شعار قسم مدونات

المدخل الشخصي

BLOGS- المسلمين
في إحدى المحاضرات من العام النهائي من دراستي قد بدأ المحاضر في شرح درسه الإسبوعي وكان بعنوان المدخل الشخصي، يُدرج تحت مادة إدارة الأعمال، وكان قد مضى من وقت بداية المحاضرة ما يقرب من العشر دقائق ثم طرق الباب أحد الطلاب ومعه إحدى الطالبات وسمح لهما الدكتور بالدخول بالرغم أنه يبغض من يتأخر عن محاضرته وغالبًا ما يرفض ذلك..

ثم نظر لهما نظرة غريبة لم نفهمها إلا بعد أن أكمل شرحه للمدخل الشخصي قائلا: أن تحكم على الشيء من منظورك الشخصي ورأيك الشخصي، على سبيل المثال أن تجد شابًا وسيمًا ويرتبط بفتاة ليست جميلة من حيث الخِلقة وتجد فتاة بارعة الجمال ترتبط بشخص ليس بوسيم أو ليس له أي شيء يُجذب للارتباط به وهذا هو المقياس الشخصي لكل شيء، وقديما قالوا لولا إختلاف الأذواق لبارت السلع فالأمر نسبي في النهاية.
 

البداية تأتي من تقوى الله، فمن يتقي الله يوفقه الله لمعرفة الحق من الباطل حتى وإن كنت وحيدًا بين أهلك.

فمن هنا نتج الخلاف الشائك بين الناس، أن لكل شخص مدخلاته وبناء على هذه المدخلات والمعتقدات والقيم يقوم بالحكم من وجهة نظره هو، ومن منظوره الشخصي الخاص به، ويزداد الأمر سوءً بأن يتعصب كل واحد لرأيه الشخصي الذي يعتقد أنه هو الصحيح وأن من دون ذلك خطأ، ويتسع بذلك دائرة الخلاف بين الناس ويزداد الناس بغضًا وكرهًا وتجنبًا لبعضهم البعض.

الأمر أصبح خطير بعد كل هذه النزاعات على الساحات المنتشرة بين الناس جميعاً ومع ازدياد المشاكل والفرقة بين الناس والكل مدعي أنه محق لابد من التحدث عن مخرج لكل هذه الأزمات، ولا مخرج إلا من خلال شرع الله الذي خلق هذا الكون وجعل له قوانين وأنزل كتابه يَحكم بين الناس فقال سبحانه "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" والتاريخ البشري مليء بالنزاعات والاختلافات والفوارق التي حدثت ومازالت تتكرر مع بشاعتها.
 

فأصل كل مشكلة حدثت لنا هو من اتباع أهوائنا وتناسي ما أنزل الله علينا من قرآن به حلول لكل مشاكلنا، وسنة رسوله تحارب في كل بقاع الأرض، فردنا الله إلى أنفسنا وأنفسنا جلبت لنا النقم ولا مخرج لنا من كل ذلك إلا بالعودة لهذا الدستور العظيم. الخلاف بين الناس ناتج عن تغير المدخلات الشخصية لكل واحد فينا فكل واحد منّا خلقه الله كشخص مستقل لا يتكرر في هذا الكون المتسع ولكل واحد منّا وجهة نظر جاءت من خلال ثقافته وبيئته التي نشأ فيها ومعلوماته التي يحويها عقله فكان الناتج بالتأكيد مختلف من شخص لآخر.

ولكن السؤال المهم كيف يعرف الإنسان أنه على الحق أو على الأقل قلبه مطمئن لما يميل إليه وإلى ما يقف بجواره؟
– البداية تأتي من تقوى الله، قال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا" أي فصلاً بين الحق والباطل، فمن يتقي الله يوفقه الله لمعرفة الحق من الباطل حتى وإن كنت وحيدًا بين أهلك، فمعرفة الحق نور يقذفه الله في القلب ينير لك الطريق الذي أظلم على الكثير حولك ولا يأتي هذا النور إلا من خلال تقوى الله.
 

– ثم عليك بعرض رأيك على القرآن والسنة قال تعالى "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" فإن وافق الشرع تمسك به وعض عليه بالنواجذ ولا يدخل قلبك شك ولا ريبة مهما كثر من حولك المغرضون، وإن خالف القرآن والسنة فاتركه مهما كانت أرباحه لك، فمن ترك شيء لله عوضه الله خيرًا منه.

إذا التبست عليك الأمور وزادت الفتن من حولك وأصبحت الكلمة تهدد خطر الناس وفتنتهم فوجب عليك الصمت وعدم الحديث، والزم البيت قدر المستطاع.

– كن مع الجماعة ولا يُفهم من ذلك أن الجماعة هم الأغلبية من الناس ولكن الجماعة هو لزوم الحق وإتباع المنهج المنزل من الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو كانت قلة قليلة، فقد قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الجماعة ما وَافق الحق ولو كنت وحدك.
 

– عليك بالدعاء بأن يُرك الله الحق حقًا ويرزقك إتباعه ويُرك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، فالقلب السليم يميل إلى الفطرة وتجد توفيق من الله له وبصيرة ليميز الحق من الباطل بخلاف القلوب التي أزاغها الله مشتتة لا تعرف أين تقف ومن تصدق.

– كن ذا وعي والمؤمن كيس فطن، لا ينخدع بسهولة لمجرد ذوبعة إعلامية منا هنا ومن هناك، فما يعرض عليك وجب عليك التأكد منه أولاً ولا تتعجل بالحكم حتى يتبين لك ما الهدف، فالآن تغيرت الأمور كثيرًا وأصبح كل شيء قابل للشك.

– إذا التبست عليك الأمور وزادت الفتن من حولك وأصبحت الكلمة تهدد خطر الناس وفتنتهم فوجب عليك الصمت وعدم الحديث، والزم البيت قدر المستطاع وعليك بنفسك وصلاحها والدعاء بأن يصلح الله البلاد والعباد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.