شعار قسم مدونات

ازرع ديكتاتورا تحصد متطرفا

Fighters of the Islamic State of Iraq and the Levant (ISIL) celebrate on vehicles taken from Iraqi security forces, at a street in city of Mosul, June 12, 2014. Since Tuesday, black clad ISIL fighters have seized Iraq's second biggest city Mosul and Tikrit, home town of former dictator Saddam Hussein, as well as other towns and cities north of Baghdad. They continued their lightning advance on Thursday, moving into towns just an hour's drive from the capital. Picture taken June 12, 2014. REUTERS/Stringer (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST POLITICS CONFLICT)

نشرت قناة الجزيرة قبل أيام وثائقيا بعنوان بعد سبع سنين يقوم بتتبع التقلبات التي حلت بالشباب المصري خصيصا بعد سبع سنوات منذ اندلاع الثورة المصرية والتي للأسف يمكن القول أنها لم تحقق المطلب المرجو منها نتيجة للانقلاب على شرعية قامت بها المؤسسة العسكرية والدولة العميقة المصرية التي لم تركز أغلب الثورات العربية على تفكيكها مكتفية برأس النظام والصورة الظاهرية منها تحولت فيها لأنظمة نفعية ناخرة بالفساد في كل أواصر الدولة بعد أن كانت الأنظمة الديكتاتورية أنظمة قائمة على أيدولوجيا معينة وترتضي وتبتغي الحكم لذاته بينما تقصي كل من خالفها.

 

تحولت إلى أنظمة منفعية يحرسها عدد من المنتفعين المتوجسين من زوالها والساهرين على مصالحهم التي تم نهبها واكتسابها وما كان يمكن لهم تحقيقها من دون وجود النظام الفاسد الحالي، نتيجة حذر منها الكثيرون في بداية الثورات العربية وربيعها من الالتفاف على الثورة والانقلاب عليها بكل الطرق الممكنة من أحزاب سياسية متمرسة حاولت أو امتطت ركب الثورة بعد يقينها بزوال النظام أو أنظمة عسكرية متربصة أو حتى بقايا النظام الحالي.

 

 يقول المحلل المغربي عبد الإله بلقزيز إن مفهوم الثورة في وضعه الاعتباري النظري يعني التغيير الجذري للنظام الاجتماعي والاقتصادي وليس النظام السياسي فحسب لا يكفي أن تسقط نخبة حاكمة بوسائل الانتفاض والضغط الشعبي لتحل محلها نخبة سياسية جديدة لو عن طريق سياسي وشرعي انتخابي حتى يصدق على عملية التغيير تلك صفة الثورة إذ أن الثورة ليست هدم نظام قائم بل هدم نظام اجتماعي كامل فالثورة لا تسمى ثورة إلا إذا خطت بالمجتمع نحو نظام سياسي واجتماعي واقتصادي أكثر تقدما من سابقه وإلا كانت انتكاستا وثورة مضادة.

 

عندما نتحدث عن التطرف فنحن هنا نتحدث عن كلا الشكليين من التطرف أحدهما اتخذ بطانة دينية لا تمد له بصلة وأحدهما اتخذ بطانة لا دينية البتة

انقسم الشباب في العمل ببساطة إلى قسمين كلاهما أخذ الطرف القصي نتاجا للصدمة التي هزت كيانهم ليأخذهم التطرف في كلا الحالتين فبين من نفض يده كليا نتاجا لصدمات على الصعيد الاجتماعي والعنف الذي قابلته به الاّلة القمعية لعزل وصلت ذروتها في فض اعتصام رابعة مما جعلهم يسلكون مسلكا متشددا متزمتا لا يرى حلا إلا في العنف والنضال المسلح ليجيب عندما سئل واصفا بشاعة ما حدث في رابعة وما يليها وإحساسه بالعجز والضعف بينما تهشم الدبابات اجسادهم وتسيل دماؤهم بينما ينادون هم بالسلمية وعدم العنف مرددا أن الحديد لا يفله إلا الحديد والسلاح لا يجابهه إلا السلاح.

 

أما على الطرف الأخر والنقيض تماما في الفكرة لكنه يشترك معه في تطرفه المدقع انتهى الأمر بهذا الجمع بترك الدين كليا وخلع عباءته حرفيا من قبل فتيات كن يحسبن على التيار الإسلامي والملتزم وشباب نافضين يدهم كليا ليتدثروا بفكر إلحادي تليد لتظهر كمية البؤس والحزن والخيبة على وجوههم التي كانت متقدة بالفرحة ساعة انتصار ثورتهم التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.

 

الشباب العربي والتطرف

عندما نتحدث عن التطرف فنحن هنا نتحدث عن كلا الشكليين من التطرف أحدهما اتخذ بطانة دينية لا تمد له بصلة وأحدهما اتخذ بطانة لا دينية البتة فمن هو المسؤول، كما هو الحال لا تولي الأنظمة ولا مراكزها اهتماما وإن انطوى الأمر على دراسة او تدخل بأي شكل من الأشكال فغالبا ما سيكون تدخلا موجها باتجاه النتيجة لا السبب والذي غالبا ما سيكون ردا عنيفا حادا محاولا استئصال المشكلة دون التركيز على جذوها والتي ستعاود الظهور بلا شك في شكل أخر.

 

تدخل عنيف مسلح في طرف الجانب الأول وتدخل عنيف إقصائي على الطرف الاخر دون النزول إلى أساس المشكلة والتي حتى يتم التعامل معها لا بد من الاعتراف بوجودها أساسا وتقدير الإحصائيات الدقيقة لها والتي يمكن في جولة سريعة معرفة كمية التضارب بينها فبين دراسات تشير إلى 75 مليون ملحد تشير أخرى إلى أعداد مقدرة ي 200 ما دونها في بلدان اخرى بينما تؤكد أخرى على نسب كخمسة في المئة في بلدان كالمملكة السعودية وإن كان النوع الاول يلقى اهتماما تحت طائلة الإرهاب ويتم علاجه بقصف الطائرات يبقى النوع الأخر مستترا مع أرقام مخيفة مستترة وإن كانت قد بدأت اخيرا في الظهور للعلن.

 

أنظمة عربية بين الداء والدواء

تنبري الأنظمة العربية أول من ينبري عند صعود كلمات كالإرهاب وداعش وتعقد الجلسات والمؤتمرات بميزانياتها الضخمة وأساميها البراقة سعيا لحل مشكلة التطرف بينما تكمن المشكلة في ذات الطبيب فبين أنظمة قمعية شمولية لم توفر جهدا لوأد أحلام شعب وشباب كانت منصات التواصل منبره لمعاينة العالم بينما تسلب حقوقه بمسميات مختلفة وبين أنظمة اتخذت من الإسلام السياسي منهجا ثم فعلت كل ما يمكن إطلاقه من مسميات ما عدا إسلاما لتقدم صورة سيئة عن إسلام مشوه ونظرة سياسية ضحلة فلا ربأت بإسلاميتها ولا نجحت بسياستها

 

النظام السوداني ونموذج الإسلام السياسي الفاشل

حل النظام السوداني الحالي في العام 1989 بعد رحلة طويلة من التجييش لمكنونات الحركة الإسلامية السودانية التي كان على سدتها الشيخ الراحل حسن الترابي والذي كما اشار ان اختيار الرئيس السوداني الحالي عمر البشير ما جاء إلا لكونه الأعلى رتبة حينها وليس لانتماءاته ولا تمايزاته التي كانت يمكن أن تخوله لمنصب كهذا في مسرحية عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الصادق المهدي وتقضي بحبس الشيخ الترابي وجزءا من الإسلاميين ومن ثم الإفراج عنهم لضحد صفة الإسلاميين عن الانقلاب العسكري وهو ما جرى حينها قبل انقلاب البشير نفسه على الشيخ الترابي في مفاصلة شهيرة في العام 1999 حاول فيها الترابي تقويض صلاحيات البشير عبر البرلمان لينقسم الحزب الحاكم وينفصل الترابي مكونا الحزب الشعبي.

 

شكل النظام السوداني بسياساته دعاية لأحزاب تحسب على اليسار ما كانت لتحظى بكل هذا الزخم في ظل استخدام خاطئ للنص الديني

دخل النظام السوداني بصبغة إسلامية صرفة وعنيفة دعم الحركات المختلفة لدى جيرانه وتحولت فيه الحرب الأهلية السودانية إلى حرب عقائدية بين شمال مسلم وجنوب دون ذلك لتصبغ بنكهة إسلامية زادت الأمر فجاجة وسوءاً ومن لتتوالى السقطات باستقبال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقدم له من التسهيلات واتاح له من المعسكرات ما اثار وزاد الحنق العالمي على النظام لتفرض عليه عقوبات أمريكية وعالمية بحجة دعم السودان للإرهاب لم ترفع إلا قبل عام بشكل جزئي تخبطات سياسية جعلت السودان وحكومته في معزل عن جيرانه وأصدقائه والقوى العالمية على حد سواء هذا على الصعيد العالمي.

 

أما على الصعيد الداخلي فتخبط النظام سياسيا فارضا نظاما ودستورا لا يراعي الاختلاف الإثني الواضح بين بلد يحتوي جميع العقائد والاثنيات ويقوم بتطبيق الشريعة وأحكامها حينا ويتغاضى عنها حينا حسب ما اقتضت الحاجة ومتى ما ألحت بإضافة انتهت بانفصال الجنوب لتحوله إلى نظام قمعي شمولي تتكدس فيه السلطة في يد فئة وخصصت خيراته لربحهم ليخرج بخليط قل ما يجد بين فشل سياسي ألبس اسم غصبا ونظام قمعي من الطراز الأول.

 

الشباب والصدمة الدينية

ليس بعيدا عن جارتها الشمالية مصر يعيش الشباب السوداني حالة من التخبط برغم الخلفية الإسلامية التي خرج منها غالبية الأسر السودانية بصوفية وديعة ولكن الحال على أرض الواقع أفرز تبدلا عميقا في التركيب الوجداني للشباب، لتنتشر ظاهرة الإلحاد بشكل كبير بين وسائط الشباب الجامعي خصيصا مع ارتفاع ملحوظ في وتيرة لنقض ورفض الخطاب الديني بجميع أطيافه وهو ما يعزوه الشباب السوداني إلى الخطاب الديني المقدم من قبل منابر إما جبلت على تدعيم أقوال النظام وتغييض الرأي العام أو منبر متجاهلا تماما لمشاكلهم ليضرب حالة من العزلة بين جيل الشباب وجيل من العلماء الإسلاميين وإن كان ظهر بعض الريع الشبابي منهم أخيرا.

 

أما على الصعيد الأكبر فكان الخطاب المغلف بصبغة دينية الذي قدمه النظام دائما ليغلف حوائج المرحلة فحينا جهادا وحينا خروجا على الحاكم وحينا لحفظ الأمن ليخرج الرئيس السوداني لاويا عنق آيات القصاص في احتجاجات اخيرة وواضعا الآية في موضع قمع وقتل المتظاهرين أخطاء وخطاب يبدو أن النظام قد بدأ يدرك عواقبه اخيرا فقام بإلغاء قانون النظام العام والمعني بعدد من القضايا كاللبس الفاضح والأعمال المخلة موضحا أن الاستخدام السيء من قبل الأنظمة الشرطية كان له الوقع الأكبر في رفع وتيرة الغبن لدى الشباب ليشكل النظام السوداني بسياساته دعاية لأحزاب تحسب على اليسار ما كانت لتحظى بكل هذا الزخم في ظل استخدام خاطئ للنص الديني.

 

درس يبدو أن جل الأنظمة العربية لم تتعلمها ولا كل القوى العالمية الداعية لمحاربة الإرهاب لتستنفر أسلحتها لمحاربة النتيجة بينما تغض أعينها عن مكافحة السبب لتبقى المعادلة الأوضح المتمثلة في  أزرع ديكتاتورا تحصد متطرفا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.