شعار قسم مدونات

كيف نتعامل مع اضطراب الحاسة الدهليزية عند المشخصين بالتوحد؟

blogs - التوحد

يستقبل الإنسان المعلومات القادمة من البيئة المحيطة به عن طريق الحواس، ويعرِّف منهج التكامل الحسي سبع حواس؛ البصر والسمع واللمس والشم والتذوق –وهي الحواس الخمسة المعروفة- بالإضافة إلى الحاسة الدهليزية، وحاسة المفاصل والعضلات.

والحاسة الدهليزية هي المسؤولة عن تزويد الإنسان بالمعلومات عن مكانه في الفراغ، وعن موقعه بالنسبة للجاذبية، أمّا حاسة المفاصل والعضلات فهي التي تعطي الإنسان معلومات حول مكان كل عضلة ومفصل في جسده، وذلك دون الحاجة لحواس أخرى، مثل البصر.

والمعلومات القادمة من الحواس يتم معالجتها بواسطة الجهاز العصبي المركزي، واضطراب المعالجة الحسية هو خلل ما يؤثر على تفسير هذه المعلومات، وهو اضطراب شائع جدًا لدى الأشخاص المشخصين بالتوحد، وبناءً على دراسة منشورة قمنا بها -مهند عميره وفاطمة الزهراء عمير- في مصر عام 2018، وجدنا أنّ أكثر من 96 بالمائة من الأطفال لديهم اضطراب في حاسة واحدة على الأقل.

وللخلل في المعالجة الحسية شكلان أساسيان؛ الحساسية الزائدة للمدخلات الحسية، أو الحساسية الناقصة لها، مع ملاحظة أنّ أغلب الحواس غير مرتبطة ببعضها، بمعنى أنّ وجود تحدٍ في حاسة لا يعني بالضرورة أن يؤثر على كل الحواس، وسنتكلم هنا عن حاسة واحدة فقط، وهي الحاسة الدهليزية.

مظاهر الخلل في المعالجة الحسية للحاسة الدهليزية
الحركة هي علاج الأطفال المشخصين باضطراب الحاسة الدهليزية بمختلف أنواعه، لذلك نرى العديد من الأرجوحات في غرف العلاج الوظيفي، لتوفر الحركة بمختلف أنواعها، ولكن للحركة العلاجية شروط يحددها نوع الخلل

الحساسية الزائدة للمدخلات الحسية القادمة من الحاسة الدهليزية تجعل الجهاز العصبي المركزي يصور للشخص أن الحركة العادية التي يقوم بها هي حركة مبالغ بها، مما يجعله يحس بعدم الأمان، ويخلق لديه خوف من الحركة، وتصبح أنشطة -مثل؛ النظر إلى الأرض، أو نزول السلم، أو عدم تلامس القدمين مع الأرض- مقلقة له، وربما مرعبة، لذلك يميل الشخص إلى الخمول وقلة الحركة.

أمّا الحساسية الناقصة لمدخلات الحاسة الدهليزية فتجعل الجهاز العصبي المركز يصور للشخص أن الحركة العادية التي يقوم بها هي حركة بسيطة، مما يجعل تقدير الخوف من السقوط غير دقيقٍ عنده، كما يجعله غير مكتفٍ بالحركات العادية -والتي يفسرها على أنّها بسيطة- فيحاول البحث عن المزيد من المدخلات الحسية الدهليزية، ويكون بحثه على شكل حركة زائدة، مثل؛ القفز، أو تحريك الرأس في عدة اتجاهات، أو تسلق المرتفعات العالية، أو لعب عنيف على الأرجوحة، أو الجري العشوائي.

وهذه الحركات السابقة ليست بالضرورة دالة على اضطراب حسي دهليزي، ومن الممكن أن تكون ناتجة عن أسباب أخرى، لذلك وفي حال وجودها يتوجب على الأهل إجراء الاختبارات المناسبة لتقرير أسبابها الفعلية.

التشخيص

إنّ الشخص المخول بتقرير وجود اضطراب المعالجة الحسية من عدمه هو أخصائي العلاج الوظيفي، وذلك بعد إجراء اختبار مقنن، وأشهر هذه الاختبارات؛ اختبار التكامل الحسي والمهارات الأدائية SIPT، أو القائمة الحسية Sensory Checklist، أو الملف الحسي Sensory Profile.

أهمية العلاج

إنّ اختلال معالجة المدخلات الدهليزية له العديد من التبعات التي تطال مهارات ومهام أخرى يجب على الطفل تعلمها، فهي مهمة في حفظ التوازن، والتخطيط الحركي؛ فالطفل الذي يواجه تحدي في تقدير مكانه الصحيح سيواجه تحدي أكبر عند رسم تصور حركي لمهمة ما يريد القيام بها، ورد الفعل الوقائي أيضًا يحتاج معالجة سليمة للمدخلات الدهليزية، ورد الفعل الوقائي هو حركة اليدين بشكل لاشعوري لحماية الجسم في حال السقوط في مختلف الاتجاهات، وهي حركة تتطلب الإحساس الدقيق بالسقوط.

يعتبر ضعف تطور مهارة التركيز، والحصول على مدة غير كافية من الانتباه أحد أهم تبعات اضطراب المعالجة الحسية -بشكل عام، وليس خاص فقط بالحاسة الدهليزية- وذلك لأنّ التركيز أساسي لتعلم كل المهارات لاحقًا، فالأكل واللبس واللعب كلها مهارات تحتاج مدة انتباه كافية للقيام بها.

ويعتبر اضطراب المعالجة الحسية واحد من أربعة مسببات للتحديات السلوكية التي يواجهها الأطفال المشخصين بالتوحد، والمسببات الثلاثة الأخرى هي: الهروب من أداء مهمة، ولفت الانتباه، ومحاولة الحصول على شئ مادي.

العلاج

الحركة هي علاج الأطفال المشخصين باضطراب الحاسة الدهليزية بمختلف أنواعه، لذلك نرى العديد من الأرجوحات في غرف العلاج الوظيفي، لتوفر الحركة بمختلف أنواعها، ولكن للحركة العلاجية شروط يحددها نوع الخلل -زيادة أو نقص- فالأطفال الذين يفسرون المدخلات الحسية الدهليزية بعنف أشد -من يعانون من التفسير الزائد للمدخلات الطبيعية- ينبغي أن تكون الحركة العلاجية التي يستقبلونها بطيئة وضعيفة منتظمة، أمّا الأطفال الذين يفسرون المدخلات الحسية الدهليزية بدرجة أقل من شدتها الحقيقية -من يعانون من التفسير الناقص للمدخلات الطبيعية- ينبغي أن تكون الحركة العلاجية التي يستقبلونها سريعة وقوية وعشوائية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.