شعار قسم مدونات

الإرهاب الرأسمالي.. هكذا تقتلنا الحياة الحديثة دون دماء!

blogs الرأسمالية

أثناء تجوالنا في فنزويلا قبل عدة أعوام، قررت أنا وصديقي استغلال فرصة إمكانية الحصول لأول مرة على رعاية صحية مجانية في عيادات الصحة التي أسسها الرئيس الراحل هوجو تشافيز، عدو النظام الرأسمالي الدولي المنبوذ.  لم أخض يومًا غمار خطر الحصول على رعاية صحية مجانية في وطني الأم، حصن الرأسمالية المجيد المسمى بالولايات المتحدة الأميركية، التي كانت منشغلة بشن الحروب وتسهيل عملية مراكمة الأرباح الفاحشة للشركات أكثر من اهتمامها بتوفير الحقوق الأساسية للإنسان. وفي إحدى العيادات الفنزويلية أشارت طبيبة كوبية بلطف قائلة إن الأطباء الكوبيين مثلهم مثل الجيش الأميركي يعملون في مناطق النزاع العالمية، لكن لينقذوا الأرواح بدلًا من قتلها.

 

يشير تصريح صدر للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والفقر المدقع في ديسمبر/كانون الأول 2007، إلى أن الولايات المتحدة وبرغم إنفاقها "على الدفاع أموالًا أكثر من الصين والمملكة العربية السعودية وروسيا والمملكة المتحدة والهند وفرنسا واليابان مجتمعة"، فإن معدل وفيات الأطفال الرضع فيها عام 2013 "هو الأعلى بين دول العالم المتقدم". يقدم مقرر الأمم المتحدة سيلًا من التفاصيل الأخرى عن زيارته للولايات المتحدة والتي تمكن خلالها من مشاهدة "عزم البلاد أن تصير أكثر مجتمعات العالم افتقارًا للمساواة" حيث يعيش 40 مليون من مواطنيها تحت خط الفقر، وقدم أيضًا تقييمًا "لمعدلات الوفاة المتصاعدة وكذلك معدلات تدمير الأسر والمجتمعات المحلية الناجمة عن الأدوية الطبية الموصوفة وإدمان المخدرات الأخرى".  يبدو أن الرأسمالية نهج قاتل بالفعل.

 

مجتمع يدمن الأدوية

بالتأكيد، لا يجب أن تفاجئنا المعدلات المرتفعة لتعاطي الأدوية وإساءة تعاطيها في مجتمع تتجاوز فيه أهمية المال والأرباح حياة الإنسان، إلى درجة أن الناس حرفيًا لا يستطيعون تحمل تكلفة الحياة. لكن بعضهم يختار طرقًا بديلة للهروب من وحشية الواقع، أوردت دراسة في عام 2018 أجرتها مراكز الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها في الولايات المتحدة معدلات شديدة الارتفاع لحالات الانتحار في جميع أرجاء البلاد.

 تفيد تقارير صدرت مؤخرًا إلى أن الوحدة في الحقيقة قاتلة وتهدد الحياة، وتشير أيضًا إلى أن قيام النيوليبرالية بتفكيك العلاقات بين الأفراد وزيادة عزلة الفرد قد تجعل النجاة شاقة وغير ممكنة. اجتمعت العزلة مع تسليع كل جوانب الوجود وكذلك تكريس المادية الاستهلاكية لتشكل أسلوب حياة، ناهيك عن الإلهاء التكنولوجي السائد وتحويل السكان إلى آلات ملتصقة بهواتفها المحمولة. أضف إلى ذلك المزيج السام صناعة دوائية قوية تمثل لها أمة من المكتئبين والمنكوبين منجم ذهب، وسترى المستقبل قاتمًا أكثر من ذي قبل. 

  

يتردد صدى هجوم ترامب على البيئة عند أقرانه من اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم، مثل الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو الذي تعهد بوضع نهاية لغابات الأمازون المطيرة كما نعرفها
يتردد صدى هجوم ترامب على البيئة عند أقرانه من اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم، مثل الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو الذي تعهد بوضع نهاية لغابات الأمازون المطيرة كما نعرفها
 
نقطة اللاعودة

بالطبع ليست الأجساد والمجتمعات المحلية وحدها ضحية الدمار الذي تحدثه النسخة الأميركية من الرأسمالية في الداخل والخارج، بل والكوكب نفسه. أوصلنا الاستهلاك المفرط والتلوث الجامح المتفلت من عقاله واستغلال الموارد، إلى نقطة اللاعودة، كما حذرنا علماء المناخ. في عام 1989 وصف عالم الاقتصاد الأميركي بول سويزي رؤية الرأسمالية للبيئة الطبيعية بأنها "ليست شيئًا يحمى ويحاط بالرعاية ويستمتع به، بل وسيلة لتحقيق الغاية المقدسة المتمثلة في جمع الأرباح ومراكمة المزيد من رأس المال".

الملخص الذي قدمه للعناصر الأساسية للأزمة البيئية التي اشتعل فتيلها قبل ثلاثة عقود، وهي تأثير الدفيئة أو الاحتباس الحراري الذي تسبب به الإحراق الهائل للوقود الحفري وظهور الآثار الخبيثة للأساليب الزراعية الضارة والتلويث الهائل للمحيطات التي عدت يومًا بمثابة مكب لا نهائي لكل أنواع النفايات، يدفعنا للتساؤل عن إن كنا قد تجاوزنا نقطة اللاعودة منذ زمن بعيد. ففي النهاية، بما أن المحيطات والموارد الأرضية الأخرى قد تحولت فعليًا إلى لدائن بلاستيكية، سيكون من الصعب إرجاعها إلى حالتها الأصلية، خصوصًا وأن أرباب الرأسمالية العالمية قد اعتنقوا بإخلاص منطق التدمير الذاتي الذي يقوم عليه هذا النظام، ولا يبدو أنهم يمانعون ترك أحفادهم يتعاملون مع كارثة نهاية العالم الوشيكة.

 

اقتل أو ستقتل

لا شيء يؤكد صحة هذا الأمر أكثر من الزعيم الحالي لما يسمى بـ "العالم الحر"، وهو رجل أدان سابقًا التغير المناخي باعتباره خديعة صينية. في ديسمبر/كانون الأول الماضي كتبت أشلي داوسون مؤلفة كتاب المدن المتطرفة، أخطار ووعود الحياة الحضرية في عصر التغير المناخي، في منشور على موقع Verso Books مراجعة لبعض إسهامات دونالد ترامب في دمار الأرض عبر السياسات "الرأسمالية المتطرفة" مثل "جهوده لتجريم التظاهرات البيئية". ورغم أن انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017 كان أكثر ما أثار الجلبة إلى أن داوسون تشير إلى أننا نعيش في "عصر الإرهاب البيئي الذي دشنته السياسات الاستخراجية الهدامة التي تبناها خلال السنة الثانية من حكمه، من قبيل خفض معايير اقتصاد وقود المركبات، وتفكيك القوانين التي تحد من انبعاثات الميثان، والتخلص من قوانين السلامة التي تحكم عمليات التنقيب في البحار"، من بين إجراءات أخرى.

 

ويتردد صدى هجوم ترامب على البيئة عند أقرانه من اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم، مثل الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو الذي تعهد بوضع نهاية لغابات الأمازون المطيرة كما نعرفها. وتؤكد داوسون أن أكثر ما سهل "الانفتاح الايديولوجي" لمثل هؤلاء القادة على الصعيد الدولي هو "تشبث الحكومات الوسطية واليسارية برأسمالية الوقود الأحفوري خلال العقدين الماضيين".

ويجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد أن الدعم الحماسي الذي أبداه كلا الحزبين في الولايات المتحدة للحرب وهي عمود من أعمدة المشروع الإمبريالي، لم يترجم سوى لموت هائل في صفوف الواقفين في الجهة الأخرى التي تتلقى انفجارات الصواريخ وهجمات الطائرات المسيرة، ونجم عنها كذلك تسميم هائل للبيئة. وكما اشارت صحيفة Newsweek في 2014، فإن وزارة الدفاع الأميركية هي واحدة من أكبر الجهات الملوثة للبيئة في الكوكب بأجمعه. والآن ونحن نرى الرأسمالية تستحر فينا القتل، لم يعد أمامنا سوى حل حقيقي واحد وإن بدا متعذرًا، وهو أن نقتل الرأسمالية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مترجم عن التالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.