شعار قسم مدونات

توقفوا عن تقديس التافهين!

BLOGS مواقع التواصل

لا يختلف اثنان على أن الإعلام المجتمعي يستهدف أكثر من أي شيء عقليات الأفراد، فهو الحاضن الرئيسي لقيم المجتمع، والمؤثر الرئيسي على سلوكات أفراده، وهنا يجد الإعلام مكانة له فيحيك ما يشاء ويصنع ما يشاء ويطلي بالسواد ما يشاء. قد يقول البعض أن الإعلام والأخبار المتداولة فيه ليست سوى انعكاس لأحداث كان لها وجود على أرض الواقع، لا أقل ولا أكثر، لكن أتعلمون ماذا يحدث في وطن تجد في الصفاحات الأولى لجرائده فضائح الفنانين وأخبار الفساد حتى يتم الرفع من عدد المتبعين؟ أسمعتم يوما عن بلد تجد صفحته الأولى على محرك بحث اليوتيوب مليئة بـ"شاهد فضيحة فلان قبل الحذف" محقنة بآلاف المشاهدات؟

كل هذا وأكثر، مهد لنظرة سلبية تجاه جميع الأخبار تجعلنا منتظرين، لا شعوريا، سماع خبر لا يُفرح. لن يُعكر مزاجنا في الغالب، لأنه أصبح ريحا تعبر الآذان كل يوم. فالمتتبع يعلم علم اليقين ما سيجد في الجريدة أو في الخبر أو في الفيديو، والصحفي أو الناشر يعلم جيدا أن أخبار الفضائح ستوسع رقعة متتبعيه وستجني له المزيد من المال، ما يدفع بهم في بعض الأحيان إلى زيادة بعض التفاصيل المزيفة أو إضافة بعض الملح على الطعام كما يقولون. 

لا بد أن ندعم جميع المبادرات الهادفة والأفكار الإيجابية عبر نشرها والدفاع عنها. ونغير العادات السلبية إلى عادات إيجابية لأن أحد أهم دعوة للانخراط في ثقافة الإصلاح تكون بالتسويق للنموذج وإعطائه متنفسا إعلاميا يعبر فيه عن آراءه

فقد حدث أن تبرعت سيدة أعمال، فهرية زمانها، بمال لبناء مؤسسة تعليمية بالمغرب، الأمر الذي أدى بالعديد من مرتزقة الإعلام لطرح بعض الشبهات والتشكيك في مصدر الأموال، ولم يهتموا بمدى قداسة ونبل فعلها. فلو كانت فضيحة فنان كما أسلفت الذكر، لانتشرت كانتشار النار في الهشيم دون أي رد فعل تجاهها. لقد صار من المسلمات أن كل من سولت له نفسه القيام بفعل إيجابي سيبقى مجرد إنساني عادي لن ينفع تسليط الأضواء عليه في شيء غير الحط من كرامته، عكس أشياء أخرى فارغة المحتوى كـ "كشوان اكنوان" بقوة العادة والألفة فقط.

قد لا أتفق معك في كون المسؤولية تقع على عاتق ذوي الخبرة والكفاءة الذين يتعالون على التعبير عن أفكارهم في إعلام الرداءة والتفاهة، لأن الإعلام بدوره هو من أغلق الباب في وجوههم بتغييبه للمنصات المناسبة لاحتضانهم. لذا، كان لزاما على صانع المحتوى الإعلامي أن يضع نصب عينيه مسؤولية مواكبة المحتوى الهادف واحتضان ذوي الكفاءة والخبرة إيصاله إلى أكبر عدد من المتتبعين وأن يحررنا من أزمة القدوة التي نعيشها وأن يقضي على التفاهة التي اكتسحت عقول المغاربة.

لكن العجيب في الأمر هو تطبيع الفضيحة والتفاهة وجعلهما شيئا عاديا، والمبادرات الإيجابية شيئا منبوذا وغير قابل للتصديق أصلا، لأن الآذان ألفت سماع أفعال السرقة والرشوة والاغتصاب ولم تعتد على سماع الإخلاص والتضامن والصدق.

لكن رغم كل ذلك، ليس من المعقول أن نقوم بتجاهل كل تلك الأمور الإيجابية التي قد تحدث ونغض عنها الطرف. فمن الجائر أن نقتل بصيص الإصلاح الذي قد يذب في نفس البعض بالتجاهل وصرف الأنظار عنه، لأن بداية الغيث قطرة كما نعلم وتلك القطرة إن وجدت بذورا مزروعة بعناية وإعلاما إيجابيا يسلط عليها الضوء فستنمو وتُزهر وتنثر بذورها هنا وهناك وتزيد من المساحات الخضراء وتقتل التفكير السلبي القاتل.

لا بد أن ندعم جميع المبادرات الهادفة والأفكار الإيجابية عبر نشرها والدفاع عنها. ونغير العادات السلبية إلى عادات إيجابية لأن أحد أهم دعوة للانخراط في ثقافة الإصلاح تكون بالتسويق للنموذج وإعطائه متنفسا إعلاميا يعبر فيه عن آراءه وأفكاره وإنجازاته بكل أريحية. فكم من متتبع سيغير وجهة نظره بسببه وكم من متتبع كان يبحث عن أمثاله لينخرط معهم في العملية الإصلاحية.

لا يجب أن ننظر إلى ما تسوقه مسرحيات البرلمان وأخبار السياسة وتفاهات اليوتيوب ونظن أن تلك هي الحقيقية ونُهمل الأقليات التي تحمل الخير الكثير للوطن فرغم ارتباط مفهوم البرلماني في لاشعورنا بالفساد، صار من اللازم علينا أن نحاول إيجاد حيز لبعض الشباب الصالح والحامل لإرادة قوية نحو التغيير.

وأخيرا، لا بد أن نتحرر من تلك النظرة السوداوية التي تحجب عنا رؤية كل ما هو جميل وتجردنا من ثقافة الاعتراف بالجميل وتزيل الإيجابية من قاموسنا ونقف وقفات إجلال لكل صناع الأمل أفرادا كانوا أو جماعات عبر كل الوسائل الإعلامية لأنهم وحدهم كفيلين ببعث روح إيجابية في المجتمع المغربي الشاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.