شعار قسم مدونات

أين تكمن إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة بالتّحديد؟

blogs الأمازيغ

في تصوري الإشكالية الحقيقية على حد تعبير الأستاذ محفوظ نحناح تكمن في: "مدى فهمنا للهوية والمرجعية، أهي هوية أعراف، أم هوية ثقافات، أم هي هوية لغة، أم هي هوية جغرافية، …."، فلا بدّ من تحديد موضع الإشكال، والذّي هو حسب رأيه "لا يتعلق بمكونات الهوية الوطنية بالأساس والمتمثلة في الدّين، واللّغة، والانتماء الجغرافي، وإنما يتعلق بمحاولات التّوظيف السياسي والاستغلال الحزبي العرقي لمسألة الهوية الوطنية، أو محاولة احتكارها أو فرض الوصاية عليها من جانب تيار أو حزب معين".

هذا التوظيف السياسي لأصحاب الإيديولوجية الفرانكفونية خلق شرخا داخل النّسيج الاجتماعي الجزائري الذي حافظ على استقراره وتماسكه وتكامله طيلة قرون، عن طريق إيهام فئات قليلة من التيار الأمازيغي بأنّهم ضحايا استعمار عروبي إسلامي، يريد طمس الهوية البربرية بكل معالمها والحلول محلها، والتّمكين لهيمنة العرق العربي على العرق البربري سواء على مستوى السلطة والأرض، أو اللّغة، أو الثقافات والتقاليد، وللأسف ولدّ هذا الاستغلال السياسي انطباعا سيئا لدى شرائح واسعة من المجتمع الجزائري ضد القضية الأمازيغية، بحيث تحولت من قضية مشروعة تلبي رغبة فئات كثيرة في منطقة المغرب العربي الكبير إلى إشكالية تهدد أمن واستقرار المجتمع في حد ذاته.

 

ولذلك لا بدّ من التّفرقة بين التّوجهات التّفكيكية الانفصالية تحت غطاء الهوية البربرية، وبين مشروعية المطلب في ظل "التحولات التي يفرضها الواقع المحلي والإقليمي والدولي وهو ما يبدو في تمسك العديد من النخب الأمازيغية بهويتها اللّغوية، وجعلها أهم مكونات هويتها الخاصة، عندما وجدت أن لغتها مهددة ومُهملة بعد الاستقلال نتيجة عدم اعتراف الدولة بلغتهم الأم، في حين أنهم أثناء الاحتلال الفرنسي كانوا يعتبرون أن الهوية الإسلامية هي الواجب إبرازها لأن المحتل كان يستهدفهم".

هذا يدعونا للتّساؤل هل كل البربر على السّواء في نظرتهم للهوية الثّقافية واللّغوية أم لا؟، وذلك للوقوف عند حجم المشكل من جهة، ومن جهة أخرى عدم وضع الجميع في سلة واحدة تجاه إشكالية الهوية، والمتتبع للرأي العام القبائلي يجده انقسم في نظرته للهوية الثّقافية واللّغوية إلى ثلاثة تيارات هي:

التيار البربري المتعصب:
التيار البربري المعتدل هو تيار بربري معظم أتباعه من القبائل مزدوجي اللّغة والمتعلمين في المدارس الجزائرية، يرى هذا التيار أن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي الأبعاد الأساسية للهوية الوطنية الجزائرية

وهو تيار بربري عنصري النزعة بخصوص إقامة هوية بربرية علمانية لا علاقة لها بالعروبة ولا بالإسلام لا من بعيد ولا من قريب، وبالنسبة لهم العرب غزاة محتلون وليسوا بفاتحين، وفي ذلك يقول الأستاذ شريف عبد الرحمان: (إنّ المستعمر الفرنسي نجح في خلق حالة الرفض القبائلي ضد كل ما هو عربي أو إسلامي ليس لصالح البربرية أو الأمازيغية وإنما لصالح الفرنكوفونية؛… الذي بات يعبر عن تيار اجتماعي وثقافي وسياسي مضاد للتيار الجزائري العام، وذي ولاء يتحدد في كثير من الأحيان بما يجري على الضفة الأخرى من البحر (فرنسا). وهم بذلك يستبعدون قروناً إسلامية صاغت هويتهم وتاريخهم، ويعتز خطابهم بكسيلة والكاهنة وحتى القديس أوغسطين ربما لإثبات علاقة تاريخية بأوروبا المسيحية عبر المتوسط، واستبعد هذا الخطاب وبمرجعية انتقائية أمجاد البربر وعزتهم الإسلامية -حيث أسسوا دولا كالمرابطين والموحدين- من سجله، لتكون أمازيغية كسيلة لا أمازيغية طارق بن زياد.

التيار البربري المعتدل:

وهو تيار بربري معظم أتباعه من القبائل مزدوجي اللّغة والمتعلمين في المدارس الجزائرية، يرى هذا التيار أن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي الأبعاد الأساسية للهوية الوطنية الجزائرية. ومن ثم فإنه من اللائق أن تأخذ الأمازيغية مكانها اللائق بها كلغة وطنية ولكن ليست رسمية.

التيار البربري المعرب:

وهو تيار بربري معظم أنصاره من العرب والقبائل المتعلمين باللغة العربية والأقليات البربرية الأخرى ولا سيما الشاوية الذين يعتزون بجبال الأوراس، ومن بين هؤلاء السّيد علي وعلي الذي كتب قائلا: (أقول لهؤلاء جميعا ولأتباعهم الذين رضعوا لبن الاستدمار الفرنسي وثقافته وأفكاره أنا أمازيغي، افتخر وأعتز بطارق ابن زياد وأمثاله في نشر الرسالة المحمدية في أفريقيا وأوروبا. أنا أمازيغي افتخر وأعتز بالأمازيغيين الذين احتضنوا الإسلام واللغة العربية في جبالنا الشامخة بجرجرة والبابور وبني ورتيلان وخراطة وبجاية وتاموقرة وأكفادو … أنا أمازيغي افتخر بأمازيغية عبد الحميد إبن باديس الصنهاجي الأمازيغي…).

النتائج:

من خلال ما سبق ذكره يمكننا أن نستنتج الآتي:
1- لا توجد إشكالية بالمعنى الحقيقي بين الأمزغة والعوربة، وذلك لعاملين:

أولهما: هو أنّ اكتساب البربر للّغة العربية كان مرتبطا بالأساس باعتناقهم للدين الإسلامي كونها لسان حاله، ولا يمكن فهم أحكامه إلاّ من خلالها، فسعوا لفهمها ودراستها، بل برعوا فيها وتفوقوا على أهلها، يقول في ذلك عثمان سعدي: (واستمر المغاربة يتعاملون مع العربية كلغتهم وساهموا في تطويرها، مثل صاحب كتاب الأجرومية ابن أجرّوم العالم الأمازيغي من المغرب الأقصى المتوفى سنة 672 هـ ؛ ومثل ابن معطي الزواوي المتوفى سنة 628 هـ الأمازيغي من بلاد القبائل، الذي نظم النحو العربي في ألف بيت، سابقا بقرن ابن مالك الذي توفي سنة 730 هـ، ومثل البصيري الشاعر الأمازيغي من القبائل والذي ولد بمدينة دلّس وتوفي سن 695 هـ بالقاهرة، صاحب قصيدة البُردة المشهورة، التي نسج على منوالها العديد من الشعراء ومنهم شوقي).

ينبغي أن لا يتصادم تعميم اللّغة العربية مع ترقية اللّغة الأمازيغية، بشرط أن لا تكون بديلا عنها
ينبغي أن لا يتصادم تعميم اللّغة العربية مع ترقية اللّغة الأمازيغية، بشرط أن لا تكون بديلا عنها
 

ثانيهما: هو الأصول العربية المشتركة للبربر والعرب، حيث أنّ الكل ينتمي إلى هوية واحدة هي الهوية العربية بحسب الامتدادات التاريخية، يقول في ذلك عثمان سعدي: (الأمازيغية هي اللّغة الوحيدة العروبية الباقية حية مستعملة شفويا، ومنها نستطيع التعرف على جذورنا العربية كعرب).

2- أنّه لم تكن هناك إشكالية هوية بين العرب والبربر قط، فمنذ أن امتزج العرب بالبربر كونوا مجتمعا موحدا يحمل خصائص وصفات كل منهما، فتكونت بذلك الشّخصية الجزائرية التي استوعبت الجميع، وعبرت عن هوية الجميع، ولم نلمس احتكارا للسلطة في يد العرب، أو هيمنة على البلاد والعباد، "حيث نجد أن قادة كل الممالك والإمارات التي قامت في بلاد المغرب خلال العصور الوسطى كانوا كلهم من الأمازيغ الروستميين والفاطميين والأدريسيين والزيريين والمرابطين والمرينيين والموحدين والحماديين والحفصيين".

3- أنّ إشكالية الهوية ما هي إلا صناعة سياسة استعمارية خبيثة، القصد منها تفكيك البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري، عن طريق زرع النعرات العرقية والجهوية، وللأسف وجدت من يروج لها من أبناء هذا الوطن.

الحلول:

في تصوري للخروج من هذه الإشكالات العميقة، لابدّ من:
1- الاعتراف أنّ الخصوصية الأمازيغية حقيقة ثابتة تاريخيا وواقيا، على الصعيد اللّغوي والثّقافي، لا يمكن إنكارها أو تهميشها، أو إخراجها من معادلة الهوية بمختلف أبعادها، وهذا للأسف ما تمّ إغفاله أو تجاهله في فترة ما بعد الاستقلال، فنتج إشكالات عميقة أثرت في تشكل الشّخصية الوطنية، بل كادت تعصف بها في وقت ما، وهذا أمر مرفوض.

2- عدم تسيّيس القضية الأمازيغية، واحتكارها لفائدة فئات حزبية، أو جهوية، وتركها للنقاش الحر الموضوعي.

3- ضرورة فتح المجلات أمام اللّغة الأمازيغية في ميدان التّعليم والإعلام والعمل على ترقيتها.

4- ينبغي أن لا يتصادم تعميم اللّغة العربية مع ترقية اللّغة الأمازيغية، بشرط أن لا تكون بديلا عنها.

5- ينبغي ترسيخ قيم المواطنة لدى كل أفراد المجتمع، على حساب الانتماءات الضّيقة، وفي ذلك يقول ابن باديس: (أما الجزائر فهي وطني الخاص الذي تربطني بأهله روابط من الماضي والحاضر والمستقبل بوجه خاص.. فأرى من الواجب أن تكون خدماتي أول ما تتصل بشيء تتصل به مباشرة.. واحسب أن كل ابن وطن يعمل لوطنه لا بد أن يجد نفسه مع وطنه الخاص في مثل هذه المباشرة وهذا الاتصال.. هذا -أيها الإخوة- وقد فهمتموني وعرفتم سمو فكرة العيش للإسلام والجزائر فهل تعيشون مثلي للإسلام والجزائر… ليحيا الإسلام، لتحيا الجزائر).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.