شعار قسم مدونات

خصائص تفسير القرآن الكريم عند الإمام ابن باديس

BLOGS بن باديس

كان ابن باديس يعوّل على القرآن الكريم في فهم نصوص القرآن نفسه؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وهو بهذا الاعتبار يشكل وحدة متكاملة، وكان يعتمد على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد القرآن الكريم، التي تشرح وتفسر معانيه وتبين ما ورد من آياته مجملاً، وتقيد ما ورد مطلقاً، وقد تميز تفسير ابن باديس بعدة خصائص ومميزات عامة، في مقدمتها أنه تفسير عصري متميز؛ لأنه يجمع بين السلفية والمعاصرة، وأنه يميل إلى الناحية العلمية، والاستدلالية، وأنه ينتصر للعقل ويهتم بالإنسان ومشاكله، وأنه لم يأخذ طابع التفاسير التقليدية سواء من ناحية الموضوعات أو أسلوب المعالجة والعرض، بالإضافة إلى خصائص ومميزات أخرى عامة كالبساطة والوضوح والترابط والعمومية والشمول، والبعد عن الطابع الجدلي الكلامي، والبعد عن التقليد والنزعات المذهبية الخاصة. ومن أبرز هذه الخصائص:

  

1. 1- التفسير الباديسي تفسير سلفي:

لقد ظهرت سلفية ابن باديس واضحة عندما حدد أصول منهجه في التفسير والمصادر السلفية التي اعتمد عليها عند ابتداء خطبته افتتاح دروس التفسير حين قال: سنبدأ بتفسير الألفاظ بأرجح معانيها اللغوية وحمل التراكيب على أبلغ أساليبها البيانية، وربط الآيات  بوجوه المناسبات معتمدين في ذلك على صحيح المنقول وسديد المعقول مما جلاّه أئمة السلف المتقدمون أو غاص عليه الخلف المتأخرون، فاعتمدنا على أشياء من كتب أئمة التفسير كابن جرير الطبري في تفسيره وسلفيته واهتمامه ببيان معاني الآيات  القرآنية وترجيحاته لأولى الأقوال عنده بالصواب، ثم تفسير الكشاف البلاغي وتطبيقه فنون البلاغة على آيات الكتاب، وتفسير أبي حيان الأندلسي الذي يمتاز بتحقيقاته النحوية واللغوية وتوجيهه للقراءات، وتفسير الرازي الذي يمتاز ببحوثه في العلوم الكونية مما يتعلق بالجماد والنبات والحيوان والإنسان وفي العلوم الكلامية ومقالات الفرق والمناظرة والحِجاج.

 

إن ابن باديس يمتاز بالذوق الخاص في فهم القران، مع بيان ناصع واطلاع واسع وباع في العلوم النفسية والكونية وعلوم الاجتماع والعمران وشجاعة في الرأي والقول

وقد التزم ابن باديس بالفعل بهذا الاتجاه السلفي حتى أصبح منهاجاً واضحاً له في فهم القرآن وتدريسه وفي تطبيقه لقضايا العقيدة والأخلاق، وهو يعترف بهذا النهج السلفي والتزامه به حين يقول: إن كل قول يراد به إثبات معنى ديني لم نجده في كلام أهل العصر نكون في سعة من رده وطرحه وإماتته وإعدامه كما وسعهم عدمه، وكذلك كل فعل ديني لم نجده عندهم، وكذلك كل عقيدة، فلا نقول في ديننا إلا ما قالوا ولا نعتقد إلا ما اعتقدوا ولا نعمل إلا ما عملوا، ونسكت عما سكتوا عنه.

 

1. 2- التفسير الباديسي تفسير علمي:

ودليل ذلك أنه ظهر في عصر العلم ويهتم بتفسير الآيات الكونية، وربطها بمكتشفات العلم الحديث، ويهتم بقضايا الإنسان ويربطها بالسببية، وينتصر للعقل ويعتمد على الحجج والبراهين المنطقية، وأثبت في تفسيره أن القرآن لا يقف أمام العلم ولا يعارض البحث العقلي، بل أنه دعوة للعلم واستعمال العقل في النظر والاعتبار، والاهتداء إلى نواميس الكون.

 

هذا بالإضافة إلى ميل ابن باديس نفسه العلمي الذي يصفه البشير الإبراهيمي بقوله: إن ابن باديس يمتاز بالذوق الخاص في فهم القران، مع بيان ناصع واطلاع واسع وباع في العلوم النفسية والكونية وعلوم الاجتماع والعمران وشجاعة في الرأي والقول ومعرفة السليم والمريض من الآراء والأقوال.

 

والمثال على ذلك تفسير ابن باديس لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آية اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آية النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]. وقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: 5].

 

ومما جاء في تفسيره لهذه الآيات: الليل هو الوقت المظلم الذي يغشى جانباً من الكرة الأرضية عندما تكون الشمس منيرة لجانبها المقابل، والنهار هو الوقت الذي يتجلى على جانب الكرة المقابل للشمس فتضيئه بنورها، ولا يزالان هكذا متعاقبين على جوانب هذه الكرة وأمكنتها، وبيان تفصيل ذلك فيه دليل علمي على كروية الأرض، وهو المعنى من التكوير ـ لقوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] بأن يحل محله في جزء من الكرة ـ وجزء الكرة مكور ـ فيكون النهار الحالّ مكوراً بحكم تكوّر المحلّ، وكذلك النهار يكوّر عليه فيحل محله من الكرة، فيكون أيضاً مكوراً بحكم تكوّر المحل، وإنما جعل تكوير أحدهما على الاخر بحلوله في محله، لأنه لا يمكن تكويره عليه بحلوله عليه نفسه لأنهما ضدان لا يجتمعان، وليسا جسمين يحل أحدهما على الآخر.

 

اهتم ابن باديس بالربط بين الألفاظ والمعاني ومدلولاتها في العبارات وقواعد اللغة، ولأن التفسير الباديسي تفسير استدلالي رأيناه يبدأ تفسيره به، فيستدل أولاً بآيات القرآن والحديث ثم يستدل بأدلة المنطق والبرهان العقلي

ويستمر ابن باديس في استدلاله فيقول: وبالتعمق في معنى الآية تعرف فيها دليلاً على وجود الله وهو دليل النظام الكوني وما عليه من حسن الترتيب والتقدير بالتسيير، فالآية علامة دالة على الوجود والعظمة لله لأن وجود آية الليل والنهار، وتعاقبهما على هذا الترتيب والتسيير، وأنهما مقدران بأوقات متفاوتة بالزيادة والنقص في الطول والقصر على نظام محكم وترتيب بديع بحسب الفصول الشتوية والصيفية، وبحسب الأمكنة ومناطق الأرض الاستوائية والقطبية الشمالية والجنوبية وما بينهما حتى يكونان في القطبين ليلة ويوماً في السنة، ليلة في ستة أشهر هي شتاء القطبين، ويوم في ستة أشهر هو صيفهم، فهذا الترتيب والتقدير والتسيير دليل قاطع على وجود خالق حكيم قدير، ولطيف خبير.

 

كما يشير ابن باديس إلى مدى اتفاق ما في القرآن مع مكتشفات العلم من خلال وصفه وتفسيره لجرم القمر ونشأته ومسترشداً باراء علماء الطبيعة والفلك، ومختتماً تفسيره لهذه الآية بقوله: لنقف خاشعين متذكرين أمام معجزة القرآن العلمية، ذلك الكتاب الذي جعله الله حجة نبيه (ص) وبرهاناً لديه على البشر مهما ترقوا في العلم وتقدموا في العرفان.

 

1. 3- التفسير الباديسي تفسير استدلالي:

والاستدلالية عنده تعني ضرورة الاهتمام بالترتيب المنطقي والترابط من أجل إبراز الغاية القصوى وراء الآيات، وبيان أسباب ترتيبها على هذا النحو، وبيان فائدتها للإنسان، فالترتيب والترابط المنطقي يظهر في العناية باللفظ والمعنى مع التركيز على المعنى العام والهدف العام والغاية القصوى، ألا وهي صالح الإنسان، وأن كل معنى جزئي أو خاص للفظ معين لا يمكن اعتباره معنى حقيقياً أو صحيحاً، وذلك لتغير معنى اللفظ حسب مقامه وحسب وقوعه في الجملة أو الآية أو الصورة. وأن هذا الاستدلال يعتمد على الربط بين الأصول العامة التي يتوقف عليها حياة النوع البشري وسعادته، وبين وجوه إعجاز القران. والاستدلال عن ابن باديس من أهم لوازم التفسير.

 

واهتم ابن باديس بالربط بين الألفاظ والمعاني ومدلولاتها في العبارات وقواعد اللغة، ولأن التفسير الباديسي تفسير استدلالي رأيناه يبدأ تفسيره به، فيستدل أولاً بآيات القرآن والحديث ثم يستدل بأدلة المنطق والبرهان العقلي، ثم يربط تلك الاستدلالات بالشواهد الواقعية وملاحظات التجربة والمواقف السياسية والاجتماعية ومختلف مظاهر التغير والتطوير، مستدلاً في كل ما يذهب إليه بأحكام السنة وشرائعها لأنها الطريق العملي والتطبيق السلوكي لأحكام القرآن.

 

ويمكن القول بأن هذه الاستدلالية والانتصار للعقل مع هذه السلفية والمعاصرة؛ كانت وراء القول بأن التفسير الباديسي يعتبر في مقدمة المحاولات لتقديم تفسير ـ معاصر ـ في العصر الحديث، وأنه نجح في تقديم فكر إسلامي خالص معتمداً على الله ثم على منهجية علمية متميزة.

————————————————————————————————————————–

مراجــع البحث:

  1. د. علي محمّد محمّد الصّلابيّ، كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس، ج (2)، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط 1، 2016م، ص (270: 274).
  2. عبد الحميد بن باديس، تفسير ابن باديس (مجالس التذكير في كلام الحكيم الخبير)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424ه- 2003م، ص 438.
  3. د. عبد الحميد درويش النساج، عبد الحميد بن باديس وآراؤه الفلسفية بين النظرية والتطبيق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ص 114: 117.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.