شعار قسم مدونات

العدالة الاجتماعية.. الخطوة الأولى للتغيير

blogs تونس

سنة أخرى شارفت على النهاية ولا أقصد بذلك سنة 2018 بل أتحدث عن السنة السابعة بعد الثورة التونسية. مهما كانت تفسيرات الأفراد والعباقرة في بعض الأحيان فإن كون الثورة انتفاضة شعبية أو فبركة غربية فإن ذلك لن يغير شيء من واقع الأمة التونسية التي تعاني نفسيا خصوصا، فطريقة تفكيرنا وردود أفعالنا تأثرت بشكل بالغ بالضغط الذي نعيشه والأحداث التي تعيشها البلاد. عقل المواطن يوجد داخل زوبعة لا متناهية من التجاذبات، وهذا ما يسفر الإحساس بالغصة والغمة والقلق، هذا يعود بالأساس لحسن نية المواطن وأمله المفرط إبان الثورة التي جعلته يعيش في أحلام وردية ويضع لنفسه أهداف بقيت شعوب أخرى مئات السنين لكي تحققها، ولم تحققها بالحلم والتمني بل بالعمل والتضحية.

 

السنوات الأخيرة لم تكن سهلة والنسق السريع والتصاعدي للأحداث لم يكن المواطن التونسي مستعد له خصوصا مع تردي الأوضاع وهذا ما يفسر اللامبالاة، اليأس والحسرة على ماض جحيم صار يراه المواطن البسيط نعيما مقارنة لما يعانيه اليوم. كل هذه الردود والأفكار هي نتيجة منطقية لتغيير جذري صار في البلاد، مع العلم أن هذه السنوات ما زالت ستتواصل هذا إذا لم تشتد حدتها لكن إن مع العسر يسرا كما قال الله تعالى. كلمات إلهية لها معاني عميقة إذا تمعنا فيها.

المجتمع التونسي ولد من جديد في 14 يناير 2011 ونحن في سنة 2018 أي بعد سبع سنوات لا يمكننا الحديث عن جني ثمار الثورة ولا يمكننا تقييم ديمقراطيتنا كما هو الحال إذا كنا نتعامل مع طفل عمره سبع سنوات، وأوجه الشبه بين تونس وذلك الطفل كبيرة جدا. الطفل في سن السبع سنوات، يعاتب ولا يعنف أو يقصى. الطفل في سبع سنوات يدرس ويثقف حول تاريخ بلاده ويعلم القيم السامية التي ستبني شخصيته وطريقة تفكيره. الطفل في سبع سنوات يراقب ويوجه لكي ينشأ على قوام صحيح ويتعلم احترام الأخر ويقدس العمل كواجب وطني. الطفل في سبع سنوات تصقل مواهبه لأنها سلاح المجتمع فكريا واجتماعيا. هذه الدروس التي يتعلمها الطفل في ذلك السن هي القيم التي يجب أن تلقن للمواطن التونسي ضمن نموذج اجتماعي يضعه على المسار الصحوة والازدهار.

 

كلمة السر في مرحلة الإصلاح هي العدالة الاجتماعية، التي تعتبر أحد أهداف الثورة التي يمكن تحقيقها أو بالأحرى يجب تحقيقها للمضي قدما في مشروع تونس الغد

المواطن التونسي اليوم هو شخص يائس، فاشل عاطفيا ومهنيا، لا يستطيع تجاوز مشاكله بمفرده، يهاب المسؤولية وينتظر من يحل مشاكل البلاد في مكانه. إذا قارنا هذا النموذج بنموذج الطفل ذو السبع سنوات فإنه سيتضح لنا أنه يوجد تباين واضح بين ما يجب وما يوجد. الحل في هذه الحالة هو تغيير النخبة أو بالأحرى بناء نخبة حقيقية في البلاد لأن من في المشهد اليوم ليست لهم علاقة بالنخبة الفكرية، السياسية، الاجتماعية والاقتصادية.

 

كل من يقول أن ذلك لا يجدي وأنه قد فات الأوان فهو مخطئ لأننا مازلنا في بداية الطريقة. جني ثمار الثورة لا يمكن الحديث عنه إلا بعد 30 إلى 50 سنة، هذه حقيقة لأنه لا يمكن الحديث عن نتيجة بدون عمل ولا يمكن العمل بدون إصلاح. حتى وإن كانت بدايتنا متعثرة وإن الأخطاء التي قام بها من في الحكم لها انعكاسات وأثار ستبقى لسنين لكن يجب المرور بمرحلة إصلاحية التي بدورها ستؤسس للدولة المنشودة التي رسمها المواطن لنفسه.

يختلف تفسير مفهوم الإصلاح إذا تحدثنا بدون تحديد، هل أنه إصلاح نسبي أي يشمل قطاعات معينة أم أنها حركة فكرية لتغيير عقلية سائدة تمثل عائقا لتطور المنظومة والمواصلة في طريق النمو. إن مرحلة الإصلاح في تونس هي مرحلة هيكلية للبنية التحتية للبلاد، المقصود بذلك إعادة بناء هرم المجتمع وإصلاح المنظومة الاقتصادية والسياسية.

 

بمعنى أخر حركة تغيير عميقة تقطع تماما مع تونس ما قبل الثورة وهذا يشمل استراتيجياتنا الخارجية، فلسفتنا الاقتصادية صناعيا وفلاحيا إما على الصعيد الاجتماعي بناء منظومة اجتماعية فعالة مبنية على عدالة اجتماعية حقيقة لخلق مواطن مستقل يعتمد على نفسه أساسا ثم الدولة، المقصود هنا تحقيق نجاعة اقتصادية فإن كان المواطن هو محرك الاقتصاد ومن يبادر فإن دور الدولة في التشغيل يصبح ثانويا وتقتصر مهمتها على مراقبة القطاع وضمان فرص متكافئة لكل المواطنين للمشاركة في العملية الاقتصادية، هذه هي الليبرالية الحديثة. إن نظام الحكم مهم جدا لنجاح المنظومة التي يجب أن تتماشى مع خصوصيات المواطن التونسي، الثقافية والاجتماعية.

كلمة السر في مرحلة الإصلاح هي العدالة الاجتماعية، التي تعتبر أحد أهداف الثورة التي يمكن تحقيقها أو بالأحرى يجب تحقيقها للمضي قدما في مشروع تونس الغد. غياب هذه العدالة هو ما يفسر ذلك الإحساس بالوحدة لدى المواطن التونسي لأن شرائح المجتمعية متفاوتة وليست متصلة ببعضها البعض وهذا يعني غياب اللحمة والتضامن بين أفراد المنظومة، هذا شيء خطير جدا لأنه يمكن أن يلقي بالبلاد في خانة العداء الطبقي والفوضى الاجتماعية ويؤدي إلى نزاعات داخلية إذا لم نقل حربا أهلية.

 

تهدف العدالة الاجتماعية لتقريب الشرائح الاجتماعية لبعضها البعض لخلق التعايش السلمي بينها والتفاعل الإيجابي بين جميع الأطراف لخلق ديناميكية تجعل من تلك المنظومة الاجتماعية، منظومة فعالة. تبنى هذه العدالة على أساسان: التكافؤ في الفرص والتمييز الإيجابي. المقصود بالتكافؤ في الفرص، أنه لا يوجد تمييز بين المواطنين مهما كانت خلفيتهم الاجتماعية عندما يتعلق الأمر في المشاركة في العملية الاقتصادية ولهم نفس الدرجة والمكانة عند الانتفاع بالخدمات التي توفرها الدولة، كالصحة والتعليم والقضاء. هذا يكون له انعكاس إيجابي على جميع اللأطراف المتداخلة، من ناحية سيحتك المواطن الميسور مع المواطن البسيط لأن كليهما سيعاملان بنفس الطريقة، ومن ناحية أخرى ستترسخ في فكر المواطن البسيط أنه يعيش في دولة تحترمه كمواطن وتضعه في نفس خانة المواطن الغني وأن له نفس فرص الأخر.

 

 يجب محاربة الفساد، السياسي والفكري والأخلاقي، يكون ذلك بضرب كل مفسد بالقانون والعقاب الشديد. لا تسوية مع الخونة ولا مصالحة مع اللصوص، يجب أن يذوق كل مجرم بحق المنظومة طعم أخطائه وذلك سيكون رادعا لغيره
 يجب محاربة الفساد، السياسي والفكري والأخلاقي، يكون ذلك بضرب كل مفسد بالقانون والعقاب الشديد. لا تسوية مع الخونة ولا مصالحة مع اللصوص، يجب أن يذوق كل مجرم بحق المنظومة طعم أخطائه وذلك سيكون رادعا لغيره
 

أما الشرط الثاني هو التمييز الإيجابي، فبينما الشرط الأول يمكن كل المواطن من التمتع بنفس الخدمات دون إقصاء فإن التمييز الإيجابي سيقرب أكثر المجتمع لبعضه بطريقة فعلية، هنا نتحدث على العدالة والعدالة ليست المساواة كما يظن البعض. على سبيل المثال نأخذ مثال وليا أمر، الاول الغني والثاني متواضع في ظل منظومة تعتمد مفهوم المساواة كممارسة للعدالة فإن كلا الوليان سيدفعان نفس مراسيم الترسيم أبنائهما في المدرسة لكن انعكاس ذلك يختلف على كليهما، فبينما الأول لن تغيير بضع دنانير من وضعيته يمكن للثاني أن يحس بالضيق، هذه هي المساواة. لكن إذا فرضنا على الغني أن يدفع ضعفي السعر بينما الثاني يدفع النصف فإننا هنا ميزنا بين الاثنان وخلقنا عدالة بين الأفراد التي تحترم مقدرة كلا الطرفين.

في مرحلة الإصلاح يجب خلق روابط متينة بين أفراد المجتمع، فإن التمييز الإيجابي سيعلي مقام الطبقة الميسورة لأنها تساهم في تخفيف الضغط عن الطبقة الضعيفة. هذه الحركة النبيلة، والتي يجب أن تروج على أنها كذلك، هي الممارسة الفعلية للتمييز الإيجابي والعدالة الاجتماعية. تلك الأموال الإضافية التي ستدفعها الطبقة الميسورة ستساهم بطريقة غير مباشر في تغطية نفقات الطبقة المعوزة، تدريجيا سيخلق ذلك منظومة اجتماعية متضامنة وقريبة من بعضها.

 

تطبيق هذه الرؤية على أرض واقع يرتكز أولا على محاربة المحسوبية والرشوة، يكون ذلك بإرساء منظومة معلوماتية يصير فيها المواطن ملفا في قاعدة بيانات ليس "سي فلان" كما هو الحال عندما يدخل إدارة أو مصلحة عمومية. أيضا اعتماد قاعدة قانونية، لنظام جباية عادل يمكن تطبيقه على أرض الواقع يضمن التمييز الإيجابي بين الأفراد. أخيرا يجب محاربة الفساد، السياسي والفكري والأخلاقي، يكون ذلك بضرب كل مفسد بالقانون والعقاب الشديد. لا تسوية مع الخونة ولا مصالحة مع اللصوص، يجب أن يذوق كل مجرم بحق المنظومة طعم أخطائه وذلك سيكون رادعا لغيره. هذه الفلسفة ستؤسس لمجتمع منفتح، متصالح مع نفسه ويرى فقط المستقبل ويعلم له كل يوم ليكون أفضل. هنا تصير المصلحة الفردية للمواطن انعكاسا للمصلحة الوطنية لأن كل فرد هو فاعل حقيقي في مسيرة الصحوة وبناء تونس الغد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.