شعار قسم مدونات

السودان.. وسائل التواصل وحالة الشروع في الثورة

blogs - sudan
في الحقبة الأخيرة أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في توجيه الوعي بعد أن كفرت الجماهير بوسائل الإعلام التقليدي بسبب ما رأوه انحرافا منها عن المهنية، وانحيازاً لصفوف السلطة على حساب المواطن، ونفاقا في بعض الأوقات عن نقل بعض الحقائق لاعتبارات اجتماعية وأخلاقية ودينية.
 

فجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتقدم إعلام دون سقف للحرية، ودون أي رقابة أو فلترة فكان الإعلام (الاجتماعي) هو إعلام الممنوع المرغوب، فعبره انتشرت فيديوهات التنظيمات الإرهابية وحفلات الهجاء بين مشجعي الأندية الكروية وحتى بين الأعراق المختلفة والأديان، ولم يكن السودان استثناءاً من بين دول العالم فقد أصابه ما أصاب الدول الأخرى، وإن كان متأخراً وهو اكتشاف مدى نفوذ وتعملق الإعلام الاجتماعي ومدى واقعية العالم الافتراضي.

لقد كانت عمليات رفع الدعم عن المحروقات التي تمت بشكل متتالي على يد الحكومات المتعاقبة في السودان بعد الانفصال السبب الرئيسي في جميع حركات الاحتجاج ضد النظام.

السودان في حالة شروع في الثورة منذ أن قام انقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989م فقد اختارت أغلب الأحزاب السياسية معاداة الانقلاب منذ الساعات الأولى، ولكن نظام البشير لجأ إلى أسلوب القمع والتعذيب عبر ما سمي وقتها ببيوت الأشباح، والتي كانت أماكن احتجاز غير معلنة يتم فيها إخفاء المعتقلين وتعذيبهم، وبعد أن قررت المعارضة استحالة العمل السياسي في البلاد اتجهت للمعارضة في الخارج عشر سنوات ثم عادت باتفاق مع الحكومة سمي باتفاق القاهرة وكان ذلك الاتفاق بعد توقيع اتفاقية نيفاشا 2005م.

وكانت البلاد في الفترة من 2005 إلى 2010م في فترة انتقالية في ظل نظام نصف ديمقراطي تديره الحركة الشعبية في الجنوب والمؤتمر الوطني في الشمال، وبعد أن تم فك الارتباط كانت هناك أول محاولة للثورة اقتداءاً بتجربة الشباب العربي في تونس ومصر وتكرارا لسناريو ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة إبريل 1985م لكن النظام سرعان ما تفطن لهذا فأنشأ ميليشيات إلكترونية من أجل إفشال أي محاولة للحشد عبر الفيسبوك.

لقد كانت عمليات رفع الدعم عن المحروقات التي تمت بشكل متتالي على يد الحكومات المتعاقبة بعد الانفصال السبب الرئيسي في جميع حركات الاحتجاج ضد النظام، وكانت الحركة الكبرى في سبتمبر 2013م عندما خرجت الخرطوم في مسيرات حاشدة رافضة لرفع الدعم ولخطاب "الهوت دوك" الذي قام بإلقائه الرئيس عمر البشير وقد سقط في هذه الاحتجاجات أكثر من مئتي قتيل وفتح جرحا لن يندمل في قلوب كثير من الأسر السودانية التي فقدت أبناءها برصاص من وصفهم وزير الداخلية ب"المجهولين".

ويبدو أنه بعد سبتمبر 2013م سئم الشعب السوداني من أسلوب التظاهر كاحتجاج ضد القرارات الجائرة للحكومة، فاتجه الشباب للإعلام الاجتماعي وقد ظهرت وسائل إعلام اجتماعي أكثر شعبوية من الفيسبوك والتويتر وهم الواتساب والتيلجرام فأنشأت الجروبات المعارضة والإخبارية حتى أن كثير من الصحف أصبحت تنقل أخبارها من جروبات الواتساب.

وأعتقد فيما أعتقد أن اللحظة الحاسمة في ظهور دور الإعلام الاجتماعي في الحشد ضد شيء ما كان في السنة الماضية عندما تناقلت جروبات الواتساب أخباراً عن اعتداءات ممنهجة للأمن المصري على السودانيين في مصر عندها تحرك الفيس والتويتر والواتساب و…. كلها هجوما على الحكومة المتقاعسة عن واجبها وعلى النظام المصري الذي يسرق دولارات السودانيين في القاهرة بحجة أنهم تجار عملة، وقام النشطاء السودانيون بعمل وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في الخرطوم وتحت الضغوط رضخت الحكومة لضغوط الإعلام الاجتماعي، وأبلغت السفير المصري احتجاجها على ما يحدث كما تحدث السفير السوداني مع الخارجية المصرية.
 

وأتذكر وقتها تغريدة أعجبتني للناشط المصري وائل عباس الذي قال وقتها أن ما يحدث الآن هو دليل أن وسائل التواصل أصبحت مؤثرة في السودان وأن لها مستقبل هناك وفعلا كان كلامه في محله.

لقد كان قرار البنك المركزي الكارثي برفع الدعم عن الدواء بمثابة الصاعق المفجر لبركان الغضب حيث توحد السودانيين من كل الاتجاهات والمناطق والأيدلوجيات رفضا للقرار الظالم الغير أخلاقي بتوقف الدولة عن التزامها الأخلاقي بتوفير الدواء لللمواطنين الفقراء بأسعار في متناول اليد ورفع أسعار الأدوية من 60- 400% وعندها فقط تحرك الشباب الرائعون في مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، وقاموا بعمل حملة رفض قوية للقرارات الحكومية الجائرة برفع الدعم عن الأدوية وانتهت هذه الحملة بانتصار كبير فقد تراجعت الحكومة عن فرض التسعيرة غير المدعومة للدواء وانحت لعاصفة "الهاشتاج" بعد أن استهزأت بها أول مرة وزعمت أن الكاتبين على مواقع التواصل والواتساب ما هم إلا أقلية مخربة تتبع لأحزاب المعارضة.
 

حتى لو استطاع النظام السوداني المرور من هذه الأزمة؛ فقد استطاع شبابنا الأبطال دعاة العصيان المدني بإحداث أكبر خرق في شرعية النظام المعتمدة أصلا على البندقية.

ولكن مع الوقت انضم للحراك على مواقع التواصل الكثير من الشخصيات التي لا انتماء سياسي لها، والتي كانت غاضبة من قرارات الحكومة الاقتصادية مثل الفنان جمال فرفور، والشاعرة وئام كمال الدين، وهيثم مصطفى كابتن المنتخب السوداني السابق لكرة القدم، والكثير من الأشخاص الذين يعرف عنهم أنهم غير حزبيين مثل حزب الكنبة في مصر أو ما يسمونهم عندنا في السودان (حزب البهجة والمسرة).

وما أن انتهت عاصفة أزمة رفع الدعم عن الدواء بهزيمة مدوية للحكومة؛ حتى بادرت المجموعات الشبابية التي أدرات حراك الدواء بالتحرك على قضية العصيان المدني والدعوة إليه في يوم الأحد 27 نوفمبر 2016م، ورغم محاولة بعض الشخصيات المعارضة الركوب على الموجة فقد ظلت الدعوة للعصيان المدني دعوة شبابية مصدرها الأساسي مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يقم أي حزب سياسي بإصدار بيان رسمي بتبني هذه الدعوة.

وكان اليوم الموعود واستجاب الشعب السوداني لدعوات العصيان بشكل فاجأ النظام وأربك حسابات وتوقعات كل المراقبين محليا ودوليا، ليثبت الشعب السوداني أنه في الموعد دائما، وأنه يسكت بعض الوقت بضغط القمع لكنه لن يموت.

حتى لو استطاع النظام المرور من هذه الأزمة؛ فقد استطاع شبابنا الأبطال دعاة العصيان المدني بإحداث أكبر خرق في شرعية النظام المعتمدة أصلا على البندقية في الميدان والعصا الغليظة لكل من يرفض نظام الاستبداد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.