شعار قسم مدونات

الرجل الموحّد ليس جبانا أو داجنا يا د. عائشة الشهري!

مدونات - التعدد

في النص المتداول المنسوب إلى د.عائشة الشهري عن التعدد ترى الكاتبة أن أغلب الأنبياء والخلفاء والعلماء والملوك والأمراء كانوا معددين. وتذهب د.عائشة إلى نتيجة مفادها أن ((… سبب "جُبْن" الرجال من الزواج والتعدد..قمت بمقارنة سلوك "الرجال" المعددين قديماً وحديثاً و بين الرجال الموحدين؛ فوجدت أن السبب الرئيسي ليس مادياً ولا صحياً بل هو يعود  لكثرة مخالطة الرجل لزوجته في البيت والجلوس معها اوقات طويلة ومغالبة الأولاد والعيال حتى أصبح كثير من الرجال داجناً في بيته مع امرأته مسيطرة عليه فذهبت هيبته وقوته وسُلبت إرادته وفحولته مع كثرة جلوسه معها مما جعله رجلاً مروضاً تحت زوجته لاأمر ولانهي إلا ماتراه زوجته..تعرف كل شؤونه وأسراره وأمواله)) انتهى الاقتباس، ويمكن لمن أراد الرجوع للنص الكامل البحث وقراءته فهو منتشر على كثير من صفحات الويب ومواقع التواصل.

 

وواضح أن هذا الكلام غرابته مصدرها صدوره عن امرأة في زمننا، بل قد لا تجد رجلا يجرؤ على كتابة وتقديم هذا الطرح الجريء، ولكن السبب الذي قدمته د.عائشة لعزوف الرجال عن التعدد قد لا يكون دقيقا، وهنا أستدعي رد (محمد الهديان) عليها حيث قال:" الخوف أو الجبن كما وصفته الدكتورة لدى الرجال ليس هو السبب الرئيسي لترك التعدد، حيث أن الرجل بطبيعته السايكولوجية، الروحية، العاطفية يغلب عليه الغلظة والشدة والقسوة، فعندما نراجع مواقفه العاطفية حتى على مر التاريخ والعصور نجد بأن هناك رجالاً قاموا باتخاذ قرارات تخص أهل بيوتهم ونسائهم تحديداً دون خوف منهن أو وجل، من طلاق على سبيل المثال، أو تأديب، أو هجرٍ في المعاشرة.

 

غير المعدّد ليس جبانا ولا رعديدا ولا داجنا، ولا مكوثه المزعوم-حسب د.عائشة- في البيت قد جعله يجبن عن التعدد، ولكن ثمة عوامل أخرى متداخلة. منها متطلبات الحياة التي تثقل كاهل الرجل

وقد تطرقت أختنا الفاضلة لمسألة كثرة مخالطة الرجل لزوجته ومعرفتها لكل خباياه وأسراره، وجعلت هذا سبباً لكسر هيبته في منزله، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فلو كان هناك امرأة تتكسر حواجز هيبة زوجها أمامها لكثرة مخالطته لها لكانت زوجة عمر بن الخطاب أولى بذلك حينما كان يساعدها في الأعمال المنزلية اليومية أو الأسبوعية رضي الله عنهم جميعا وعنا معهم، ولو كانت المرأة تسيطر على الرجل لما استطاع كثير من شبابنا السفر أو مرافقة أقرنائهم في الرحلات البرية، أو لما استطاع الشاب أن يمارس حريته اليومية على أكمل وجه ويزيد، فهذه الجوانب التي تطرقت لها هي تعتبر حصرا لمشكلة ضخمة ومشكلة عميقة في جوانب سطحية ليس لها علاقة مباشرة باتخاذ قرار التعدد من عدمه".

 

ويلخص الهديان رده بأن التربية المعاصرة للفتاة التي هي زوجة المستقبل لرجل ما، في بيت أهلها لا تقوم على توقير واحترام الرجل وحفظ مكانته، وهذا يختلف التربية القديمة المحفزة على التعدد، ولأن الزوجة لا تفكر بمستقبل أولادها حين تطلب الطلاق إذا أقدم زوجها على التعدد. وأنا أتفق مع الهديان هنا؛ فغير المعدّد ليس جبانا ولا رعديدا ولا داجنا، ولا مكوثه المزعوم-حسب د.عائشة- في البيت قد جعله يجبن عن التعدد، ولكن ثمة عوامل أخرى متداخلة. منها متطلبات الحياة التي تثقل كاهل الرجل، خاصة إذا رزقه الله بذرية، تكلفة معيشتها باهظة تتزايد باطراد، مع تراجع الدخل الفردي، والتضخم والبطالة.

 

وهذا ربما جعل الرجال يسعون وراء المرأة العاملة التي لها دخل، على حساب أمور أخرى كالجمال والسن والعائلة وغير ذلك، بينما كان رجال الأزمنة السابقة ينفق الواحد منهم على زوجتين وثلاثة وأربعة مع الأولاد والبنات وحده، ولا شأن للزوجات بتحصيل دخل للأسرة. بل –كما تشير د.عائشة-كان لرجال القرون الماضية إماء مما ملكت أيمانهم…فهل سألت د.عائشة المحترمة نفسها وهي تتحدث عن عظماء سالفين جعلوا التعدد لهم سمة، عن تكلفة العيش، في زمن كان كل شيء تقريبا مجانا، وكان هناك نوع من الاكتفاء الذاتي، إلى زمن كل تفصيلات حياة المرء يلزمها دفع النقود، أو تحمل الديون والقروض؟

 

فالرجل الموحّد (أي المقترن بزوجة واحدة) في زمننا ليس جبانا ولا داجنا، بقدر ما لديه من حسابات وكوابح تجعله يستبعد فكرة التعدد من حياته، حتى ولو كان يبتغيه كما في مقالة د.عائشة. ولكن هل هذه الثقافة ونمط التفكير الرافض للتعدد إجمالا، أو المتحفظ تجاهه، والنابذ لمن يمارسه، واعتباره التعدد من المباحات (المكروهة) في مجتمعاتنا، هو أمر دائم سيستمر جيلا آخر مثلا، أو حتى أجيال قادمة، أم حالة مؤقتة قابلة للتغير؟

 

بالتأكيد لا؛ فكما أشرت إلى تغيرات في الدراما فإن ثمة تغيرات اجتماعية وفكرية، قد تجعل التعدد مطلبا، وأصلا لا فرعا، منها ما هو طارئ كما سأوضح في السطور التالية، ومنها ما هو متعلق بتطور العقل الجمعي، والخروج من تجربة شيطنت التعدد في المنابر الثقافية والإعلامية، إلى تجربة أخرى. لذا فإن منظمات (التنسون) ومن يقف خلفها سرّا أو علنا، تسعى بكل قوة إلى سن قوانين وصياغة مدونات أسرية تجرّم التعدد أو تحظره، وجعل هذه القوانين غير قابلة للتعديل أو الإلغاء، وأنا أزعم أن نشاط المنظمات المذكورة المحموم يأتي في ظل شعور بتغير نظرة الرجال والنساء إلى التعدد وتقبله واعتباره حلا لا مشكلة.

 

الظروف غير العادية تفرض معادلاتها وأدواتها رغما أنف كل القوانين والأنظمة، وما كان غير مألوف يتحول إلى شيء عادي، وبالعكس!
الظروف غير العادية تفرض معادلاتها وأدواتها رغما أنف كل القوانين والأنظمة، وما كان غير مألوف يتحول إلى شيء عادي، وبالعكس!
 
حالات خاصة واستثنائية

تحدثنا ونتحدث عن عينات دول مستقرة نسبيا، وهناك مناطق لها أوضاع استثنائية، قد يكون موضوع التعدد فيها له ملابسات خاصة وطارئة، ولها بُعد يتجاوز الجانب الاجتماعي المجرد. فمثلا تعدد الزوجات في الداخل الفلسطيني، أي عند المسلمين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في داخل ما يسمى الخط الأخضر(مناطق 48) وهم بحكم الواقع يخضعون للقوانين الإسرائيلية، ومؤخرا صدرت قرارات قضائية إسرائيلية بمحاربة ظاهرة التعدد عندهم، لأنه وبحسب تقرير نشر في موقع الجزيرة نت في تشرين أول/أكتوبر 2017 فإن نسبة التعدد في منطقة النقب، جنوب فلسطين الانتدابية في أوساط البدو الفلسطينيين هناك تبلغ 36% والنقب مستهدف ضمن مشاريع التهويد، كما أن ازدياد عدد الفلسطينيين يؤرق السلطات الإسرائيلية الساعية إلى دولة يهودية، وبالتالي فإن النظرة إلى التعدد هناك لها بعد وطني خاص، لأنه يدخل في إطار الصراع الديموغرافي. كذلك تشير تقارير صحفية إلى ازدياد ظاهرة التعدد في سورية بنسبة ملحوظة، بل تشير تقارير إلى تغاضي المحاكم الشرعية عن قيود كانت تضعها أمام التعدد، لأن البلد تشهد نزاعا عنيفا، نجم عنه قتلى ومهجرين ونازحين، وحالة غير طبيعية.

 

أما العراق فمنذ ما يقرب العقود الأربعة يعيش حروبا وحصارا واحتلالا ونزاعات مسلحة داخلية وتفجيرات مرعبة، وهذا يعني زيادة نسبة الأرامل والمطلقات والعوانس، وبالتالي فإن قيام عضو البرلمان (جميلة العبيدي) بطرح قانون يشجع ويعطي مكافآت مالية لمن يتزوج ثانية ومضاعفة المكافأة لمن يتزوج من المطلقات والأرامل، هو اقتراح طبيعي، حتى لو قوبل برفض زميلات لها، أو بسخرية بعض الناس على مواقع التواصل، حيث أنها بينت العلة بوجود 4 ملايين امرأة من غير أزواج في العراق (أرامل ومطلقات وعوانس). فالحالات المذكورة خاصة واستثنائية، لأن الظروف غير العادية تفرض معادلاتها وأدواتها رغما أنف كل القوانين والأنظمة، وما كان غير مألوف يتحول إلى شيء عادي، وبالعكس! وبهذا أختم سلسلة مقالاتي حول ما قلت بأنه ملف مفتوح أي تعدد الزوجات؛ فلربما أرجع إليه لاحقا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.