شعار قسم مدونات

البغدادي.. نهاية المغامرة

blogs-البغدادي
ليست سوى الموصل والرقة، وبعض المدن والقرى المتناثرة هنا وهناك في كل من العراق وسوريا، هي كل ما تبقى من دولة الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي في يوليو من عام 2014 في خطبته الشهيرة بجامع النوري في مدينة الموصل التي استولى عليها التنظيم في يونيو عام 2014، بعد أن كانت دولة البغدادي تمتد على مساحة تتجاوز مساحة دول عظمى.
 

كنت من المؤمنين من بداية ظهور تنظيم الدولة الاسلامية، أن هذا التنظيم بما عرف عنه من تطرف وصل حد التوحش في التعامل مع الخصوم، لم يكن أكثر من ردة فعل عنيفة على مسيرة سنوات من القمع والاضطهاد والقتل والترويع والوحشية التي مورست، سواء بحق العراقيين عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003، أو بحق السوريين بعد أن انتقم بشار الأسد من شعبه المطالب بالحرية أبشع انتقام.
 

ولكن إيماني هذا لم يمنعني من القول دائما أن " الخلافة" وإقامة دولتها بهذا الفكر وهذه اللأدوات لن يطول وأن القصة كلها ليست سوى مغامرة قام بها حاقدون، ناقمون منتقمون، ووجدت لها صدى في نفوس متحمسين آخرين، صدقوا أنه بات للخلافة دولة وبالتالي وجب الدفاع عنها.
 

لم ير تنظيم القاعدة إلا نفسه، أقصى كل الأطراف الأخرى في المناطق التي سيطر عليها، سواء في العراق أو سوريا، ليجد نفسه وحيدا بعد أن خلق له بدل العدو الواحد عشرات الأعداء

تشير خارطة ظهور البغدادي على مسرح أحداث القصة، إن أول وآخر ظهور له كان عندما أعلن دولة الخلافة في جامع النوري وسط مدينة الموصل في الخامس من يوليو تموز عام 2014، وعقب ذلك لم يسجل أو ينشر التنظيم أي فيديو جديد للبغدادي ما خلال التسجيل الصوتي النادر له في العام 2015 عقب تقارير تحدثت عن وفاته بغارة أمريكية ليكذب تلك الشائعات التي تحولت بعد ذلك إلى حديث عن إصابته وعدد من مرافقيه.
 

لم يظهر البغدادي مؤخرا كما أشاعت وسائل إعلام عراقية تحدثت عن ظهوره بمدينة الموصل عقب ما قالت إنها اضطرابات حصلت في المدينة بعد أن بدأت طبول الحرب تقرع لاستعادة المدينة من قبضة التنظيم، واتضح أن كل ما نشرته تلك الوسائل الإعلامية لا يعدو عن كونه جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التي تخوضها بغداد ضد التنظيم.
 

البغدادي مختف عن الأنظار، ويبدو أن هذا الاختفاء سيطول، خاصة وأن معركة الموصل باتت شبه جاهزة للانطلاق، وحصون المدينة لن تكون كافية لتحصينها من الدخول العسكري الذي سيكون لابد مصحوبا بقوات أمريكية، والسبب أن هذا التنظيم لم يتمكن من بناء قاعدة شعبية قادرة على احتضان أفكاره. لقد فشل البغدادي، كما فشل من قبله أبو مصعب الزرقاوي، في ايجاد حاضنة شعبية، فلقد هزم البغدادي وتنظيمه نفسيهما قبل أن تهزمهما أية قوة.
 

لم يحسن التنظيم التعامل مع أهالي المدن والمناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، فلقد تعامل بوحشية مفرطة مع أهالي تلك المناطق، وطبق بالقوة وحد السيف حدود الشريعة، والتي طالما كان ولاة الأمور عبر العديد من القرون الإسلامية الماضية، يعطلونها لأسباب مختلفة، ولم ير التنظيم إلا نفسه، وهمش وأقصى كل الأطراف الأخرى في المناطق التي سيطر عليها، سواء في العراق أو سوريا، ليجد نفسه وحيدا بعد أن خلق له بدل العدو الواحد عشرات الأعداء.
 

البغدادي، الحالم بإقامة خلافة إسلامية، لم يدرك وهو يخطب من على منبر الجامع النوري في الموصل، أن للأحلام سبل غير تلك التي سلكها، ولم يحسن الاستفادة من أخطاء الحركات الجهادية التي خرجت قبل، بل جاء ليكرس خطأ أكبر من خطأها.
 

إذا ما استمرت سياسات بغداد في تهميش وإقصاء العرب السنة، فإن الحديث عن نهاية التطرف لن يعدو عن كونه أمنيات

مغامرة البغدادي آيلة للسقوط، وهي كانت كذلك منذ أن أعلنت، لولا أن القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا رأت فيها فرصتها لتحقيق مآربها، سواء بالعودة العسكرية للعراق، أو بمحاصرة الأفكار، فكر القاعدة الذي يقوم على استهداف الغرب من خلال إتاحة الفرصة للقاعديين للالتحاق ب "أرض الخلافة" التي صنعها البغدادي.
 

البغدادي وتنظيمه يتقهقر، وهو اليوم أقرب إلى مغادرة أراضيه التي احتلها، ولكن السؤال كيف سيتعامل المحتلون الجدد لمدينة الموصل أو الرقة؟ أهمية السؤال تكمن في أن طريقة التعامل ستحدد مصير فكر تنظيم البغدادي، فإذا ما استمرت سياسات بغداد في تهميش وإقصاء العرب السنة، فإن الحديث عن نهاية التطرف لن يعدو عن كونه أمنيات.
 

البغدادي بدأ فعليا بحزم حقائب الرحيل، وربما يكون فعلا قد يمم وجهه شطر مكان آخر حتى قبل أن تبدأ معارك الموصل والرقة، لتنتهي أو تبدأ بعد ذلك فصل آخر من فصول ضياع الأمة، وضياع طاقتها، فظل غياب أي مشروع يمكن له أن يكون بديلا لمشاريع البغدادي وأمثاله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.