شعار قسم مدونات

هرم الرأي العام.. ولبنته الدهمائية

blogs - مجموعة شباب
عند الحديث عن قضية اجتماعية أو سياسية تتردد على الألسن وفي ثنايا الأسطر مصطلحات مثل: الرأي العام الشعبي ورأي الشارع في نمطية توحي بإجماع مطلق! تفتقت في ذهني تساؤلات دعتني لكتابة التدوينة أزعم في سطورها الكشف عن بعض مما وراء أكمة تلك المصطلحات.

يا ترى ما مدى وجاهة ودقة تلك العبارات؟ وماذا عن براءتها من التوظيف في السياقين السياسي والاجتماعي، وهما ما تُعنى به تدوينتي؟ قد يُستساغ ورود مثل تلك الجُمل عند الحديث عن قضايا اقتصادية أو في حالات الحروب، فالفساد الاقتصادي مثلاً حالة منبوذة لدى كل الشعوب وإن استشرى في بلدٍ عن الآخر، كذلك طبول الحرب حين تقرع فإنها تستوجب الاصطفاف الشعبي، ولكن من الصعب بمكان توحد شعب ما بكافة أطيافه إزاء قضية اجتماعية أو سياسية؛ نظرا للتباين الفكري بين أفراد المجتمع الواحد فضلاً عن الأقاليم!

نحن أمام تفكير جمعي مصبوغ بصبغة عمومية الرأي، مكونه دهمائية منساقة خلف مشارب فكرية بعينها، يُخفي المتشكك أمامها آراءه خشية من اتهامه بشق عصا الجماعة وملامات ليس في وسعه مجابهتها.

مهم أن ندرك أن التفكير الجمعي لا يتشكل من عدم، ولا تنشئه محاض الصدف وإنما يحتاج إلى من يغرس بذرته ويرعى نموه، وفي هذا السياق يشرح غوستاف لوبون عملية توجيه الجماهير في كتابه سيكولوجية الجماهير، فيقول:

"كما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي أو الطبيب الذي يجعل شخصًا ما يغطس في النوم، فإن روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها. وفي مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فإن كل شخص منخرط في الجمهور يبتدئ بتنفيذ الأعمال الاستثنائية التي ما كان مستعدا إطلاقًا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة. فالقائد الزعيم إذ يستخدم الصور الموحية والشعارات البهيجة بدلًا من الأفكار المنطقية والواقعية يستملك روح الجماهير ويسيطر عليها".

مؤخراً عرّت وسائل التواصل الاجتماعي وما يطلق عليه "الإعلام الجديد" دعاوى الدعم أو الرفض الشعبي المطلق لقضية ما وفضحت زيفها، حيث تولدت مقاييس بات بالإمكان من خلالها معرفة مدى التباين بين آراء الجمهور حول قضية اجتماعية أو سياسية، فبمجرد مطالعة وسم على تويتر أو منشور على فيسبوك تتضح لك حدة ذلك التباين تجاه تلك القضايا! وما أفرزته الانتخابات الأمريكية ليس عنا ببعيد؛ فنتيجة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب خالفت ما يطلق عليه "استطلاعات الرأي العام" التي أظهرت تأييدا شعبيا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وهذا الحدث يدعونا بالضرورة إلى تأمل كيفية صنع وإحداث رأي عام مجازي تجاه قضية سياسية ما يراد لها الشيوع بأدوات متنوعة يقبع في مقدمتها الإعلام التقليدي.

فنحن إذن أمام تفكير جمعي مصبوغ بصبغة عمومية الرأي، مكونه دهمائية منساقة خلف مشارب فكرية بعينها، توجهها حيث أرادت فتستحيل النظرية إلى مسلّمة في معتقد المؤمن منهم، ويُخفي المتشكك منهم آراءه خشية من اتهامه بشق عصا الجماعة وملامات ليس في وسعه مجابهتها أحيانا، ومسايرة للسائد أحايين كثيرة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.