغير لم يعد يحتمل، ولكنك إما أن ترى نعيم الأرض بعد أن يهبك الله قوة تشق بها قسوة الشتاء.. وعندها ستعود كارهاً تمقت العروبة والأمة التي تنتمي إليها.. ولن ألومك.. وإما أن ترى نعيم السماء عند مليك مقتدر.. قد خلق الجنة لأمثالك وزان نعيمها بربيع سرمدي، فلا ترى فيها شمساً ولا زمهريراً..

يا صغيري.. عِدني أن تَذكرني عند ربك، فأنا أبرأ إلى الله من كلِ من أساء لرقةِ جسدك، ولم يُهدِك حتى دعوة بالدفء. إني أخشى علينا من حرِ نار سرمدي، فأنت وأبواك وإخوتك وجميع أهلك بعضٌ منا، ولكننا ضَعُفنا على نصرتكم. لا أعرف من منا أحق بهذه النُصرة!! لا أدري هل جمَّد الصقيع أجسادنا أم قتل في أرواحنا وقلوبنا ما بقي من فتات واجب الأخوة العربية والإسلامية.. وقبل هذا.. رباط الإنسانية.. أسأل الله العظيم أن يغشيكم برحمة منه.. وأن يجعل قسوة الشتاء دفئاً وسلاماً على قلوبكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.