شعار قسم مدونات

علّمني شيخي

blogs - mosque
يومَ اعترف الإمام أبو حامد الغزالي قائلاً: بضاعتي في علم الحديث مزجاة، وهوَ من هوَ بعدَ قرونٍ من تدوين السّنة النّبوية في مظانّها، تلقّفه بعض العلماء حينذاك بالنقد والطّعن، ولكن بالمقابل فإنّ جماهير العلماء أعجبوا بألمعيّته وموسوعيّته، وازداد اعتدادهم بفضله شرقاً وغرباً مع تطاول الزمن إلى يومنا هذا..

من أشدّ ما يحزّ في نفس المتابع لمخرَجات الخطاب الديني الهجين في أيامنا هذه هو حالة النّقد الأعمى، الذي لا يكاد يستثني قديم رأيٍ أو مذهب، والتعميم في هذا كله سيّدُ الموقف، والنّقد هنا يَطال كل شيء ذي صلة بالمَوروث الدّيني، وحالةٌ رهيبةٌ من التّشكيك بالأسس والثوابت تحيط بالمشهد الإعلامي الموجّه.

استبشر الكثير من المفكرين خيراً عندما بدأت بوادر الحركة النقديّة للخطاب الديني القديم، فالمعلوم أنّ النّقد الذاتي هو أول خطوة نحو فهم الذات بشكل صحيح، وصولاً إلى خطاب ديني متطور، يوائم العصر وينأى بنفسه عن التّهم التي لطالما أُلصقت به من قبيل كونه: "متحجراً – متكلّساً- خطاب أهل الكهف – الخطاب المعني بشئون الطهارة وتغسيل الموتى". فما الذي حرَف هذه الحركة الإصلاحية عن مسارها المَرجو؟

الحقيقة أنّ "التغييرالفكري وبالأخصّ الديني منه، لا يخضع للمفهوم الثوري" بمفهومه الجاري حالياً والموازي للربيع العربي.

الحقّ أنّ الكثير من العلماء أهل الاختصاص اشتغلوا على إصلاح الخطاب الديني بتأنٍّ واعٍ، وفهم ثاقبٍ للواقع ولطبيعة المجتمعات التي لا تغيّرها عصا موسى كما يحلو للبعض أن يتصوّر، والأقرب إلى الصّواب أنّ الفترة المطلوبة للإصلاح على مستوى الخطاب الديني يتطلّب عددَ سنين قد يضاهي سنين تيه بني إسرائيل الأربعين.

ولكنّ البعض أراد إخضاعَ الأمرِ برُمّته لعملية "تسريع" خطيرة جداً قد تُوائم متطلّبات سياسية مرحليّة، ولكنّها في النّهاية تؤثر على جودة الناتج الفكري، أضف إلى هذا خوض الكثير من أدعياء العلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالذات في إبراز التناقضات والتركيز على هدم الأسس التي تتضمّن بالفعل أركاناً منخورة لا تمتّ للدّين بوثيق صلة، ولكنّ ترك الاشتغال بالبناء مكان ما تهدّم، وتعويض الأسس الفاسدة بأسس سليمة أصيلة كان خطأ فادحاً، ظهرت نتائجه على الجيل المتابع لهذا الخطاب الديني الهجين، حيث وجد نفسه معلّقاً بين الأرض والسماء، فهو من حيث لا يدري قد هدم كل ما تلقّفه من خطاب ديني سابق، ولكنّه نظر أسفل قدميه مجدّداً ليرى نفسه يقف على "اللاشيء" لأنّه تعلّم أن ينقد كل شيء من مذاهب وأفكار وموروثات وبرَع في هذا الشأن، أمّا تأسيس المناهج والمذاهب فليس من شأن العامة كما هو معلوم.

وسواءٌ وافقنا هذا الرأي أو خالفناه، فالحقيقة أنّ "التغييرالفكري وبالأخصّ الديني منه، لا يخضع للمفهوم الثوري" بمفهومه الجاري حالياً والموازي للربيع العربي، والمطلوب هو التئام الكلمة بين عموم المعتبَرين من علماء المسلمين لطرح منهج موحّد يتم تأسيس الجيل على أساسٍ منه عقيدةً وشريعةً، مع فتح الباب لكل ناقد مخلص يعتمد في نقده الأساليب العلمية المتّبعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.