شعار قسم مدونات

من مآسي الحزن.. عندما غادرت السعادة القلوب

blogs - lost

أين من هذه الحياة ابتساماتُ .. الأماني ونشوةُ الأفراحِ؟

كيف يحيا فيها السعيدُ وليست .. غير بحرٍ تحت الدجى والرياحِ

انظروا كلّ ما على الأرض يُبكي .. فأفيقوا يا معشر الحالمين

   

نتشبث بالحياة مودعين مواكب الحزن تسير مع السائرين، نخط على رمال البحر لون السعادة، تهب الرياح لتحلق نسماتها بعيداً آخذةً معها سعادتنا إلى جوارٍ غير جوارنا، تمسح بحباتها دموع المنهارين على حافة اليأس، تتناثر أوراق الخريف وتمر سحابة الخير تُسقي الأرض العطشى الماءَ الزُلال، فتنبت السعادة في القلوب من جديد مثلَ حبةٍ غُرست في الارض فتكاثرت لتطعمَ من خير بارئها طوابير العابسين عن قرقعة البطون.

 

لقد خلقت السعادة لنزين بها العالم كما نزين أبواب المنازل، والحارات، والشوارع عندما يأتي العيد ففيه يفرح اليتيم ويكسا الفقير وتخط باليمين حسنات المؤمن الكريم، خلقت السعادة لنبث الصبر في صرخات الثّكالى والمحرومين ومن يقفون خلف أسوار الصمت معلنين الثأر على اليأس والنحيب. خُلقت ليرتوي من لفحته حرارة الشمس حين أراد أن يتوارى بخيمته ظلاً ظليلا، خُلقت للحرية الضاحكة من ثرثرة الحاكمين بالحديد، خُلقت لتبرئ السجين من سجانيه بقرار العفو مشمولاً بالتوقيع، خُلقت لتقف في محراب العشق الإلهي متأملةً سمائِه بنجومه وقمره المتوضئان نوراً عجزت لُبّ العقول عن محاسنها الباهرة فابتسمت إبتسامةَ السابح في آلاء الجليل ودعت دعاء السكينة: سبحانَك ربي ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار.

 

خُلقت لتسافر مع حقائب الياسمين لتمر على أطفال الشام مكفكفة دموعهم بلمسة من يديها الحانيتان، لتقف مدهوشة أمام مشهد اليمن الجائع فتمرر من بين ثقوب الجوع خبزاً وابتهالا لتقطف ثمرة من أرض العراق مُرة المذاق فتطيحها بعيداً حيث يقبع التعصب في سجون الكلمات وبواطن الشعراء. وفي مثل هذا اليوم وقبل قرون عَثَرت على فن الحضارات كأبي الهول فأشاحت بناظريها إليه فطالعته شامخاً كرواسي الجبال، وما اسموه حملة على من خُطت في دساتير الملوك عنادهم، ثم استيقظت من نومها لتجد ذات الحلم في ليبيا لتثور ثورة الألم وترسم على صفحات الأمل شفاه طفل أتعبه الغياب، ووجه أم لملم شتات قلبها اللقاء ومآذنٌ تعانق السلام وتزلزل الأرض بمظلة الرحمن وتصدح: الله أكبر الله أكبر إنه نداء الجهاد في فلسطين والنصر على مشنقة العادين.

 

عندما غادرتنا السعادة بثوبها الأسود هتفنا لقد جاء الشيخ الحكيم وفي جعبته حكايا من الزمن الجميل ورحيق من السنة النبوية والقرآن الكريم، جلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وابتسم إبتسامة المؤمن الهزيل

لم تخلق السعادة لتتبخر في جوف الأرض، وتحبس في كبد السماء، وتقيد بسلاسل الخوف واليأس، وتزج في سجون الحزن، وتقتل في وضح النهار وعلى مرآى ومسمع الأخيار أو تغتال بحزام البسمة لتنثر وروداً من بذور العطاء، لم تُخلق لنمر واضعين شريط الآهات والملمات على هواتفنا وكلما داهمنا الشوق تدوالناها كي تنتشر كالنار في الهشيم، لم تُخلق كي تحاصرها فوهات البنادق بل لتكتب على جبينها هنا عيش السعداء لقد خُلقت لأنه حقاً لها أن تُخلق.

 

السعادة أمل في روحٍ خاوية أتعبها الرحيل وآلمها الفراق وعز عليها أن تتكئ بين القصائد والأبيات، هي خط الهدنة بين البسمة والفراق هي ألسنة سلاحٍ صدئ إبتسم في الوجوه وعاد ليصافح عيون الضعفاء، هي بذور نقاءٍ نمت وتكاثرت وأنجبت القلوب الصافية بعد مخاضٍ دام لسنوات، هي قلمٌ حمله صاحبه معلناً بداية لأحلامه قبل أن يغتالها صاروخ وردي أطلقته مجموعة وأد الأمنيات قبل تحقيقها، هي أم أرضعت قرة عينها عزةً وكرامة فترجل وزلزل عروشاً قالت أنا وبعدي الطوفان، هي قوانين وضعت بين كفي كماشة وأُلقيت داخل حفرة من أناسٍ متخاذلين لتُخرِج قانوناً لا يسمح باغتيال الأمنيات، هي طائر العنقاء متشبثاً بالحياة موزعاً رماده لتصبح أسطورة تحدٍ رسمتها أيادي فنانٍ خضراء.

 

عندما غادرتنا السعادة بثوبها الأسود هتفنا لقد جاء الشيخ الحكيم وفي جعبته حكايا من الزمن الجميل ورحيق من السنة النبوية والقرآن الكريم، جلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وابتسم إبتسامة المؤمن الهزيل وحدثنا بصوت ملئٍ بالحزن وكأن أيادٍ خفية أرهبتهُ لسنوات، سألناه وبحة في أصواتنا ما بك يا شيخنا الجليل؟ فقام لتوه وكأنه مخدرٌ من التهديد، أشاح بناظريه وكتب على ورقٍ شبيه بما تبثه وسائل السمع على العبيد، وكأنه كتب بلغةٍ لا نفهمها لا نحن ولا العبيد، وغادرنا وكأن السعادة غادرتنا من جديد.

 

تتملكني السعادة تَنشر في جسدي حب الناس، تواسيني وتموت الأحزان من بعدي، لكن رغماً عني أقف منتصب القامة حاملاً بين راحت يديّ الحزن والسعادة، فها قد مرت ثمانِ سنواتٍ عجاف حاملةً معها فانوس الأمنيات تربت على كتفي مواسيةً أنا الخيميائي أبشركِ: عندما تريدين شيئاً بإخلاص فإن العالم كله يتآمر لتحقيق رغبتك فأردتُ أن أبث السعادة في القلوب لكنها غادرت وسكنت بين القبور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.