شعار قسم مدونات

مؤتمر وارسو.. تطبيع أم تحالف جديد لمواجهة إيران؟

BLOGS مؤتمر وارسو

على مدى شهرين متتالين سعت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها في اتجاه إنجاح المؤتمر الموسوم بــ مؤتمر السلام والأمن العالميين لينعقد أخيرا يومي الـ 13 والـ 14 فبراير في العاصمة البولندية وارسو بعد أن كثفت من حجم الدعاية الإعلامية والدبلوماسية بالتلميح تارة لنتائج غاية في الأهمية سيما في مجال مكافحة الإرهاب وفي محاصرة قوى الشر في العالم تارة أخرى.

 
ويبدوا جليا للوهلة الأولى أن حجم الإخفاقات المتتالية للدبلوماسية الامريكية خلال السنتين الماضيتين والمعالجة العشوائية لعديد من الملفات من قبل إدارة ترامب داخليا ثم انتخابات الكونغرس أخيرا عجلتا بالرغبة الملحة لاستكمال مصفوفة الوعود التي خطها ترامب في حملته الانتخابية سيما المتعلقة منها بالشأن الإيراني وقضايا الشرق الأوسط الصراع العربي الإسرائيلي تحديدا المؤتمر الذي حضره ممثلو ستون دولة من أصل سبعين تمت دعوتها يبدوا في ظاهره الأكبر من حيث العدد لكن أهم حدث فيه إضافة إلى الوفد الأمريكي الممثل في نائب الرئيس مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو وجاريد كوشنر مهندس عملية السلام الجارية في الشرق الأوسط "صفقة القرن" هو مشاركة عشر دول عربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان علنا جنبا إلى جنب مع إسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها نتنياهو جميع أشغال وأعمال ونتائج المؤتمر فيما قاطعته السلطة الوطنية الفلسطينية وقليل من الدول العربية التي تمت دعوتها ظاهريا تمثل الهدف المعلن للمؤتمر في الدعوة لتطوير حلول مشتركة وإجراءات بهدف ضمان السلام والأمن في الشرق الأوسط بدراسة قضايا الملفان السوري واليمني ثم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إضافة إلى المشاكل الإنسانية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب وأمن الطاقة والتهديدات السيبرانية، غير أن الأهداف الحقيقية لم تخرج عن سعي واشنطن إلى الضغط على أصدقائها العرب السُنة من أجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري إلى جانب إسرائيل يعرف باسم تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي أو اختصارا بكلمة ميسا MESA  وأطلق عليه رمزيا الناتو العربي.

على الرغم من أهمية المؤتمر من حيث المدعوين إلا أنه لم يلامس حجم التوقعات التي وضعتها الإدارة الأمريكية ففي نفس توقيت انعقاده بالتوازي كان مؤتمرا ثلاثي في سوتشي يضم إلى جانب روسيا كل من إيران وتركيا

شرق أوسطيا يُعد هذا الاجتماع الأول الذي يجمع بين إسرائيل ودولا عربية للمناقشة في قضايا الأمن الإقليمي منذ المحادثات التي شهدتها العاصمة الإسبانية مدريد في تسعينيات القرن العشرين. وبهذا فإن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تزيد من رغبتها في تأسيس تحالف يبدو هدفه الترويج لمستقبل يعمه السلام والأمن في الشرق الأوسط يضم إضافة إلى بلاده ثماني دول عربية هي دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن، لكن حقيقته تكمن في التطبيع وتأسيس جبهة لمواجهة إيران، فهل ثمة موازين ومؤشرات واقعية تنبئ بنجاح هذا التحالف من عدمه؟

أولا، يبدوا أن رغبة واشطن ستصطدم بمعوقات استراتيجية تحول دون اتمام تحقيق هذا التحالف على الأقل في المنظور القريب فليس هناك اتفاق بين دول التحالف على تحديد مصادر التهديد فبينما ترى السعودية والإمارات والبحرين أن إيران خطر كبير يجب مواجهته بكل السبل لا تؤمن بقية دول التحالف بهذا سيما مصر والأردن والكويت.

 
ثانيا، فكرة المؤتمر كمقترح أمريكي الداعية إلى مزيد من الضغط على إيران لم تلق ترحيبا كافيا من قبل حلفائها الأوروبيين وهذا ما يفسر غياب وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا فضلا عن خلافهما السابق حول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 مع إيران وإعادة فرض العقوبات عليها.

ثالثا، على الرغم من أهمية المؤتمر من حيث المدعوين إلا أنه لم يلامس حجم التوقعات التي وضعتها الإدارة الأمريكية ففي نفس توقيت انعقاده بالتوازي كان مؤتمرا ثلاثي في سوتشي يضم إلى جانب روسيا كل من إيران وتركيا يختتم أشغاله بالدعوة إلى عدم شيطنة إيران وحل قضايا الشرق الأوسط عبر المفاوضات والحوار في اطارها السلمي والأممي.

بلا شك سيكون المنجز الوحيد لو اتفقنا على تسميته بذلك هو استِطاعتْ واشنطن حل شفرة اللقاءات السرية بين العرب وإسرائيل لتصبح علانية وهذا ما تجلى في لقاء وزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات وسلطنة عمان واليمن إلى جانب رئيس وزراء إسرائيل وتوافقهم على مجابهة إيران فضلا على رسمهم خريطة طريق بغرض إتمام صفقة القرن المزعومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.