شعار قسم مدونات

بين الآت@ والهاش#

blogs - social media
لا يخلو يوم، لا بل تمر ساعة واحدة، دون أن أستخدم وكثيرون مثلي بعضاً من الرموز التي صارت أوكسيجين لا أستطيع دونه الحياة على كوكب الإنترنت أو في عالم التكنولوجيا. أبرز هذه الأيقونات @ أو آت، التي ترتبط بشكل وثيق بعناوين البريد الإلكتروني وبعدها صارت علامة للدلالة إلى شخص أو حساب معين "Mention". 
 
أساء كثيرون استخدام @ في غير موقعها وامتد سوء استعمالها إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتى صارت عبارة "منشن" لازمة على كل لسان.

تعددت الروايات بشأن أصل علامة @ وبينها أنها تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي وظهرت في وثيقة تاريخية دينية اختصاراً لكلمة "آمين" (Amen). وفي رواية أخرى، تبين أنها ترمز إلى وزن ٢٥ باوند "Arroba" بالإسبانية والبرتغالية المشتقة أصلاً من كلمة "الربع" بالعربية. لكن الأكيد أنه ومنذ مطلع السبعينيات صارت @ جزءاً لا يتجزأ من عناوين البريد الإلكتروني. ويحسب لتويتر أنه عزز استخدام @ منذ ولادته في 2006 للرد على المتابعين أو الإشارة إلى أحد المغردين.

احتلت @ حيزاً كبيراً من حياتي اليومية حتى صارت تطاردني على لافتات المحال التجارية ونوافذ السيارات وبطاقات العمل للأفران والبقالات ومحال الاتصالات والملابس المقلدة للدلالة ربما على التطور ومواكبة التكنولوجيا.

أساء كثيرون استخدام @ في غير موقعها وامتد سوء استعمالها إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتى صارت عبارة "منشن" لازمة على كل لسان وما أكثر من عبارات "منشن فلان أو فلانة". ولعل مستخدمي موقع تويتر يجدون أنفسهم ضمن حوارات ونقاشات وتراشق اتهامات لا ناقة ولا جمل لهم فيها لمجرد أن قرر أحدهم أن "يمنشنهم" في تغريدة معينة. والأمر ذاته في فيسبوك حيث أرى الإشارة إلى حسابي في تعليقات وصفحات ودعوات لمجموعات من حيث لا أدري. وحديثاً جداً اعتمدت مجموعات المحادثة في واتساب على خاصية الإشارة إلى عضو معين عبر علامة @. ولهؤلاء جميعاً أقول إن الآت منكم براء.

ويا حسرة على الـ# أو الهاش، فحالها لا يختلف عن جارتها الآت باستثناء أن # تسكن في الشقة رقم 3 و@ في شقة رقم 2 في عمارة الكيبورد.

وكما أن الآت ابنة أصول فالهاش أيضاً لها حسب ونسب حيث تشير المراجع إلى استخداماتها في كتابة برمجيات الحوسبة منذ السبعينيات، وكانت لها مكانتها التقنية أيضاً في شبكة "IRC" للمحادثة. أما زواجها بالوسم أو "Tag" فحصل على يد المبرمج كريس ميسينا في أغسطس/آب 2007 حيث أنه أول من استخدم هاشتاغ (Hashtag) على موقع تويتر.

سهلت خاصية الهاشتاغ على مستخدمي تويتر عملية البحث عن مواضيع أو كلمات أو عبارات معينة. كما أتاحت للمغردين إمكانية تنظيم حملات مطلبية تحت وسم معين أو النقاش بشأن قضية ما أو تبادل الآراء والتغريدات حول موضوع محدد. ووصل الأمر في أحيان كثيرة إلى أن أصبح الهاشتاغ رمزاً لقضية مثلاً ثورة 25 يناير في مصر (#Jan25) أو وسم "#JeSuisCharlie" في فرنسا تضامناً مع الصحيفة الساخر شارلي إيبدو.

وعلى قاعدة الناسخ والمنسوخ بين مواقع التواصل المتنافسة، نسخت مواقع أخرى خاصية الهاشتاغ وأبرزها فيسبوك وانستغرام. وبما أن الهاشتاغ لا جمرك عليه، انبرى مستخدمون كثر إلى تحويل كل كلمة في تغريدتهم أو تدوينتهم المصغرة إلى هاشتاغ. أما على انستغرام فحدث ولا حرج، فصار شرح الصورة أو الكلمات المرافقة لها كلها هاشتاغ.

وبصراحة مطلقة لقد وقعت في بادئ الأمر في فخ الاستخدام الخاطئ للهاشتاغ على تويتر وانستغرام لكنني سرعان ما تنبهت إلى أن الإكثار من كتابة الهاشتاغ لن يحقق للتغريدة أو الصورة الانتشار الأكبر إذ أن خبراء ومحللين وحتى موقع تويتر ذاته يوصي بعدم استخدام أكثر من اثنين هاشتاغ في التغريدة الواحدة إذ أن كثرة الهاشتاغ ستصنف التغريدة على أنها من الرسائل المؤذية (Spam).

لا بد من مواكبة التطور والعالم الرقمي ومحاربة أمية الإنترنت والتكنولوجيا بيد أنه يفترض الاستفادة منها على الشكل الأمثل لا الوقوع في أفخاخ الأخطاء.

ومع أن ابتكار الهاشتاغ كانت له أهداف خالصة كما بينت أعلاه، إلا أنه صار حاضراً في الأفراح والأتراح، فصرنا نتابع صور حفلات الزفاف مصحوبة بهاشتاغ اسم العريس والعروس. والأغرب من ذلك أن يحضر هاشتاغ في مؤتمر متخصص أو صرح علمي مع دعوة لاستعماله على مواقع التواصل بدلاً من الإصغاء والتفاعل مع المتحدثين. ولن أستغرب يوماً إذ دخلت إلى صلاة الجمعة ووجدت الإمام واضعاً هاشتاغ معين داعياً المصلين إلى رفع أكف الضراعة على مواقع التواصل مؤمنين على دعائه بالهاشتاغ.

وانتشر استخدام الهاشتاغ على نحو واسع حتى كاد لا يخلو إعلان مطبوع أو مرئي دون وجود هاشتاغ كما وأنه علامة التقدم التطور. واشتق معشر المغردين من كلمة هاشتاغ فعل "هشتغ فلان أو فلانة" وذلك بما يفيد شن حملة على شخص معين من خلال وسم اسمه بهاشتاغ حتى صار لسان حال المشاهير والشخصيات العامة اللهم نجنا من عذاب الهاشتاغ.

لا بد من مواكبة التطور والعالم الرقمي ومحاربة أمية الإنترنت والتكنولوجيا بيد أنه يفترض الاستفادة منها على الشكل الأمثل لا الوقوع في أفخاخ الأخطاء، وإن التبس علينا شيء، فالقاعدة تقول اسألوا أهل الإنترنت إن كنتم لا تعرفون ومرجعنا الكبير العلامة غوغل. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.