شعار قسم مدونات

في التعليم(4): وادي السيليكون العجيب!

blog تعليم

إنه ليس واد بالمعنى المحصور، "وادي السيليكون" أو "سيليكون فالي" "Silicon Valley"، منطقة صناعية تقنية في رقعة صغيرة لا تصل الثلاثة آلاف كيلومتر في خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، لكنها مع صغر حجمها تعتبر عاصمة الابتكار العالمي وطموح كل مبدع في التكنولوجيا، إنها المنطقة التي تدر على أمريكا ثلث عائداتها من شركات "الستارت آب"، المنطقة التي تأوي أكبر شركات التقنية في العالم من طينة Intel، Apple، IBM، Yahoo، Google، HP وغيرها.

يوظف الوادي الذي يعمره ثلاثة ملايين نسمة نصف سكانه، ويعتبر من كبرى مناطق الاستقطاب الوظيفي في العالم، بفضل الدخل الفرد المرتفع جدا والذي يصل متوسطه السنوي إلى أكثر من 110 آلاف دولار، إضافة إلى امتيازات أخرى، ولأن السلسلة تعنى بجانب التعليم فسنركز عليه في حديثنا عن هذه المنطقة.
 

رأس المال المغامر أو الجريء أو المخاطر هو ذاك الشكل من التمويل الذي يمنح لاستثمارات مخاطرها عالية واحتمال الخسارة فيها كبير، وهنا منبع الخطر أو المخاطرة.

يقدم النظام التعليمي في وادي السيليكون برامج تعليمية عالية الجودة مقارنة بغيره من الأماكن في كاليفورنيا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم ككل، ويختص النظام التعليمي في وادي السيليكون عن غيره من المناطق أنه قبلة المواهب والمبدعين إلى جانب أن جل المتعلمين فيه من المتمدرسين ذوي الأحلام الإبداعية.

ويعتبر النظام التعليمي في الوادي الأول في العالم من حيث تعليم الأطفال في سن مبكرة جداً، فقد أكدت الاحصائيات أن نسبة التمدرس النظامي لدى الأطفال ما بين 3 و4 سنوات فيه تصل في المتوسط 60 في المائة كل سنة بينما لا تتجاوز النسبة 49 في المائة في كامل أمريكا في أحسن الأحوال.
 

هذا الأمر جعل هذه المنطقة تحوز أعلى النسب فيما يخص نسبة التحصيل العلمي لدى الفئات الشابة والفئات العمرية المتقدمة في السن قليلاً، ففي حين يشهد الوادي نسبة التسرب الأدنى قبل الثانوي والتي لا تتجاوز 13 بالمائة من مجموع المتعلمين "تصل أكثر من 13.5 في المائة في كامل أمريكا"، فإن الجامعيين الذين لم ينهوا دراستهم فيه يزيد قليلا عن 25 بالمائة من مجموع المتعلمين "يصل 30 في المائة في كامل أمريكا".
 

ولعل أهم مؤشرات المخرجات التعليمية المميزة "للسيليكون فالي" هو النسبة المرتفعة جداً لحاملي شهادات ما بعد التدرج الذين يمثلون سنوياً حوالي 20 في المائة من إجمالي المتعلمين، بينما لا تصل النسبة 11 في المائة في كامل البلاد.
 

من الاحصائيات السابقة الذكر نلاحظ أن الوادي يتميز عن غيره بتسرب أقل وبمخرجات تعليمية جامعية أكبر مقارنة بالمعدل الوطني.

ولا تقف مميزات الوادي هنا، بل تتعداه إلى أمور أهم، أكثرها أهمية على الإطلاق -ربما- هو تمويل الخواص الذي تحدثنا عنه في الجزء السابق إضافة إلى نظام تثمين التعليم، هذا الأخير الذي يسمح للمتعلم بتطبيق ما تعلم، خاصة فئة الجامعيين، ولعل أهم وسيلة مشهورة في ذلك هو تمويل الابتكارات بما يعرف برأس المال المغامر .
 

ورأس المال المغامر أو الجريء أو المخاطر هو ذاك الشكل من التمويل الذي يمنح لاستثمارات مخاطرها عالية واحتمال الخسارة فيها كبير، وهنا منبع الخطر أو المخاطرة.
 

ويعد الوادي المثال المثالي لمثل هذا النوع من التمويل في أمريكا والعالم، حيث أنه ورغم صغر رقعته الجغرافية يستقطب كل عام ما بين 12 و18 في المائة من هذا النوع من التمويل في أمريكا بمبالغ مالية تقدر بحوالي 6 إلى 9 مليار دولار سنويا.
 

ويأخذ الاستثمار في برمجيات الكمبيوتر أكثر من ثلث رأس المال المغامر المستثمر، بينما يحوز مجال التطوير الذاتي والتدريب على سدس الاستثمار وتوزع الاستثمارات الأخرى على مجالات التكنولوجيا الحيوية والصناعة والطاقة وغيرها.
 

وفيما يلي بعض الأمثلة الناجحة الممولة من رأس المال المغامر في وادي السيليكون:
شركة الإنترنت الأشهر على الإطلاق " Google"، أنشأها المؤسسان "لاري بينج" و "سيرجي برين" في عام 1998 بفضل قرض بقيمة 100.000 دولار، سلمه لهما رجل الأعمال والمساهم في شركة "Sun Microsystem" "آندي بيشتولشايم" -شركة بوادي السيليكون-، ورأس مال شركة "Google" الآن يقدر بأكثر من 40 مليار دولار وتوظف أكثر من 20000 موظف.
 

هذا جانب صغير من تجربة رائدة في الإبداع على كل مستويات العملية التعليمية من المصب -التمويل- إلى المنبع -العائد الاقتصادي.

موقع "فيسبوك" الذي أنشئ عام 2003 تطور إلى ما هو عليه الآن بفضل عرض استثماري بمبلغ 500.000 دولار أمريكي عام 2004 من "بيتر ثييل" أحد مؤسسي شركة "باي بال" -شركة من وادي السيليكون-، ثم استثماراً ثانيا عام 2005 بلغ 12.7 مليون دولار من رأس مال مخاطر من شركة "آكسيل بارتنرز"، ثم 27.5 مليون دولار أخرى من شركة "جرايلوك بارتنرز"؛ الموقع حالياً يضم أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم، ويحقق أرباحا سنوية تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين دولار.
 

هذا جانب فقط من "وادي السيليكون" ونظامه التعليمي الفعال.. جانب صغير من تجربة رائدة في الإبداع على كل مستويات العملية التعليمية من المصب -التمويل- إلى المنبع -العائد الاقتصادي-، إنه نظام يحيي ولا يقتل كالتجربة التي سنعرضها في الجزء القادم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.