شعار قسم مدونات

النظام الرئاسي على الطريقة التركية

blogs - erdogan
"قطار التعديل الدستوري للانتقال إلى النظام الرئاسي انطلق".. هذه الجملة تتكرر في تقارير وسائل الإعلام التركية وتحليلاتها، منذ أن أعطى رئيس الحركة القومية المعارض دولت باهتشلي ضوءا أخضر لتمرير مشروع التعديل الدستوري من البرلمان وعرضه على الاستفتاء، ليقول الشعب التركي كلمته، ويحسم النقاش الذي يشغل الرأي العام التركي في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى أن تنشغل بملفات أهم من هذا النقاش وأكثر حساسية.
 

تركيا بحاجة إلى دستور جديد، إلا أن الأوضاع السياسية الراهنة لا تسمح بصياغته وتمريره من البرلمان، لأن الأحزاب السياسية المتمثلة في البرلمان التركي لا تتفق على مواد مسودة دستور جديد، لاختلاف الآراء والتوجهات السياسية والأيدلوجيات. وسبق أن تم تشكيل لجان لصياغة دستور جديد، ولكن المحاولات فشلت لذات السبب، وهو ما يعني أن تبديل الدستور الحالي بآخر جديد مهمة شبه مستحيلة، في ظل عدم امتلاك أي حزب في البرلمان 330 مقعدا لتمرير مشروع دستور جديد من البرلمان وعرضه على الاستفتاء.

إن تمت الموافقة على التعديل الدستوري في البرلمان والاستفتاء الشعبي فهذا سيعني إقرار الأمر الواقع دستوريا.

يبقى الخيار الأقرب لحل المشاكل المتعلقة بالدستور هو إجراء تعديل جزئي يشمل بعض المواد. وهذا الخيار هو المطروح حاليا أمام اللجنة المكونة من نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، لإنهاء النقاش الدائر حول الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

حزب الحركة القومية يرفض تعديل المواد الأربع الأولى للدستور التركي. وتنص المادة الأولى على أن الدولة التركية جمهورية، كما تنص المادة الثانية على أن الجمهورية التركية دولة قانون اجتماعية علمانية ديمقراطية تستند إلي المبادئ الأساسية التي نصت عليها مقدمة الدستور، وتلتزم بقومية أتاتورك، وتحترم حقوق الإنسان، في ظل مفهوم العدالة والتضامن القومي وأمن المجتمع.

وتنص المادة الثالثة على أن الدولة التركية، أرضا وشعبا، هي كيان واحد غير قابل للتجزئة، ولغتها هي اللغة التركية، وعلمها يتألف بشكله المنصوص عليه في القوانين ذات الصلة، من هلال أبيض ونجمة بيضاء على خلفية حمراء، ونشيدها الوطني هو "نشيد الاستقلال"، وعاصمتها أنقرة. وأما المادة الرابعة فتؤكد على أن المواد الثلاث الأولى لا يجوز تعديلها ولا الاقتراح بتعديل أي منها.

المعارضون للانتقال إلى النظام الرئاسي في تركيا لديهم تحفظات مختلفة على هذه الخطوة، ويتهم بعضهم الحكومة بالسعي لتحويل تركيا من الجمهورية إلى السلطنة، كما يتهمها آخرون بمحاولة تغيير النظام العلماني. ويبدو أن هذه الاتهامات سيتم تجاوزها من خلال عدم المساس بأي واحدة من المواد الأربع الأولى، والحفاظ على مسمى "رئيس الجمهورية"، مع إجراء تعديلات في صلاحياته ومسؤولياته.

النظام المعمول به حاليا في تركيا قد يعيد شبح الحكومة الائتلافية إلى المشهد السياسي في أي انتخابات برلمانية مقبلة، كما أن التداخل بين صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب وصلاحيات الحكومة المنتخبة يمكن أن يولد أزمات تعصف بالبلاد في حال شبت خلافات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء.

حزب الحركة القومية كان يدعو إلى إصلاح النظام البرلماني وتعزيزه، بدلا من الانتقال إلى النظام الرئاسي، لأن ضرورة إصلاح النظام الحالي يراها كل سياسي عاقل ومنصف. وأما حزب العدالة والتنمية فكان يدعو إلى بناء نظام جديد، وصياغة نموذج نظام رئاسي خاص بتركيا بعد دراسة نماذج النظام الرئاسي الموجودة في الدول الأخرى، بدلا من الانشغال بعملية الترميم والإصلاح. ويبدو أن الحزبين توصلا إلى حل وسط، وهو إصلاح النظام المعمول به وإعادة بنائه بما يحافظ على العلمانية والجمهورية ولكنه في الوقت نفسه يعد الانتقال إلى النظام الرئاسي ويحل مشكلة وجود رأسين منتخبين.

مشروع التعديل الدستوري الذي قدَّمه حزب العدالة والتنمية إلى حزب الحركة القومية لدراسته، يشمل إلغاء مؤسسة رئاسة الوزراء، وتعيين أعضاء الحكومة من قبل رئيس الجمهورية من خارج البرلمان، وفصل السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل كامل، ويلغي أيضا اشتراط استقالة رئيس الجمهورية من الحزب الذي ينتمي إليه.

وهناك تفاصيل أخرى ستتم مناقشتها في اللجنة المشتركة المكونة من نواب الحزبين لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع التعديل قبل تقديمه إلى البرلمان. وإن تمت الموافقة عليه في البرلمان والاستفتاء الشعبي فهذا سيعني إقرار الأمر الواقع دستوريا، بالإضافة إلى بعض التعديلات الطفيفة، لأن الجميع يعرف أن أردوغان لم يقطع صلته بحزب العدالة والتنمية وله سيطرة كاملة على الحكومة وقراراتها. وسيكون الانتقال إلى النظام الرئاسي على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.