شعار قسم مدونات

الجيل الأعنف قادم.. فاحتووه (1)

blogs-الجيل الأعنف

الجيل الأعنف بصيغة أفعل، وليس العنيف، لأن الجيل العنيف يقوم بمهامه هذه الأيام على أكمل وجه، الجيل الأعنف لم يبدأ مهامه بعد، فهو ببساطة ما زال يقبع في سن لا يسمح له بالعنف، إنهم أطفال اليوم وهم رجال الغد.
 

إن الجيل العنيف الذي يمارس نشاطاته هذه الأيام بكل جدية وبشتى المبررات وفي كل بقاع العالم تلقى تربية عنفية نظرية لا مثيل لها في التاريخ، لقد تربى على العنف السينمائي المبثوث للعالم من هوليود وشبيهاتها، أفلام الأكشن والرعب والحروب التي يتلذذ فيها "البطل!" بتعذيب الضحية، يقطّعها قطعة قطعة، الصرخات تتعالى، الدماء تتناثر، لا يرحمها لأنه "بطل"، يواصل جلد الضحية، تموت فيحزن "البطل" حزنا كبيرا، ليس حزنه على الضحية، بل على انقطاع متعته.
 

البلايستيشن يتخطى الطفل فيه المرحلة التي تليها بعنف وقتل، يقوم بكل حركات العنف كتدريب "محاكاة"، كما يفعل الطيارون قبل الطيران الحقيقي، يقتل ويصدم الجنود والمارة بسيارته، ويسرق.. إلخ، وهو يستمتع بكل ذلك ويتفاخر بنجاحاته، وغير البلايستيشن الكثير من الألعاب تقوم بنفس الدور، كل ذلك لأشهر بل لسنوات طويلة.
 

إن هذه الثقافة العنفية نتلقاها رغما عنا، لأنه لا بديل للشباب الفارغ من ثقافتنا عن هذه الثقافة الغربية، فوضع الفن لدينا -في أغلبه- يبرر الانحلال أكثر، والتميع والتبعية والإمعية للغرب

سلطت على عقول العرب وغيرهم آلاف المقاطع التي تزرع العنف في العقول، وتنزع الخوف من القلوب، وتقلب مفاهيم الرحمة والبطولة والنجاح لمفاهيم أخرى مشوهة معيبة، آلاف المقاطع، بل هي ملايين بالفعل، ففي كل فيلم عشرات المقاطع المغذية للعنف بكل أشكاله، ليس هذا وحسب، بل إيجاد المبررات التي تجعل المتلقي عنيفا، وكيف تحول العنف لصناعة "ترفيه"؟!، أصار العطش فعلاً للارتواء؟!
 

ماذا تنتظر من شاب غِرٍّ تلقى هذه المشاهد القاسية وهو يضحك ويأكل البطاطس ويشرب البارد أو ربما قلد الأبطال الممثلين وشرب ما يذهب عقله حساً كما تذهبه المشاهد معنى، ماذا تنتظر منه؟! أتريده أن يخرج عابدا زاهدا؟! حمامة سلام؟!
 

إن هذه الثقافة العنفية نتلقاها رغما عنا، لأنه لا بديل للشباب الفارغ من ثقافتنا عن هذه الثقافة الغربية، فوضع الفن لدينا -في أغلبه- يبرر الانحلال أكثر، والتميع والتبعية والإمعية للغرب. للشباب كامل العذر في عدم حبهم للفن العربي واعتمادهم عليه؛ لأننا ينبغي أن نخاف على ذائقتهم وعلى وعيهم لو تقبلوه لأن غالبه بلا رسالة ولا هدف، ويسيطر عليه شرذمة لا تنتمي للفكر بأي صلة، ورغم محاولات البعض إلا أن مزاج الإنتاج لا يتغير.
 

تلقى هذا الجيل العنيف ثقافته العنفية من الإعلام، ومن الروايات، ومن الأفلام بشكل خاص، والبلايستيشن ووصيفاته، وأنا أقول الجيل أعني به الجيل فعلا بكل مكوناته وطبقاته، مسلمون ونصارى ويهود وغيرهم، أغنياء وفقراء ومتوسطي الحال وغيرهم، فتيان وفتيات.

ولقد كذب -والله- من قال إن المناهج التعليمية لدينا هي سبب العنف، إنه يكذب ويدري أنه يكذب، ولا يستحي أن يكذب، ولا يهمه العنف أصلا، بل ربما قام بتوظيف ظاهرة عالمية سببها الحضارة الغربية بكل تقلباتها "الترفيه والرأسمالية والتنصير والاحتلال.." ضد دينه وحضارته وأمته، يتغافل بقصد وبدون قصد عن كل أسباب العنف ومحركاتها الغربية الضخمة، ويتوجه لآية نزلت من عند أرحم الراحمين يتهمها بالعنف والتطرف والإرهاب، يقول عن حديث نبي رؤوف رحيم بأمته وبالناس أنه يحمل عنفا وتطرفا وإرهابا، يتناسى كل تلك السيول الهادرة بالعنف والبحار الشاسعة من المبررات للعنف. لقد أصبح الجانب النظري للعنف في أعلى مستوياته تاريخيا.
 

ها هم -الجيل العنيف- يقتلون ويقتلون ببطء شديد، يعذبون ويعذبون بإتقان لا مثيل له، تسمع بعد ذلك تكبيرات المسلم، وتثليثات المسيحي، أما اليهود فما هو بغريب عليهم، فلديهم خبرة عريقة في قتل الأنبياء!، فكيف بعامة الناس. بعد أن كنا في العقدين السابقين نرى الأمريكان يعذبون العراقيين في أبي غريب وغوانتنامو يسقونهم البول ويوهمونهم بالغرق، ونرى العصابات في أفريقيا تشوي لحوم الشباب وتأكلها مبتسمة منتشية، ونرى العنف الذي لا يتخيله حتى فرعون ولا هتلر تمارسه روسيا والصرب والصين و غيرها ضد المسلمين، لكنّ أغلبها كانت تُروى ولا تُرى.
 

بعد هذا كله أصبحنا نرى في هذا العقد عنفا لا يتخيله فنان، ولا يتصوره عاقل، عنف يقول للعنف السابق أنت أقل وأنت لا شيء، يحمل إلينا اليوتيوب يوميا مشاهد جهنمية، لتعذيب مريع، واستمتاع من "البطل!" الواقعي لا يستطيع تمثيله أفضل ممثل على الإطلاق، وذلك لأنه فعل حقيقي والفاعل يستمتع حقيقة لا تمثيلا.
 

ترى الشيعي يقطّع ظهر السني بموس ثم ينثر فوق جروجهم الملح الذي يلسعهم، ثم يدعس عليهم ببيادته، يستمتع بتوبيخهم وتوصيف الرصاصة التي سوف تخترق رؤوسهم بعد أن يرضى من تعذيبهم، وصاحبه الآخر يُعمل المثقب الكهربائي "الدريل" في رأس شاب مسكين، يدخل من صدغ لآخر، وهو يبتسم وينظر بعنف للشاب التالي ليرى الخوف في عينيه.
 

ترى الشباب الناعم يقوم بنحر إنسان بدم بارد، لا أدري هل يستطيع ذبح دجاجة فعلا، أشك في ذلك، لأن ثقافة العنف الهوليوودية لم تصنع عنفا ضد الدجاج بل ضد الإنسان

في المقابل تجد المتطرف السني ينتقم من الشيعي الذي في يده -وقد يكون كلا الضحيتين لا ناقة لهما ولا جمل-، يتلو بيانا في تعظيم شرع الله، ويذبحه بسكين غير حادة، يذبحه كما يتم ذبح الخروف، والعجيب أن الغرب المنافق يعتبر ذبح الخروف عنفا مع الحيوان! ويسكت عن هذا وذاك بل يضحك لهذا وذاك، وتجده معهما جميعا.
 

ترى الشباب الناعم الذي تشك أن يذبح دجاجة، يقوم بنحر إنسان بدم بارد، لا أدري هل يستطيع ذبح دجاجة فعلا، أشك في ذلك، لأن ثقافة العنف الهوليوودية لم تصنع عنفا ضد الدجاج بل ضد الإنسان، فما جاءت هذه الجرأة من لدن أنفسهم فجأة، والعنف ليس شجاعة، بل حالة نفسية مرضية وخلل شنيع في المفاهيم. لا بأس من القتل في المواجهة لأنها معركة، ولكن كيف تمسك بخمسين شخصا ثم تبدأ بنحرهم واحدا واحدا.
 

لا أنسى أبدا تلك المحادثة المقتضبة بين طفل سوري صغير يقول لجلاده السوري أيضا "يا عموه حد السكين الله يخليك من شان ما اتعذب" يقولها لأن ذلك "الرجل!" يقوم بذبحه هو ومجموعة من الأطفال واحدا تلو الآخر أمام ناظر الجميع، لا يمكن أن تتجرأ هوليود أبدا ولا غيرها على إنتاج مثل هذا المشهد، لكن زميل هذا السفاح كان يصور ويضحك.
 

لقد أصبح العنف ثأرا، يتم "الدعس!" المتبادل، والنحر المتبادل، وكل شيء متبادل، ما يعني أن هذه الظواهر في تزايد مستمر ولا يمكن أن تقف قريبا. هذا ما كان من حال الجيل العنيف، وهو بالنسبة للجيل القادم رحمة ولديه إنسانية ستكون مستقبلا مضرب المثل، حيث سيتحدث الجيل القادم أن قاتلا رحيما ممن سبقهم أجهز على ضحيته بعد أن عذبها ساعة واحدة فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.