شعار قسم مدونات

لعاشقاتِ المحقق كونان..!

blogs-الشك
قد لفت نظري خبرٌ قرأته مرةً في إحدى الصحف الإماراتية عن الغرامة المفروضة على امرأة وقيمتها 150 ألف درهم إماراتي لتفتيشها هاتف زوجها واقتحامها خصوصيته ونقل الكثير من صور هاتفه إلى هاتفها، تساءلتُ حينها ما الذي يدفع زوجة إلى مثل هذه التصرفات الاستكشافية وما الفائدة من إنتهاكها لعالم زوجها المستور غير المُعلن عنه؟

 

لِمَ لا نقتنع ب "قشور" البشر ولا نغص في اللُّب والحشايا؟؟ ألا نخشى أن نجد في الداخل ما لا يسرُّنا من أسرارٍ خفايا؟! لا ننكر أننا في هذا الزمن التكنولوجي المتسارع شهدنا قصصاً كثيرة عن خيانات إلكترونية لا حصر لها ولا عد، على الرغم من أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الشات المختلفة اختصرت المسافات وقربت أفراد العائلة المغتربين من بعضهم البعض وساهمت في تعزيز لغة الحوار بين الشرائح المثقفة من البشر.
 

من يجعل نيته صافية عندما يتعامل مع البشر لن يفكّر بشكل سلبي في الجانب المستور من شخصياتهم، لن يُهدر وقته وسنين حياته وهو يحاول إثبات أنهم سيئون ولا يستحقونه.

إلا وأنها سلاحٌ ذو حدين والكثير من الناس استخدموها في محرمات وذنوبٍ ولأغراض الدردشة غير البريئة ليظهر مصطلح" الجنس الإلكتروني" أو "cyber sex" والذي يعتمد على الخيال يبدأ بفضولٍ ودلع، وينتهي بإدمانٍ بشعٍ وولع، يرى المرتادون عليه أنهم مستورون ولا يراهم أحد وهم يمارسونه، غافلين عن قوله تعالى "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا".
 

ويُعتبر شك المرأة في زوجها أو العكس من أخطر الأمور التي تعكّر صفو الحياة الزوجية وتهدد أمنها واستقرارها وديمومتها، فانعدام الثقة يزلزل أعمدة الزواج الأساسية، فمن الصعب أن تتشارك الحياة مع إنسانٍ لا تستطيع الوثوق به، تلاحقه وتتبع كل تصرفاته وتُنهك طاقتك كلها في كشفِ ما يُخفي من حقائق، وينقسم الشك إلى ثلاثة أنواع:

1- الشك العادي المقبول: فكل شخص يحتاج إلى درجه بسيطة من الشك لحمايته من الوقوع في بعض الأخطاء، والتأكد والتيقن من الأمور قبل الإقدام عليها خاصة إذا كانت مبنية على خبرات سابقة، أو توقعات اكتسبت من خبرات الآخرين.

2- الشك الملازم للإنسان: فالشخص الذي يتصف بهذه السمة يجد صعوبة كبيرة في التواصل الاجتماعي مع الناس حتى أقرب الناس إليه في كثير من الحالات عليه تتسم الشخصية الارتيابية "الشكاكة" بالعلامات التالية :
– الشك بدون دليل مقنع بأن الآخرين يستغلونه أو يريدون له الأذى أو يخدعونه.
– شكوك مسيطرة في ولاء أو إمكانية الثقة بالأصدقاء والزملاء.
– التردد كثيرا في إطلاع الآخرين على أسراره خوفا من أن تستغل يوما ما ضده بشكل أو بآخر.
– تفسير الأحداث بأنه يقصد منها شيئا أو أن وراءها نوايا خبيثة.
– الحقد المستديم وعدم القدرة على الصفح والغفران.
– يرى في أي شيء يحدث من حوله تعديا عليه أو إساءة له.
– شكوك متكررة في الزوج أو الزوجة من دون دليل واضح.

3- الشك المرضي: وفيه يعاني الفرد من أوهام اضطهادية يعتقد من خلالها أن الآخرين يريدون إيذاءه وأن هناك مكائد ومؤامرات تحاك ضده، وهذا الشك لا ينمو مع المرء منذ صغره ولا يشمل جميع الناس وجميع جوانب الحياة، بل يركز على فكرة معينة تصل إلى درجه الاعتقاد الجازم، كما أنها قد تصبح شغله الشاغل ويصبح همه دعمها بالأدلة وجمع البراهين، ورغم عدم وجود دليل كافي على هذا الاعتقاد فإنه لا يمكن لأي شخص إقناع المريض بأن هذا الاعتقاد غير صائب، وعادة ما يقوم المريض بالتصرف بناء على اعتقاده الخطأ، فمثلا عندما يتمحور الشك المرضي حول خيانة شريك الزوجية فإنه يقوم بالتجسس على زوجته ومراقبة التلفون والعودة من العمل في غير الوقت المعتاد لإيجاد دليل على اعتقاده الخطأ.
 

ما من جريمةٍ كاملة، وما من مجرمٍ يفرُّ من العقاب طويلاً، كل إنسان خدع وظلم وغدر بغيره ولم يتب أو يرتدع سينتقم الله منه، فهو تعالى يمهل ولا يهمل

من قواعد إسلامنا العظيمة تحريمه للتجسس وتتبع عورات الخلق مهما كان السبب، فالآيات الكريمة التالية "ولا تجسسوا"، "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم" تؤكد حرص ديننا على خصوصيات الآخرين ومساحاتهم الشخصية، كم من زوجة لاحقت زوجها وأصبحت "المحقق كونان" وهي تحاول إثبات جرائمه في حقها، وعندما تصدق ظنونها به تقفُ حائرة وسط تيارات متضاربة من الحزن والصدمة والذهول لتقرر بعدها الصبر واحتساب أمرها لله حرصاً منها على أبنائها حتى لا يصبحوا ضحايا لمصيدة الطلاق، لِمَ لم تفكر هكذا منذ البداية بعقلانية وتترك التقصي والبحث والتحري؟
 

على كل امرأة تشك في سلوكيات زوجها أن تتبع اسلوب النصح والإرشاد غير المباشر فمواجهة الزوج بما فعل وفضحه قد تجعله يصرُّ على أفعاله الشنيعة ويضرب بنكد زوجته عرض الحائط، فالتطنيش الإيجابي من قبل الزوجة والحكمة والتأني أمورٌ تساهم في علاج المشكلة دون خسائر فادحة، مع أنّ عدد لا بأس به من النساء يخترن الانفصال لعدم قدرتهن على تحمّل ما رأيْنه.
 

لو نظرنا لأكثر الناس سعادة ونجاحاً في هذه الحياة هم أولئك الذين تركوا ملاحقة الآخرين وتتبع أخبارهم المخفية وأسرارهم المطوية، فالإنسان العاقل يحسن الظن بالناس وينظر إلى الوجه المكشوف ويترك المخفي لرب العباد، وعلى نياتكم تُرزقون، من يجعل نيته صافية عندما يتعامل مع البشر لن يفكّر بشكل سلبي في الجانب المستور من شخصياتهم، لن يُهدر وقته وسنين حياته وهو يحاول إثبات أنهم سيئون ولا يستحقونه.
 

ما من جريمةٍ كاملة، وما من مجرمٍ يفرُّ من العقاب طويلاً، كل إنسان خدع وظلم وغدر بغيره ولم يتب أو يرتدع سينتقم الله منه، فهو تعالى يمهل ولا يهمل، والله لا يرضى لعباده أن يناموا على وسائدهم مظلومين، تعهّد بنصرتهم ومساندتهم ودعمهم، دع الخلق لخالقهم فهو الحسيب الرقيب الخبير بأفعالهم وتصرفاتهم في الخفاء.

من يشك ويعتقد أن غيره يخدعه ويرتكب في حقه جناية مستترة سيكون له ذلك، فكم من قصصٍ مغمورة بالمحبة والود، ضاعت في دوامة الشك وتلك الغيرة الزائدة عن الحد

لا نملك سوى الدعاء بالهداية لكل شخصٍ يخون ويخفي أمراً يغضب الله، ولكل إنسان يشك ويفضح أسرار من حوله، فلنترك التنقيب عن عيوب الغير وننظر للخير الذي يسكنهم، ونغض الطرف عن أخطائهم ونحاول أن نأخذ بأيديهم إلى المولى عز وجل ونقف إلى جانبهم ليعبروا الحياة بسلامٍ، فإنَّ من أسوء الأمور معاملتنا للبشر من حولنا على مبدأ التجزئة، فنقسّم صفاتهم لجزيئات صغيرة ونفرزها للسيء والجيد، حريُّ بنا التعامل مع بعضنا بمبدأ الانطباع العام فقط، فننعتُ فلان بالجيد والسيء بناء على سلوكه ككل وليس تفاصيل شخصيته المخفية.
 

آمنوا بقانون الجذب! هو ليس وهم ولا خرافة ولا يتعارض مع ديننا وعقيدتنا!، واحرصوا على التفكير بما يسعدكم لتحصلوا عليه، ابتعدوا عن كل ما يعكّر صفو حياتكم حتى لا تجذبوا الهموم والأحزان، فلقد خُلقتم حتى تكونوا سعداء، فمن يشك ويعتقد أن غيره يخدعه ويرتكب في حقه جناية مستترة سيكون له ذلك، فكم من قصصٍ مغمورة بالمحبة والود، ضاعت في دوامة الشك وتلك الغيرة الزائدة عن الحد، والقاعدة المهمة في الحياة:

من يحبك لن يتركك ويرحل بحجة أن سيئاتك لا تُحتمل
لن يلاحق عيوبك وعثراتك ومن سلوكك يتململ
لن يطالبك أن تضع جناحين وتصبح ملاكاً لن يرغمك أن تتغير
بل سيصبر ويلتصق بك فهو يعشقك كما أنت دونما حاجة لأن تتجمل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.