شعار قسم مدونات

العنف الجامعيّ: قراءة في عقيدة الخِراف

blogs-عنف الجامعة الأردنية

في حين يفرض نظام الجامعات الأردنية الكثير من القلق على طلبته، ويغرقهم في جو تعلّميٍّ صعب مليء بالتفاصيل الباعثة على الاِغْتِمَام والنكد، يستطيع البعض الآخر الهرب من هذا المعترك الذي تفرضه عليه الجامعة، لكن إلى معتركه الخاص على ما يبدو..
 

أولاً: التساؤلات
عندما نتحدث عن الطالب "العنيف" هل نكون نتحدث عن الطالب الجامعي ذاته الذي يفرضونَ عليه جدولَ محاضراته ومحاضريه ومناهجَ الدراسة، ويذعنُ هو متعلّلاً "بأنّ النظام هكذا "؟ أم هو طالب آخر بمعطيات أخرى؟ هل من الممكن أن يكون النظام قد ساهمَ في "تعنيف العنيف"؟ وهل غدت الجامعات تصنعُ وحوشاً؟ كيف يمكن أن يغدو الطالب بهذه الهشاشة، إذ يدعوه أحدهم لمعركة فيلبي! دونَ تفكيرٍ أو عقل؟ وهل حقّاً تُشكّل "عشائرية" المجتمع ضغطاً على الطالب إلى الحدّ الذي يدفعه إلى حمل السلاح؟ وهل فشلت الجامعات في نهاية المطاف في تدجين هذه العصبية وتهذيبها؟

المجتمع الأردني هكذا طبيعته: عشائري؛ كلٌّ ينتصرُ لنفسه، وبقدر ما لهذا الأمر من إيجابيات فلهذا الأمر سلبياته أيضاً، السلبيات التي لا تبدأ بمعارك الجامعة ولا تنتهي بـ "عشائرية" المناصب الحكومية

ثانياً: محاولة الإجابة
1- يبدأُ يوم طالب الأردنية -غالباً- بركوبِ الباص المكتظ ومن ثمّ حضور المحاضرات والدروس المكتظة وثم تناول فطوره في مطاعم الجامعة المكتظة -التي تمّ تخصيص أغلبها- ومن ثم ينهي يومه عائداً إلى داره في حافلةٍ مكتظةٍ أخرى. فلا يشعر الطالب في طريقة العيش هذه إلا بأنّه فرد آخر ما بين الأفراد الآخرين، بلا مميزات مواهب أو حتى اهتمامات. ولا يسعنا القول إلا أنّ عقيدة الخراف هذه التي يعتنقها المنتسب إلى الجامعة الأردنية تفقدُه إرادته وسلطته على كيفيّة سيرِ حياته بل حتى على كيفية سيرِ يومه الجامعي. لكن هل الطالب مستمتع أو حتى راضٍ عن طريقة العيش هذه؟

 

لتحصل على الإجابة جرّب أن تسألْ أيّ طالب في الجامعة الأردنية عن تسجيل جداول محاضرته الفصليّ. لن تجدَّ إلا السُّباب، الكثير منه! الطالب العنيف الذي يُشهرُ عن سلاحه باطمئنان في حرمِ الجامعة يعاني صراعات الطالب العادي بالتأكيد، وبالتأكيد تؤثرُ على تركيبه النفسيّ والسلوكيّ، لكن إلى أي مدى؟ لا يمكننا أن نعرف! هل يمكن للطالب المشغول في دراسته والغارق في النظام الدراسي الصعب في الجامعة أن يلبي طلب العنف؟ لا يمكننا الجزم، ولا يمكننا صياغة تعميم أنّ الطالب العنيف طالب مُهمل لدروسه.
 

2- أغلب حالات العنف الجامعي في الأردنية تبدأ على صعيدٍ شخصيّ مثلاً: شابان يتشاجران.. من منه سيحوز على قلب جولييت، ومن ثم تتدحرج كرة الثلج إلى أن تصبح المشكلة بين عشيرتين أو عرقين.. إلخ، وتتحول اليد التي كانت تحملُ الورود إلى جولييت ليدٍّ لا تقبلُ إلا بقطع رقبتين أو ثلاثة. المجتمع الأردني هكذا طبيعته: عشائري؛ كلٌّ ينتصرُ لنفسه، وبقدر ما لهذا الأمر من إيجابيات فلهذا الأمر سلبياته أيضاً، السلبيات التي لا تبدأ بمعارك الجامعة ولا تنتهي بـ "عشائرية" المناصب الحكومية.
 

إن امتلك الطالب طريقةً علميةً في التفكير وإن غذّت الجامعة عقله يوماً، لم نكن لنواجه مسألةَ العنف الجامعي هذه

السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق والإجابة عنه: هل طالب العلم يستطيع مقاومة هذا النوع من الضغط الاجتماعي؟ إن كنا نتحدث عن ذاكَ الطالب الموجود في أذهان الفلاسفة والطوباويين فإنّ العلم -في مختلف التخصّصات- لن يزيدَ الطالب إلا موضوعيةَ واحتراماً للحوار سبيلاً للتلاقي. أما الطالب في ظلّ أنظمة الجامعات الفاسدة -التي تريدُ الأرباح ولا شيء إلا الأرباح- فإنّها تُعدُ جيلاً متعصباً ومقاتلاً بامتياز. جيلاً يقالُ للفردِ فيه "اشترك معنا في القتال"، فيفعل، وينضم بذلك إلى قطيع الخراف الأصيل.
 

3- يقول جورج أورويل "ليس هنالك من شيء خاصٍّ بك وحدك إلا بضع السنتيمترات المكعبة تلك داخل جمجمتك." ويقول أيضاً "ربّما يموت الإنسان عندما يتوقف دماغه، أقصد عندما يتوقف دماغه عن استيعاب أفكار جديدة." وأيضاً: "الولاء المُطلق، يعني انعدام الوعي". إن امتلك الطالب طريقةً علميةً في التفكير وإن غذّت الجامعة عقله يوماً، لم نكن لنواجه مسألةَ العنف الجامعي هذه، لربّما كنّا واجهنا عنفاً على مستوى الأفكار -وهو أمرٌ يمكن احتماله في الحرمِ الجامعيّ- ولربّما ولّد عنفَ الأفكار عنفاً واختلافاً مادياً وجسدياً لكنّه حينها سيكون -أي العنف- خارج الجامعة على الأقل.

ما الخلاص؟
أنظمة جديدة، وعي متين، وتعليم الطلاب -جميعهم- استخدام عقولهم، والكفر بعقيدة الخراف أولاً وأخيراً..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.