شعار قسم مدونات

هل يترحم العرب على أيام أوباما؟

A picture of US President Barack Obama in Arab dress and President-elect Donald Trump in Jewish dress, displayed at a T-shirt store in the Old City of Jerusalem, Israel, 13 November 2016. Americans voted the republican party candidate Donald Trump on 08 November, to become the 45th President of the United States of America to serve from 2017 through 2020.

فكرياً، ينتمي أوباما لمدرسة يسارية ترفض فكرة بقاء أمريكا شرطياً للعالم وتعارض التدخل في شؤون الشعوب، ليس من أجل مصلحة أميركا التي أنهكتها الحروب وحسب، بل من أجل الأمم الأخرى ومصالحها.. تعتبر الفلسفة التي يؤمن بها أوباما أن أي تدخل أمريكي هو فعل يحاكي الإمبريالية واستغلال الشعوب، وهذا ما دفع أوباما إلى الانسحاب من العراق ومن التدخل في منطقة الشرق الأوسط، ولو كان الرئيس بيرني ساندرز سيكون الوضع بذات الكارثية لا بل أكثر من ذلك لتطرف الأخير بيساريته ورغبته في ترك الشعوب على سجيتها خاصة أنهم يعرفون أن شعوب المنطقة بالذات لا تحب أميركا..
 

يتجه اليسار الأميركي إلى عدم التدخل في شؤون منطقة الشرق الأوسط متناسياً أن الصراعات بين شعوب المنطقة أعمق بكثير وأكثر مصيرية من رفض شعوب هذه المنطقة للتدخل أو الوصاية أو الامبريالية الأميركية، فالعداء تجاه أميركا في هذه المرحلة من المعسكرين السني والشيعي في المنطقة إذا استثنينا داعش لا يكاد يتعدى كونه عداء لفظي إعلامي مرفوق دائماً مع محاولات من الطرفين لاسترضاء الطرف الأميركي للانحياز لصالحه، وفي نهاية مطاف إدارة أوباما اللاتدخلية اعتبر الطرفين أن أميركا منحازة ضدهم فأتباع إيران يرون في تلك المنظمات الإغاثية الأميركية التي دعمت المناطق المعارضة دعم أميركي للثورة، و معسكر الثورة رأى في استمرار حملات الموت على مناطقهم دون رادع أميركي لروسيا و حلفائها انحياز أميركي مفضوح ضد الثورة السورية..
 

إدارة بوش لم تكتفي بالتدخل العسكري في العراق وحسب بل قامت بتشكيل حكومة العراق وتوزيع الأدوار فيه لضمان ولاء العراق لأميركا حتى بعد انتهاء الحرب

أوباما وفريقه يظنون أنهم فعلوا شيئا إيجابيا لشعوب المنطقة بعدم تدخلهم في صراعاتهم فتركوهم يتخذون قراراتهم بأيديهم متجاهلين حاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات التي جلبتها روسيا لتقتل السوريين بها وكأن السماح لإمبريالية أخرى أكثر وحشية ولا تحمل أي مبادئ هو أخف وطأة من الإمبريالية الأميركية والتسلط على الشعوب بشكل مباشر.. عصر اليسار انتهى لأربع سنوات على الأقل والشرق أوسطيين ليسوا الوحيدين الذين ضاقوا ذرعاً بهذا العصر بل إن الأميركيين أيضاً لم يعودوا يرغبوا برؤية أميركا ضعيفة تتفرج على الخراب من حولها دون أن تتدخل عدا عن رغبة الأميركيين بالعودة إلى القيم المحافظة اجتماعيًا، ورفضهم لزيادة الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي.
 

والدليل على هذا فوز ترمب برئاسة الولايات المتحدة فضلا عن فوز الجمهوريين بغالبية مقاعد الكونغرس على الرغم من فرادة إدارة ترمب التي لا يتفق جميع أعضائها مع السائد في الحزب الجمهوري إلا أن الحزب الجمهوري غالباً ما كان المسؤول عن صناعة الحروب فالإدارات الأميركية الثلاث السابقة قامت بشن حروب في منطقة الشرق الأوسط، فريغان تدخل عسكرياً في لبنان عام ألف وتسعمئة واثنان وثمانون وفي مارس ألف وتسعمئة وستة وثمانون، وخلال فترة إدارة ريغان كذلك توغلت البحرية الأمريكية لمسافة اثني عشر ميل بحري داخل المياه الإقليمية الليبية وأرسلت حاملة طائرات إلى هناك للقيام بمناورات عسكرية.
 

وكان الرد الليبي على المناورات عدوانيًا، مما أدى إلى أحداث خليج سرت، وبعد أقل من أسبوعين، انفجرت قنبلة في ديسكو ببرلين ما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين وامرأة تركية وجرح اثنين وعشرين آخرين، فقامت حكومة ريغان بالرد بقسوة على هذا الاستهداف حيث انطلقت في الخامس عشر من إبريل عام ألف وتسعمئة وستة وثمانين، ستة وستون طائرة أمريكية انطلق بعضها من قواعد بريطانية لشن غارة وقصف أهداف في العاصمة الليبية، وبرر حينها ريغان الهجوم عن طريق اتهام ليبيا بالمسؤولية المباشرة عن الإرهاب الموجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية والشعب الأمريكي، وقال في خطابه التلفزيوني الذي أذيع بعد الهجوم بساعتين "عندما يتعرض مواطنينا لهجوم أو لسوء معاملة في أي مكان في العالم بناء على أوامر مباشرة من أنظمة معادية فإننا سنرد طالما أنا في هذا المنصب".
 

أما جورج بوش الأب فعرف عهده بإنقاذ الكويت من الاعتداء السافر لصدام حسين على الكويت حيث قام جورج بوش الأب وبناءاً على طلب دولة الكويت بقيادة تحالف من ثلاثين دولة في حرب ضد العراق فيما سمي بـ "حرب الخليج الأولى" بدعوى تحرير الكويت، وقد نتج عن هذه الحرب وفاة مائة وثمانية وأربعون جندي أمريكي وإصابة أربعمائة وسبعة وستون من حوالي خمسمائة وواحد وأربعين ألف جندي أمريكي شاركوا في العمليات. كما تحطمت ست وسبعون طائرة أمريكية، كما قام بوش الأب قبل انتهاء ولايته بإصدار أمر للقوات الأميركية بالتواجد بأعداد كبيرة في الصومال بدعوى إعادة الأمل وتأمين الغذاء للشعب الصومالي وللأطفال الجوعى.
 

عصر أوباما انتهى ونقيضه هو من سيحتل البيت الأبيض.. فهل تكون اللاتدخلية الأوبامية على كارثيتها أرحم مما ينتظرنا "إدارة ترمب"؟

غير أن القوات الأميركية خسرت ثمانية عشر جنديا، الأمر الذي أثر على شعبية بوش التي كانت قد تعرضت للهبوط بسبب الأزمات الاقتصادية التي تسببت بها سياساته. أما آخر رئيس جمهوري فكان بوش الابن وتوصف فترة رئاسته بأنها الأسوأ في تاريخ أميركا لكثرة الحروب التي خاضها والتي أثرت على الاقتصادي الأميركي وأنهكته ما أدى إلى انتخاب اليساري أوباما كأول رئيس أسود للبلاد وهو مناقض تماماً لشخصية الرئيس التدخلي جورج بوش..
 

كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر دوراً كبيراً في فتح شهية إدارة بوش على شن الحروب في العراق وأفغانستان التي تسببت بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي في عدة عقود إلا أن إدارة بوش لم تكتفي بالتدخل العسكري في العراق وحسب بل قامت بتشكيل حكومة العراق وتوزيع الأدوار فيه لضمان ولاء العراق لأميركا حتى بعد انتهاء الحرب الأمر الذي غالباً ما تفعله الحكومات الجمهورية في الدول التي تشن حروبها فيها..
 

الإدارة الجمهورية الرابعة ابتداءاً من الرئيس ريغان تصل للبيت الأبيض خلال شهرين وملامحها التي بدأت تظهر تشي بأنها حكومة صقور دعاة حرب وتدخل وسيادة أميركية على العالم. عصر أوباما انتهى ونقيضه هو من سيحتل البيت الأبيض فهل تكون اللاتدخلية الأوبامية على كارثيتها أرحم مما ينتظرنا "إدارة ترمب" أم أن التجربة أثبتت أن غياب السيادة الأميركية على العالم يجعل كوكبنا مكان أخطر مليء بالأشرار الذين يقومون بجرائمهم دون أي رادع؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.