شعار قسم مدونات

أسماء لن تُمحى

Usain Bolt of Jamaica turns to look at Andre De Grasse of Canada as they compete in the Men's 100m Semifinals at the 2016 Rio Olympics in Brazil, August 14, 2016. Kai Pfaffenbach: 'When Usain Bolt prepared for his 100m semi-final I decided to play with slow shutter speed for that race. I set my camera (shutter speed) to a 50th of a second and was waiting for the moment when he passed my position. At the very right moment he looked to his left with the proud smile and my first thought was: "hopefully I got this sharp." Well, I've been a lucky bunny in this case but I still would not have imagined at this moment that this picture would go viral and get worldwide recognition.' REUTERS/Kai Pfaffenbach TPX IMAGES OF THE DAY FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. SEARCH "2016 PIX" FOR THIS STORY. SEARCH "THE WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES.

في عالم الرياضة بشكل عام، يقولون إن الأرقام خلقت لتُكسر، لكن لأن الاستثناء يثبت القاعدة دائمًا، فإن هنالك بعض الأرقام التي خلقت لكي تحفظ كما هي، لكي لا تُمس، لكي تصير هي المثال الذي يصبو إليه الجميع.
 

على سبيل المثال وليس الحصر، مايكل فيليبس صاحب الـ 28 ميدالية أولمبية، 23 ميدالية ذهبية، 3 فضيات وبرونزيتين، في أربع دورات أولمبية، بهذه الميداليات يعتلي السباح الأميركي مايكل فيليبس أو "رصاصة بالتيمور"، كما يلقب في أميركا نسبة إلى الولاية التي ولد بها، يعتلي المجد الأوليمبي سابحًا بعيدًا عن أقرب منافسيه.
 

لاعب الرجل الأسود النحيل جيسي أوينز فاز بأربع ميداليات ذهبية في منافسات المضمار والميدان. ليضع حدًا لأوهام التفوق النازي القائمة على العرق

حيث يأتي في المركز الثاني وراءه لاعبة الجمباز السوفييتية التاريخية لاريسا لاتينينا وفي حوزتها 18 ميدالية أولمبية من بينهم تسع ميداليات ذهبية، حصدتها بين خمسينات وستينات القرن الماضي. لكن يبقى واضحًا، أن الوحيد القادر على كسر أرقام مايكل في المستقبل هو مايكل نفسه. إلى جوار فيليبس يمكننا أن نرى قفزة بوب بيمون.
 

لاعب القوى الأميركيّ بوب بيمون قام بأطول قفزة في التاريخ الأولمبي، حيث قفز لمسافة 29 قدم وإنشين ونصف الإنش، كان ذلك عام 1968 في أولمبياد مدينة ميكسيكو. صحيح أن رقم بيمون التاريخي قد تم كسره بعد ذلك بـ 23 عامًا في الملتقى العالمي لألعاب القوى عام 1991 في توكيو من قبل الأميركي الأخر مايك بويل عندما قفز إلى مسافة 29 قدمًا وأربعة إنشات وربع الإنش، إلا أن ذلك لم يكن في الألعاب الأولمبية ليحتفظ بيمون بالرقم الأولمبي العالمي حتى هذه اللحظة. والذي لم يقترب منه سوى البريطاني الكبير جريج راذرفورد عندما قفز في أولمبياد لندن إلى مسافة 27 قدمًا وثلاثة إنشات.
 

ويمكننا أن نرى أيضًا شيئًا لا مثيل له مثل سيطرة التنين الصيني على منافسات تنس الطاولة، حيث لا يرحم التنين في أي بطولة من بطولات اللعبة العالمية أو الأولمبية، فمنذ أن دخلت لعبة تنس الطاولة جدول الألعاب الأولمبية عام 1988، وهي تحت هيمنة التنين الصيني، بلا أي رحمة وبلا أي منافسة تذكر على الإطلاق. فعلى مدار 28 عام، حازت الصين 41 ميدالية ذهبية في منافسات تنس الطاولة في مقابل أربع ذهبيات فقط لغير الصينيين. إذًا، يمكنك أن تفوز مرة وأن تضحك أخرى، لكنك لن تفوز وتضحك في النهاية مثلهم أبدًا.
 

ولنعترف أننا محظوظين بشكل لا يوصف لنرى أسرع رجل في التاريخ، يوسين بولت. في أولمبياد لندن 2012، سجّل الجامايكي بولت رقمًا ذهبيًا لا يبدو أنه سيحطم في المستقبل القريب ولا البعيد، حيث قطع سباق 100 متر – رجال فردي في زمن 9 ثواني و63 جزء من الثانية. رقم لم يحطمه سوى بولت نفسه عندما قطع نفس المسافة في زمن 9 ثواني 58 جزء من الثانية. بولت أيضًا هو صاحب الرقم القياسي لسباق 200 متر، بزمن 19 ثانية و30 ثانية في أولمبياد بيكين 2008. بولت المعتزل أولمبيًا هو أول لاعب في تاريخ ألعاب القوى يحصد ثلاث ميدالية ذهبية في نفس الثلاث سباقات في ثلاث دورات أولمبية متتالية.
 

الرجل العجوز، يان ميللر، الذي أثبت للعالم أن العمر ما هو إلى مجرد رقم، في عام 2012، كتب اسمه في تاريخ الأولمبياد بماء من ذهب.

أما في عالم السيدات فالساحرة الأمريكية، فلورينس جريفيث جوينر ، عام 1988 في أولمبياد سيئول، قامت بخطّ المستحيل وصناعة التاريخ، حيث فازت بسباق 100 متر سيدات في زمن 10 ثواني و 54 جزء من الثانية لتضع رقمًا قياسيًا لم يحطم حتى الأن ولم يقترب منه سوى العداءة الجامايكية شيلي آن فريسر في أولمبياد لندن 2012 عندما قطعت ذات المسافة في زمن 10 ثواني و 75 جزء من الثانية. فلورينس هي أيضًا صاحبة الرقم القياسي في سباق 200 متر سيدات بزمن 21 ثانية و34 جزء من الثانية.
 

أما الرجل العجوز، يان ميللر، الذي أثبت للعالم أن العمر ما هو إلى مجرد رقم، في عام 2012، كتب اسمه في تاريخ الأولمبياد بماء من ذهب، حيث سجل متسابق الفروسية الكندي رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث كان تلك المشاركة هي المشاركة العاشرة له على التوالي في الدورات الاولمبية. بدأت مشاركات يان عام 1972 في أولمبياد ميونيخ التعيسة. ولقد كان ميللر على بعد شهور قليلة من كسر رقمه العالمي الفريد، حيث كان ابن الخامسة والستين قادمًا للمشاركة في اولمبياد ريو دي جانييرو لكنه غاب بسبب اصابة تعرض لها حصانه وتستوجب القيام بعملية جراحية.
 

ولأن اللون لا يهم كما العمر فلا يمكن نسيان ما قام به جيسي أوينز في معقل النازية النازية حيث أولمبياد برلين عام 1936 والتي صممت خصيصًا لتظهر مدى قوة الألمان حينذاك وكيف أنهم متفوقون على غيرهم من "الأعراق"، كان ذلك في سياق الوضع السياسي العالمي الملتهب. لكن لاعب الرجل الأسود النحيل جيسي أوينز ضرب بكل ذلك عرض الحائط وفاز بأربع ميداليات ذهبية في منافسات المضمار والميدان. ليضع حدًا لأوهام التفوق النازي القائمة على العرق. حصل جيسي قبل وفاته على وسام الحرية الرئاسي تكريمًا له عن مجمل أعماله. ويبقى رقم جيسي صامدًا حتى الأن كأول وأخر لاعب يحصد أربع ميداليات ذهبية في أربع منافسات مختلفة في دورة أولمبية واحدة.

وراء هذه الأرقام الكثير من البذل والعطاء، الكثير من لحظات الفرح والاكتئاب والبهجة والانكسار، الكثير من المتناقضات التي قد تجعل أحدهم ينهار أو تقوده إلى سلم المجد.

أما الطفلة المعجزة مارجوري جيسترنج، فقد كانت تمثل ألوان الولايات المتحدة الأميركية في أولمبياد برلين عام 1936، عن عمر يناهز الـ 13 عامًا فقط. الطفلة التي لم يكن يتوقع أحد منها أي شيء، فازت بالذهب الأولمبي لتصبح بذلك أصغر متسابقة تفوز بميدالية ذهبية في تاريخ الأولمبياد، ويبقى ما قامت به صامدًا حتى الآن.
 

وإن كانت جيسترنج هي أصغر فائزة بميدالية ذهبية في تاريخ الأولمبياد، فإن الدنماركية إنجي سورينسون هي أصغر من وقفت على منصات التتويج في كل عمر المنافسات الأولمبية، صاحبة 12 عام و24 يومًا فازت ببرونزية السباحة – صدر في أولمبياد برلين 1936 أيضًا. لست متأكدًا إن كانت ستكسر هذه الأرقام يومًا ما أم لا؟
 

لكن ما أنا متأكد منه أن وراء هذه الأرقام التي نراها مجردة أمامنا الآن هكذا، الكثير من البذل والعطاء، الكثير من لحظات الفرح والاكتئاب والبهجة والانكسار، الكثير من المتناقضات التي قد تجعل أحدهم ينهار أو تقوده إلى سلم المجد، وأن هذه الأمجاد ليست وليدة صدفة أو حظ عابر. وأعلم جيدًا أن الرياضة لا تبتسم بشكل عام إلّا لأصحاب الشغف العاملين لتحقيقه بكل السبل الممكنة وأنها لا تعطي ظهرها إلا لمن يتكبر عليها ويظن أنه يمتلكها في يده.
 

أهداف اللحظات الأخيرة، فوز السباق في آخر خمسة أمتار، هي ثمرة لشجرة تم ريها بالعرق والاجتهاد وليس بالدعاء أو أعمال السحر والشعوذة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.