شعار قسم مدونات

بين طيفك وعيوني ديانة!

blogs تأمل

هي شخصاً بألف، قصةً بروايةٍ مجهولة النهاية، سؤال يستعصي على الإجابات الساذجة والرشيدة، بداية بسيطة سحبتنا من قلوبنا وقادتنا للتيه فينا والغرق، إلى أن حصل ما حصل، ابتلعت غيمةٌ سوداء قمري، صفعتني الظلمة بحضورها، وساد الغياب على حضورنا الوهاج!

 

الغياب، إيهٍ يا رب العشاق، كم هي قاتلة هذه الكلمة، كم كانت سماً مخبئاً وسط قصائد الحب ومواعيد الغرام، اليوم وبعدما غابت أسأل نفسي كم حبيباً التهم الغياب وحرمه من حبيب؟! كم موعداً أفسده الغياب وجعل قهوته باردة فاسدة؟! وكم من طريقٍ/رصيف يغني للغياب (على الله تعود!) ويسأل الأوراق اليابسة متى يعود، متى تعود؟!

 

قد يكون الغياب والبعد شيء طبيعي ووراد في كل العلاقات البشرية، لكنه في حقيقة الأمر مفسدة، أجل مفسدة تنتقص من متعتنا وكمال حضور المحبوب، فما إن يتسلل الغياب بين المحبين حتى يبدأ التباعد بينهم يفعل فعله، وهنا تخلق فجوة تبدأ بالاتساع ونهش القلب كلما زادت المسافات بينهما وتفاقم مرور الوقت، فكم من حبيب لنا خلف هذه الكلمة، وكم من حديث مؤجل ابتلعه هذا البعد!

 

الغياب فراق أصغر، اتقاد لجمر الشوق، وإرباك لنبض القلب، اختلاس لقطعة من الروح يسرقها الحبيب منا حالما يغيب، أليس الغياب هو الذي أنطق محمود درويش ليقول: قل للغياب نقصتني وأنا حضرت لأكملك! أليس الغياب أيضاً هو الذي أثار شجون الشعراء وحرك قلوبهم وقرائحهم ليغزلوا القصائد وينادوا المحبوب ويستنجدوا به لينقذهم من هذه الهوة الحقيقة؟! ألا ترى أبو نواس يقول في بعض أبياته:

 

يا غائباً عن عيوني

وحاضراً في خيالي

 

تعال هدئ شجوني

طالت عليّ الليالي

 

تعال آنس فؤادي

تعال سامر سهادي!

 

وهذه من حسنات الغياب، الإلهام، فلولا الغياب لما قرأنا هذه الأبيات وما أُلهِم أبو نواس هذا الشجن! لكن غيابك يا حسناء مربكي، مشتتي ممزقي، مبعثري، قولي ما شئت من الأوصاف إلا أن تقولي إنه ملهمي، غابت كل الوجوه وحضرتِ طاغية واضحة كشمس النهار، أنّى لك بكل هذا الوهج؟! أنّى لك بسلبي مني واستراق فؤادي فُتاتاً لحمام شوقك؟! أني لا أملك شيئاً أمام طيفك إلا أن أناجيك، بربك عني لا تغيبي، بربك لا تغتالي القلب ثلاث مرات في عام واحدة!

 

لا أملك سوى أن أمسك الغيمة وأهزها لتُسقط علينا بقايا الدموع في غيابك ولا أملك سوى التعلق بنجمةٍ تركض في بطن السماء لتوصلني إلى منفاي الأخير على شواطئك التي أركن فيها سفينتي تلك السفينة التي أبّحرنا فيها سوياً على مدار أجمل السنوات لنجد أنفسنا مثقوبون بالتيه والاشتياق والفراق والبعد!

 

لا أريد سوى ذلك العناق الذي يجمعني بعد أن تبعثرت كثيراً في غيابك القاتل! لا زلت أشتاق لتلك الرائحة التي تخرج من مسامات روحك لتمنحني ذلك الدفيء المفقود فأنتِ الغياب والحب والشغف ودموع الأطفال عند ذهابهم إلى المدرسة وضحكة امرأة مات زوجها الذي كان يكسرها بقيده وتأملات طفلٌ رضيع خرج للحياة للتو، أنتِ لهفة المغترب لوطنه وأهله وشغف الشغف الذي لا ينضب! 

 

أنتِ زغاريد أم الشهيد وخصلة شعر لطفلة ذاهبة إلى المدرسة أنتِ الصباح والمساء اللذان يكتملان جمالاً بصوتكِ أنتِ كل تناقضات هذه الحياة لذلك لا أهرب إلى أيّ مكان في هذه الحياة سوى إلى مكان واحد وهو روحك التي تملأ عليّ المكان عبقاً من نوع مختلف ودمعةٌ تحت سماء ليلٍ متمرد كل هذا هو أنتِ يا من جعلتِ هذه الحياة بوجودك قوس قزح وستبقى دوماً طالما طيفكِ يتراقص أمام قلبي وروحي وعيني..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.