شعار قسم مدونات

سيد قطب وغزوة علماء السلف!

blogs سيد قطب

يقف المرء مذهولا مندهشا زائغ العقل والفؤاد أمام عالم من معالي العلماء وهو يتطاول بطريقة جارحة صادمة على الاستاذ سيد قطب، وينشر هذا الفيديو الذي صور هذه الواقعة وينتشر الكترونيا انتشار النار في الهشيم، والصحيح أن الدارس والمتابع لمنهجيات التفكير الديني في عالمنا العربي لا يقع في نفسه اي استغراب للأمر، فقط كل ما هنالك أن الافواه قد بدت بما تكنّه صدورهم وبما تنتجه عقولهم لا أكثر ولا أقل. 

هناك من يصر على أن يكون ناتج الدين كناتج شجرة الزيتون، خضراء جميلة تسرّ الناظرين وفي نفس الوقت مثمرة لأعظم الثمر، يؤكل ويودم بزيته ويشعل المشاعل التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، بينما هناك من يريد للدين أن يكون كشجرة البلوط شكلها من بعيد جميل ولكن ثمرها لا يستفاد منه، شجرة بلا ثمر، من يقترب منها يصاب من شوكها ولا ينتفع من ثمرها وقد وجدنا ما هو أسوأ: وجدنا من يحولها الى حطب يحرق به الأخضر واليابس. بالفعل هناك من وظف الدين للسياسة القذرة التي يرتع بها، فيُسخّر من خلال هذا الدين كل مقدرات بلده في خدمة السياسات الاستعمارية والإجرامية التي لا تبقي ولا تذر. 

كان لقطب دورا رياديا في زراعة الروح الجهادية الثورية وهي نتيجة عملية متوقعة لمن يحمل رسالة القرآن بعيدا عن الروح الموهونة المستسلمة المهزومة، كان له أن يحلق عاليا في سماء الحرية والتي اعتبرها من أهم رسائل عقيدة التوحيد

إننا أمام مناهج للتفكير الديني والتعامل مع النص المقدس، منهجين رئيسيين وبينهما ما يقترب من هذا او ذاك، فمن حيث طرائق التعامل مع النص الديني هناك التجديدي الذي يعطي العقل والخبرة الانسانية هامشها الواسع وهناك التقليدي الذي يتعامل مع النص بحرفية متناهية ولا يوجد دور للعقل إلا في مجال النقل والتوصيل دون مراعاة لتغير الأحوال والأزمان، وهذا يعطي جمودا وتخلفا عن متطلبات العصر.

أما من ناحية ما ينتج الدين في حياة الناس فهناك التفكير الحركي العملي الذي يريد أن يغير حياة الناس ويعيد صياغتها من جديد ليثمر أحسن الثمر، وفي سياق رد هجمة الغزو الثقافي على العالم العربي والإسلامي بداية القرن الماضي برز مفكرون ينافحون عن دينهم وهويتهم الثقافية من بينهم كان لسيد قطب نصيب كبير، وقد كتب في ظلال القرآن ما ميّزه عن غيره من التفاسير هذا ما أراه بعضا منها برأيي المتواضع:

• عمد سيد قطب إلى اعتماد التفاسير الموثوقة والتي حظيت بقبول واسع لدى الأمة أهمها تفسير ابن كثير. 

• برع في التحليق في ظلال القرآن من خلال لغة أدبية جميلة، لم تكن صعبة ولا متكلفة ولم تكن سطحية بسيطة بل جاء ببلاغة جميلة رقراقة مؤثرة تسبر أعماق النفوس فتصنع روعة باهرة تتحف بها القارئ وتضفي على الأفكار جمال اللغة العربية الأنيقة بسهل ممتنع عالي الافق والجمال. 

• نجح نجاحا باهرا في ضخ روح حركية تجعل من الافكار طرقا عملية واقعية قابلة للتطبيق، بات القارئ يرى سور وآيات القران وكأنها تتنزل هذه الأيام ويرى فيها روحا عملية تعالج أوضاع الناس وتعيد تطويع الواقع للنص الديني لا العكس ليّ أعناق النصوص لهذا الواقع المتردّي. وإني أعتبر هذه الميزة هي أهم ميزات سيد قطب فقد جعلنا نفكر تفكيرا حركيا في حياتنا من خلال رسالة السماء وأهدافها السامية. 

• نظّر قطب إلى شمولية الحل ورفض عملية الترقيع بين المناهج المختلفة، فالإسلام منهج حياة شامل لا يقبل أن يختلط او يذوب أو يتقاسم المناهج الأخرى الوضعية والتي تحمل كل منها فلسفة خاصة بها تختلف عن فلسفة الإسلام للحياة. وبهذا نحافظ على هويتنا الثقافية من الضياع ويكون القرآن هو المكوّن الاساس في هذه الهوية. 

• رفع سيد قطب من مستوى الروح المسلمة التي كانت نهبا وسلبا للروح الشريرة الطاغية والغازية فبدل الارتكاس لحالة الاستلاب الحضاري كنتيجة لأمة مهزومة كان لقطب أن يرفع من هذه الروح لتشعر بالعزة والكرامة وكبرياء الحضارة المعتدة بنفسها وهويتها الحضارية.

• كان لقطب دورا رياديا في زراعة الروح الجهادية الثورية وهي نتيجة عملية متوقعة لمن يحمل رسالة القرآن بعيدا عن الروح الموهونة المستسلمة المهزومة، كان له أن يحلق عاليا في سماء الحرية والتي اعتبرها من أهم رسائل عقيدة التوحيد والولاء لله، رغم أنه وازن بين رسالة الحرب والقتال وبين رسالة السلم والسلام بكل دقة ووسطية واقتدار، فبعد أن ينهي تفسير سورة القتال "محمد" مثلا يحلق في افاق العمل السياسي ورسالة السلام التي يريدها الاسلام في سورة الفتح مباشرة، فإلى هؤلاء السطحيين الذين ينتقون من كلام الظلال دون ان ينقلوا الصورة الكاملة فإنهم يجنحون بأفكارهم إلى حيث يريدون لا إلى حيث أراد قطب. إننا أمام طريقتين ضلتا الطريق الذي خطّه سيد.

• هؤلاء الذين ينتشرون على الفضائيات هذه الايام ويتقولون على سيّد ويحملون أفكاره الى حيث يشطحون متهمين اياه بالإرهاب وأنه منبع الدعوات الإرهابية، هم أولا يجيدون عملية الانتقاء بعيدا عن الفهم الشمولي المتوازن لقطب، ذهبوا الى ما فُهم عن سيّد من بعض من أخذوا جزءا يتوافق مع غاياتهم وتركوا الفهم الكلي وراحوا يكيلون له الاتهامات ويهاجمونه بأقذع الالفاظ بعيدا عن الروح العلمية المتجردة.

• وهناك من غالى في هجوم سيد على المجتمع الجاهلي وارتكز على ذلك في التوغل في عملية التكفير فانبثق فكرا تكفيريا مدمّرا يدعي الانتساب الى هذه الافكار وهو منها براء.

سيد قطب دفع روحه ثمنا لهذه الروح الجهادية الخالدة التي يمتاز بها ديننا، لم يكن ممن يبررون شرعية الطواغيت بل جاء ليحارب الظلم ويرفع الاستبداد، جاء بأفكار تقض مضاجع الظلمة الذين يسحقون شعوبهم

وكانت نتيجة هاتين الطريقتين ظلم سيد قطب، والسبب أنهم لم يتجردوا في البحث ولم يكن بحثهم شموليا بل انتقائيا، كذلك فإن علينا الاخذ بعين الاعتبار بأن سيد لو ما زال حيا لجدد ووضح كثيرا من أفكاره لأنه لم يدّعِ لأفكاره انها صالحة لكل زمان ومكان ولم يدّعِ انه معصوم وما قدم للناس غير قابل للنقاش فهو مجتهد يصيب ويخطئ وله من الاجر نصيب حالة الصواب أو الخطأ ولكن المشكلة تكمن في المقلّدين بغير بصيرة أو الناقمين الجارحين لأن بصيرتهم كانت انتقائية ولم تراع البحث الموضوعي الشمولي لفكر الاستاذ سيد قطب. 

والمرفوض قطعيا هذه الارتجالية العمياء التي تشن هجوما كاسحا وبطريقة لا تراعي فيها أدب الاختلاف ولا تراعي أن هناك جيلا واسعا كمّا ونوعا قد تتلمذ على الظلال، ونحن نعلم تماما منهجية التفكير لهؤلاء المشايخ الذين يدّعون سيرة السلف وينتسبون إلى فرقة سلفية الثابت الأكبر في منهجها هو رفض كل ما جاء من غيرهم، فهم الصواب المطلق وغيرهم من أصحاب الفهم الاسلامي الخطأ المطلق، فكل من خرج عن تفكيرهم خارجي مرفوض، وليتهم جاءوا بتجديد وقادوا فكرا يواجه متطلبات الواقع الإسلامي المعاصر بل تجمدوا في قوالب معرفية قديمة بعيدة عن واقعنا اليوم ، كل همهم أن يبرروا سياسات الهزيمة والتبعية لحكامهم وطواغيت هذه الامة، منظومة من الافكار التي تجعل نتاج هذا الدين كشجرة البلوط بينما ديننا زيتونة تعطي أحسن الثمر.. شغلهم الشاغل محاربة مجموعة من البدع كساتر ديني ثم الدعاء لحكام يسلبون البلاد والعباد كل شيء: حريتهم وكرامتهم وثرواتهم وكل مقدراتهم وسياسة بلادهم واقتصادها وقبل كل شيء دينهم الحق الذي أصبح رهينة بأيدي هؤلاء. فغزوتهم الكبرى اليوم وارضاءً لحكامهم هي أن يعلنوا الحرب على الاستاذ المجدّد سيد قطب رحمه الله. 

سيد يا سادة دفع روحه ثمنا لهذه الروح الجهادية الخالدة التي يمتاز بها ديننا، لم يكن ممن يبررون شرعية الطواغيت بل جاء ليحارب الظلم ويرفع الاستبداد، جاء بأفكار تقض مضاجع الظلمة الذين يسحقون شعوبهم، وهكذا هو ديننا فلو هادن الظلمة كما تفعلون أنتم لما كانت بدر ولا أحد ولما فتحت مكة ولما قام للإسلام دولة ولا شوكة، لبقي تراتيل تردد في جنبات معابد لا أثر لها ولا حياة. تماما كما تفعلون اليوم للطواغيت السياسة والاقتصاد وكل مقدرات البلد ومصائر شعوبها وأنتم لكم أن تحاربوا البدع: التمسح بقبور الصالحين والمسبحة والتسليم بعد الصلاة وبإمكانكم أيضا فتح الحروب على سيّد رحمه الله وعلى كل من قال: حيّ على الجهاد. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.