شعار قسم مدونات

الرواية الفيلم والفيلم الرواية

blogs - movie
هذه "كن" المخرج التي تنفخ في سطورك أيها الكاتب، فإذا هي صور تنتشر، وإذا طين الكلام يغدو بشراً وشخوصاً، تقول للمشاهد عبر الفيلم، هذا أحسن تقويم السينما. فما هي العتبة التي تحتاجها الرواية لتنال شرف الخلق، وتغدو فيلماً حياً يرزق؟

كلما تدفقت الروح في قلم الكاتب، وأسال من مداده الخيال، وألبس عَظْمَ الكلمات، لحم الصور، كلما رجحت كفة هذه الرواية في تبوء مقعدها للإنتاج السينمائي. وكلما استفز الراوي بحبكته الروائية، العقدة السينمائية، كلما أصبحت الرواية محل الطلب للشاشة.

هناك ضرورات تخضع لها الرواية بشكلها الروائي، لتساير النص السينمائي، والتي قد تجور على رواية ألفية الصفحات، لصالح فيلم ساعتين من الزمن.

يقبل الجمهور الشغوف برواية حطمت مقاييس القراءة وتجاوزت الهوامش في مساحات البيع الى التصدر، على فيلمها المروج له للعروض القادمة، بشغف لا يقل عن قراءتها، وحلمهم أن يجسد مخرجهم، كل علائق الخيال التي تطورت في أذهانهم.

وينقسم الجمهور عادة بعد المشاهدة، إلى مبهور بتفوق الفيلم على الرواية، أو إلى مخذول بهبوط الفيلم دون مستوى الرواية ،فما الذي حدث فعلاً؟

حتى نقيم ميزان العدل في الحكم على فيلم الرواية، علينا أن لا نطفف في الحكم المسبق، وأن نسلم بقاعدة أساسية، تريح كاهل المخرج والمشاهد على حد سواء، وهي أن الفيلم عبارة عن خيال مخرج اجتمعت ظروف الانتاج على اختياره دون غيره، فهي ليست الرؤية الوحيدة، وليست الخيال الأعظم، وإن كان للمخرج باعٌ في إخراج الأفلام المبنية على الرواية بشكل خاص، إلا أن الغابة الموصوفة بين ثنايا السطور، ليست هي ذات الغابة المتخيلة في عقل كل قاريء للرواية، وإن شخصية جرونوي في رواية العطر اقتربت الى حد كبير، من صورتها في " Ben Whishaw"، بيد أن أنفه أصغر مما كنا نتوقع، والذي هو محور المعجزة وبطولة الفيلم.

وهل يعقل أن العظمة في ثنايا da Vinci code ذات السر الديني المقدس، يمكن تنتهي بفيلم، خذل الكثير، وحصل على تقييم 5.5 من أصل رواية داون بروان التي ملأت السمع والبصر، والفيلم منذ اللقطة الاولى يتجاوز الرواية، مِن إيقاظ البطل عبر اتصال من الشرطة له، إلى لقاء الشرطة له بعد إنهاء خطاب له والحديث معه في الفيلم .

هناك ضرورات تخضع لها الرواية بشكلها الروائي، لتساير النص السينمائي، والتي قد تجور على رواية ألفية الصفحات، لصالح فيلم ساعتين من الزمن، ولما كانت كل صفحة نصية من السيناريو حسب القوام المعتمد تساوي دقيقة على الشاشة، فإن هذه الرواية الألفية ستغدو مئة وعشرين صفحة، فأين يذهب المخرج بالتفاصيل والأحداث وفائض الوصف وجميل الإسهاب.

إن الرواية أدب رفيع، يشكل تفتتاً داخلياً يحمل قالباً قصصياً أو خيطاً درامياً، وكلما توطدت علاقة الراوي بخياله كلما اتجهت هذه الرواية لجذب أنظار السينمائيين.

قد ينتصر القارئ للنص في صيغته الروائية لكن ينتصر المشاهد للرواية في صيغتها الفيلمية، خاصة وأنها ستتخلص من الملل وتكثف الأحداث وتضغط الزمن، وأما التفاصيل المُمعَن في سردها في الرواية فإنها تأخد شكلها على الصورة في ثواني معدودة ربما، وتكون قد تجاوزت الصفحة ونيف في الرواية المكتوبة.

ويطال هذا التعديل السينمائي تفاصيل القصة التاريخية أيضا، دون الإخلال في السياق التاريخي والتسلسل الزمني، ومع التركيز على شخوص دون إبراز كل ما تطرقت له القصة. فالفيلم يحكي نهاية حكاية البطل وليس رواية قد تتشعب في الأبطال .

إن الرواية أدب رفيع، يشكل تفتتاً داخلياً يحمل قالباً قصصياً أو خيطاً درامياً، وكلما توطدت علاقة الراوي بخياله كلما اتجهت هذه الرواية لجذب أنظار السينمائيين. إن المسافة بين السرد العادي والخيال الجامح هي المسافة بين رف المكتبة وشاشة السينما، فإما أن تبقى الرواية على رف القرّاء، أو تغدو فيلماً مبنياً على رواية، based on a novel. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.