شعار قسم مدونات

في لذة العزلة

blogs-الحلم

لم أكن أعلم حينها أن ما يكمن داخلنا من عواطف حزينة ستمدنا بطاقة هائلة، وقدرة على تخطي أي منعطف سيء نمر به، إذ سنعاود أن ننزح تجاه ذواتنا من جديد .

تمر بك أوقات تحس فيها أن روحك تسلب منك نحو الأزل، ويملأ الصمت جميع حواسك بعد حدث ما مررت به، أو بعد موقف صدمك بشيء معين لم تتوقع حدوثه يوما.

حافظ على ابتسامتك دائما، وكن حريصا على أن تبث الأمل وضحكات الروح في كل من حولك

ربما فقدت عزيزا ما، أو فشلت في أول خطوة تخطوها لطريق نجاحك الذي أبدعت في رسمه، فتقف حائرا لا تقدر على على أن تبوح بألمك لشخص معين لكي يهون عليك ويشحذ همتك من جديد ولا تقدر أيضا أن تسترد سعادتك التي تنساب منك وأنت تنظر.

من المرجح لدى الكثير بعد الإنغماس بهذا الكم الهائل من الإحباطات المتتالية تفضيل الوحدة والإنغلاق على الذات، بالتالي ستختار الانعزال لتخلو بروحك بعيدا عن أي شيء من تفاصيل الواقع، وربما لتحاول زرع الخيبات في نفسك حتى لو لم تكن موجودة.

ومما لاحظت مؤخرا أن الكثير من الناس يستمتعون بالأسى والحزن والغموض، ويرون فيه خروجا عن المألوف، إذ يظنون أن هذا الشعور سيخلق لهم أجوائهم الخاصة وسيجعل الجميع ينظرون إليهم بمنظور مختلف، وسيهتمون بهم!

ومن المؤكد أن هذا فقط ضرب من الجنون، فلو حكم كل واحد منهم عقله، لوجد أن في هذا الوحدة سبيلا لسعادته لم يكن يعلمه من قبل..

من وجهة نظري الخاصة إن امتلاك إمكانية العزلة له بعدان، الأول قدرتك على تجاهل ما مر عليك من أناس سيئين، وتجاهل تصرفاتهم ومواقفهم التي زرعت في نفسك خيبة أمل كبيرة ستقاوم من أجل أن تتخطاها، والآخر سيكون سلبيا نوعا ما، لأن الانعزال ليس دائما الحل الأمثل لمثل هذه الأمور، وستحكم على نفسك أن لا أحد يستحق أن تعيش لأجله، أو أنه مهما تقاوم لن يتحقق ذاك الحلم الذي حلمت به، وذاك النجاح الذي لم تستطع في بداية طريقك أن تنجزه.

ولكن إن كنت فعلا ترجو الإستمرار في السير تجاه حلمك، وتخطي كل ما مررت به من أحداث سيئة سواء أكانت محاولة فشلت بها، أو شخصا صدمت به أو أي شيء كان، فإنك ستجد في تلك الفترة التي ستقضيها مع نفسك طرقا وأساليبا كنت غافلا عنها، وكنت تحتاج لصدمة ما كي تتنبه لها، وتعي نفسك من جديد.

إن هذه الفترة مميزة كي تعيد ترتيب أوراقك وتحدد الصواب من الخطأ، وأين كانت نقاط ضعفك لكي ترممها وتستخدمها لمصلحتك فيما بعد، وفي هذه الفترة فكر أيضا تفكيرا عميقا بكل شخص يرجع بك إلى الوراء ويبث فيك كما هائلا من السلبيات والألم، و يجعلك تدور مع نفسك في مماحكات فارغة.

نحن من نحكم على أن أنفسنا أن نعيش سعداء ونرفرف بكل حواسنا عاليا، أو أن نعيش ونتعايش مع قصة بؤس على الأغلب تكون مصطنعة

حاول قدر الإمكان أن تبتعد عن وهم هؤلاء المبعثرين، وإياك أن ترتطم بشظايا خيباتهم التي يحاولون زرعها فيك، وعش كما تريد أنت لا كما يريدون، وكن حريصا على أن لا تنتظر مدح أحد أو أن تنتظر أن ينقذك شخص ما من مأزق وضعت فيه.

انهض وابدأ من جديد، إياك أن ترتاح وإياك أيضا أن تتعب من قلة إرتياحك..ابحث.. اسأل.. اقرأ.. اترك أثرك وبصمتك التي لن تنسى، وإياك أن تعيش قصة أحد سوى نفسك.

ولكي تكتمل معك كل النقاط السابقة وتحقق الفائدة المرجوة من تلك الفترة التي انعزلت بها.. حافظ على ابتسامتك دائما، وكن حريصا على أن تبث الأمل وضحكات الروح في كل من حولك .. ولا تتكلف قصة حزن لن تقوى عليه فيما بعد ..

الخلاصة.. نحن من نحكم على أن أنفسنا أن نعيش سعداء ونرفرف بكل حواسنا عاليا، أو أن نعيش ونتعايش مع قصة بؤس على الأغلب تكون مصطنعة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.