شعار قسم مدونات

حازم أبو إسماعيل.. أخافَ العسكر فكان مصيره السجن

مدونات - حازم صلاح أبو إسماعيل

تمر ذكرى ٢٥ يناير فتتابع الذكريات والأحداث والدروس، ودفعتني الذكرى أن استرجعت بذاكرتي شريط الأحداث.. الثورات هي حالة غضب شعبي وكل ثورة لا بد لها من قائد. منذ مائتي عام في مصر كانت ثورة القاهرة ضد المحتل الفرنسي لها قائد هو عُمر مكرم وحديثاً في إيران كان الخومينى وفى جنوب أفريقيا كان مانديلا. 

لكن منذ ثورة 25 يناير تم بالعمد تغييب أي رمزٍ للقيادة، تم ذلك من ميدان التحرير واستمر، فعملت جماعة الإخوان أن تكون هي رمز نفسها تقود لمصلحتها وتجمع حولها مجموعات من الإسلاميين، تَطلّع بعضهم أن ينالوا من حب الجماعة القائد، محبةً وقطعةً في المشهد بسبب ضعفٍ نفسيٍ داخلهم وتفككٍ تنظيمي، رغم وجود كوادر جيدة لديهم ورائعة. أضعفت جماعة الإخوان بروز أي قيادة مثل البلتاجي وغيره كرمزٍ وفرضت عليه الدخول في جلباب رمزية الجماعة وهو ما سبب تباينًا في بعض مواقفه، والعجيب أن الجماعة لا يوجد فيها رموزٌ زعامة مُطلقًا واكتفت برمزية الجماعة.

وانفرد التيار الليبرالي واليساري والناصري بمحاولة ترميز كثيرٍ من أفراده حتى كثُر أفراده المرمزين بدون وجود قاعدةٍ شعبية واقعية للزعامة حتى أصبح وجودهم تلفزيوني. الشيء الذي أعطى جماعة الإخوان غُرورًا في قوة قاعدتها، والاكتفاء برمز الجماعة. على جانب آخر فَلَتَ حازم أبو إسماعيل من قبضة تنظيم الإخوان تمامًا وغرد بعيدًا وتجمّع حوله جمعٌ كبيرٌ من الإسلاميين، فاق تصورات أي مراقب في مؤتمراته أو في عدد المؤيدين له في الترشح للرئاسة. والأهم خطابه الواضح جدا ضد الاعيب العسكر ومؤامرتهم على الثورة، مما أحدث رُعبًا عند المجلس العسكري الذي كان يُراقبه ويُخطط له ويَعمل في خبثٍ، لأنه خشي من ترميز قائدٍ حوله جموع ثائرة.

حازمٌ بشر يُخطئ ويُصيب وله اجتهاداته ولكنه قَدم الأمثل في الوقت المناسب، غفر الله له وفرّج كربه وكل الأسرى وانتقم الله من الظلمة.

لذلك نظم العسكر المشهد للحفاظ على قوتهم، وعمِلوا على تفتيت الليبراليين واليساريين بِصُنع زعاماتٍ كرتونية كثيرةٍ تضعف بعضها. وقاموا باحتواء أغلبهم بزيادة تخويفهم من هيمنة الإسلاميين ونفخ العسكر في الإخوان في قوة الجماعة لاحتوائهم. وأيضا نفخوا في قوة السلفيين بمُختلف تبيانتهم الفكرية ودفعوهم للظهور بالعمل المؤسسي الحِزبي وعملوا على نشر الوقيعة بين الجميع بتسريب معلوماتٍ للكل ضد الكل فيها صحيحٌ مغموس في باطل. فتوجس الجميع خيفةً من بعض، وانفرد العسكر في الخفاء بقيادة ما يُسمى التيار المدني المعارض للإخوان والإسلاميين.

وكانت أقوى خطة للعسكر هي تجنيدهم حزب النور فوسوسوا لهم وزينوا لهم فأكلوا من تفاحة الخيانة فأخرجوهم من حالة التيار الإسلامي إلى حالةٍ دينية منكوسة لاصقة بالعسكر. كما استطاع العسكر اللعب ببعض الشيوخ وبعض الجماعات الإسلامية فحيدوهم بجانبهم.. وظهر ذلك واضحاً عندما ضرب العسكر حازمون ضربةً موجعةً في العباسية، وانحاز البعض للعسكر وظهر انكشاف غفلة وغباء بعض من الإسلاميين، عندما ضرب العسكر ضربتهم الثانية لحازم في جنسية والدته التي كانت بتواطؤ من بعض الإسلاميين وبخبث مخابراتي محلي ودولي. رغم الضربات لكن حازم لم ينتهي كرمزٍ بل بقي شخصيةً قويةً متماسكةً رغم ما حدث.

كان لافتًا أنه لم تمتد إليه يد الجماعات الإسلامية والشيوخ لتُعيد جَبر ما انكسر وتُقوّيه لصالح المشروع الإسلامي الكبير، رغم أن حازم لم يخاصم أو يُعادي أيًأ منهم شيخًا ولا جماعة بذكاء يُحسد عليه، ولكنهم على اعتمادٍ نفسيٍ وأهم عند بعضهم – اعتقد – أن رئاسة الإخوان للدولة أهم، وهم سينالون من ذلك خيرًا لأنفسهم كمكانةٍ وأيضًا للمشروع الإسلامي على وهم نفسيٍ وتخيلاتٍ ليس لها أساس من واقع. وكان أكثر تَخوّف الإخوان ومن حالفهم من الشيوخ والإخوان هو مشروع القوة عند حازم وأنصاره وكانوا يرون أن القوة مُفسدة وهي من تمرير العسكر في العقول ومن فساد بعض الأفكار.

دارت الأيام وضرب العسكر الإخوان وحُلفاءهم ضربةً قاصمة ومرت سنواتٍ والكل مازال يبحث عن القوة والقيادة. بل ندم كثيرٌ من الإخوان وشيوخ وجماعات على ما حدث مع حازم، وإن لم يعلنوا ما فعلوا صراحةً ضد حازم. حازمٌ بشر يُخطئ ويُصيب وله اجتهاداته ولكنه قَدم الأمثل في الوقت المناسب، غفر الله له وفرّج كربه وكل الأسرى وانتقم الله من الظلمة. ولكن هل يمكن أن نستفيد من الدرس ويتم اختيار شخصًا، أو قيادةً مُوحدةً للثورة؟

من المحزن، حتى هذا أصبح غير مطروح الآن بل غير ممكن مُطلقاً فالقوة الكبيرة عدداً مثل الإخوان الحرس القديم منهم حتى الآن يعمل بأجندته الخاصة وكل همه المحافظة على التنظيم ومنع أي قيادة غيره. أما الإخوان الجدد المكتب العام مضغوطون واللاعبون الآخرون في المشهد المعارض كلٌ له أجندته الخاصة وقد تبدل الحال للخطاب الإعلامي لجميع المعارضة من الثورة إلى خطاب سياسي مُعارض إصلاحي يبحث عن متنفس مع الدولة. لكن السيسي لا يسمح لهم بمرور أي هواء سياسي فيظلوا يتمرغون وعندما تأتى ٢٥ يناير يقوموا بإحياء ذكرى الثورة باحتفال بسيط تمصص فيه الشفاه وتسترجع فيه الذكريات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.